كتب : احمد عبد اللاه
في شعائرهم وسلوكهم يرى اليهود بأنهم شعب الله المختار منذ نزول الأسفار الخمسة في نيسان العبري، ولديهم معتقد راسخ بأن الأرض التي تطأها اقدامهم تصبح ملك لهم بتفويض من لدن حكيم عليم وأن الأسر البابلي و “محارق النازية” يتم أخذهما الآن من أعناق السبايا العرب. وعلى هذه الثقافة الدينية يقتات و ينتفخ معنوياً شعب دولة اسرائيل (الملفلف) من كل أنحاء التاريخ وشتات الجغرافيا متعايشاً مع حالة الوَهم بأنهم شعب (كلاس) بقرار سماوي، ويحق لهم امتلاك الأرض واستعباد “الغوييم”. لكنهم مع ذلك يقدمون أنفسهم للعالم بأنهم الديمقراطية الوحيدة في هذا الشرق الغائر في أزماته الحضارية وتطرفه الديني.
وعلى مدار آخر يعتقد نظام إيران أن من حقه أن يحتفظ بالشرق حتى “ظهور المهدي” وفقاً للمانيفيستو اللاهوتي الذي شربته الجماهير الإيرانية بعد أول ثورة دينية كبرى في المنطقة أعادت شعب متعدد الأطياف إلى ملكوت الأحافير في مخابئ التاريخ العنيف بعد أن اعتقد خلق الله بأنها انطمرت. وهكذا أرخَت إيران مفاصلها على خارطة العراق والشام واليمن سعياً لالتهام جيرانها على اعتبار أن الكثير من دول الجوار الإيراني كانت “أراضي إيرانية تم اقتطاعها من الوطن الأم” حسب روحاني.. بما فيها جميع بلدان الخليج وأجزاء من العراق وكردستان وأفغانستان والقوقاز ودول آسيا الوسطى… إلخ. وبالتأكيد تصبح هناك حاجة للمحفزات المعاصرة من أجل تغذية (العصبيات) لاستخراج مخزون البارود، مع الحرص على شعار تحرير القدس باعتباره المشترك في خطاب دول الإقليم الطامحة لإعادة مجدها.
أما الثالثة فإنها تخص (السلطان) الذي يسعى لتسجيل انقلاب مدهش على المفاهيم وعلوم السياسة والفلسفة السائدة من خلال دمج الدولة العلمانية مع دولة الخلافة الدينية لتشكل ثقب أغبر تتعاضد داخل أغواره بيعة الإخوان ومعاهدة حلف الناتو في محاولة التهام مزدوج للحقيقة.. وفِي سياق مرادف لم يُعف الإسلامويون من مصادرة حقهم في إبداء الدهشة أو حتى ترويض المنطق الرياضي في كيفية جمع شعار التحرير الافتراضي للقدس وواقع التعاون الاستراتيجي المستمر مع تل أبيب! فهل يخاطب جمهوراً من (المساطيل)؟
وعلى أي حال يجري الآن تدخل جراحي لتعديل مدلولات الفتح ليأخذ بُعداً اسطنبولياً جديداً ويرسم بعد ذلك خط إسراء الخليفة من آيا صوفيا إلى مكة بعد أن يعرج على بيت همقداش حسب ال(سكريبت) العبري.. حيث يحتاج خيال الإخوان وقت قليل فقط لاستيعاب قدسية إسطنبول في الدائرة التي باركها الله حول المسجد الأقصى بدليل أن “المسافة بين الأقصى ومكة المكرمة هي نفس المسافة من بيت المقدس الى ميدان تقسيم في إسطنبول”. وهكذا يتم غسل أدمغة الناس في مراحل التحضير لوجبة الشرق الكبرى بعد أن يعد الشيف الاسلامبولي مكونات الطبخة الفضائية.
الآن تكتشفون أيها القراء أن الكذب وتوظيف الدين صفتان متلازمتان تنطبقان على الإسرائيليين وعلى غيرهم من بعض المسلمين. من كلّ حسب توظيفاته للمقدسات ولكلّ حسب شهوته المعززة بغرائز التاريخ في أخذ بلاد العرب التي أصبحت، كما يبدو لهم، (ملطشة) وشعوبها مجرد مكسرات.
لكن ماذا عن قادة الجزيرة بالذات المملكة السعودية باعتبارها على رأس قائمة الأهداف لأهميتها الجيوستراتيجية؟
للأسف هناك سجل متسلسل يشير إلى فارق هائل في التوقيت بين تنامي الأحداث واستجابة المملكة (إن هي استجابت). وقد تكشفت، من واقع أدائها في اليمن، جملة من الأخطار الداخلية قبل الخارجية التي تواجهها.. وتأتي في المقدمة أدواتها التي تعمل بشكل جلي ضد مصالحها الحيوية ولا يحتاج الأمر إلى مقدرة خاصة لتفسير مجريات ونتائج عاصفة الحزم وتأثير تيار الإخوان السعودي على سلوكها وادائها حتى بعد مواقف المملكة المعلنة منهم، فالدولة العميقة بأجهزتها ومؤسساتها ولجانها وصالوناتها هي (رابعتهم) التي يعتصمون فيها.. والمملكة كما يبدو لم تتعلم من المقولة القديمة.. من يستحضر الجن ولا يستطيع أن يصرفهم يصبح فريسة لهم.
مع ذلك قد تنجو، إن أردت، عزيزي القارئ من ضرورة هضم هذا التأويل (وهو الأرجح).. لكن عليك عوضاً عنه أن تشبع فضولك في أن تتبنى على الاقل حالتين ليستا أقل قسوة في وقعهما: أن تكون جميع أدوات المملكة قد تعمقت في اللؤم والفساد فطفت البلاهة على السطح… أو أنها تفكر بعقلين متضادين داخلياً… وذلك أشد رعبا!
فمن من حلفائها يعتبر؟
يوليو 17 / 2020