كتب : عبدالستار سيف الشميري
الغباء أخطر من الشر، بحسب الكاتب اناتول فرانس، فالشر يأخذ إجازة من حين لآخر، أما الغباء فيستمر.
ما بالكم عندما يكون الغباء ليس فرداً بل مطبخاً لجماعة كبيرة، عدد العاملين بهذا المطبخ ألوف من القطيع، يعملون تحت غطاء السمع والطاعة ويدارون بريموت واحد.
لا شك أن الغباء هنا يكون جمعياً ومضاعفاً ونووياً ومدمراً، فإذا زدنا على ذلك كله تمكن هذا المطبخ من اختطاف قرار الدولة أو مؤسساتها وأهمها الجيش والأمن فكيف سيكون الوضع وكيف ستكون القرارات؟
فإذا لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى أن هذا المطبخ هو من يحرك بعض الأحزاب السياسية ويخترقها وكذلك معظم منظمات المجتمع المدني، لا شك أنه الموت المؤكد، والدمار الشامل الذي ليس بعده دمار.
وهذا بالفعل ما هو حاصل في اليمن وربما من عشر سنوات عجاف، لقد حضر هذا المطبخ وغابت الأحزاب وغاب فعل النخبة عن الحضور في أي قرار.
من نافلة القول إن عقول النخبة في أي بلد هي من تنتج الأفكار وترسم مصير البلد وتحدد وتوجه نهضته على كل المستويات، وفي طليعتها مساره وقراره السياسي.
وفي البلدان الفقيرة والتي تتخطفها الحرب يتم اختطاف رسم مسار البلدان من عصابات ومافيا ومطابخ ليست غبية فقط، بل إن غباءها مكعب.. لا يمكن هضم مخرجاته، التي تعبث بالبلاد والعباد.
اليمن مثال حي لسيطرة مطابخ الغباء الإخواني وكذلك مطابخ السلطة الشرعية المخترقة، ولا حاجه أن نشير إلى ذات الشيء لدى الجماعة الحوثية فهي مصنفة عالمياً أنها مليشيات وعصابة.
الأمر الخطير عندما يكون الأمر لدى دولة تعبر عن ثلاثين مليوناً من البشر وتسلك نفس سلوك العصابات، وليس أدل على ذلك القرارت الأخيرة في تعز واللواء 35 وقبلها الكثير شمالاً وجنوباً.
إن سيل القرارات المحبطة وفشل العمل العسكري شمالاً تحديداً، وفقدان الحاضنة الشعبية للشرعية والخلاف بين كل أجنحة الشرعية وسيطرة الإصلاح على المسار والقرار والمال والسلاح، من خلال مطبخه في الرئاسة وفي مأرب وتعز.. كل ذلك وغيره أوجد هذا السخط الشعبي الواسع على الشرعية كنتاج طبيعي لأفعال هذا الأخطبوط الذي أطبق على الشرعية وأفقدها توازنها ومصداقيتها واستشرى فيها كالسرطان وأدارها بطريقة العصابات.
وليس أدل على ذلك أن المواطن البسيط أصبح يرى مناطق الحوثي أفضل إدارة من مناطق سيطرة الإخوان بكل قبح الحوثي.
لقد تزايدت عمليات النهب في المناطق التي يسيطرون عليها، ولم يكن لهم فضل تحريرها إنما تحررت بجهود شباب أنقياء أو مجاميع من السلفيين والشباب الحر المقاوم بمساندة التحالف العربي، وأداروها بطريقة تشبه مجاهدي شباب الصومال تماماً.
الغريب أن هذه المطابخ أحياناً تعمل من خلف الكواليس، وتضع وتدفع بأسماء وقيادات في الواجهة، وتديرهم بطريقتها مقابل بعض فتات توفره لهم، ومع ذلك تفشل ويفشلون، فيذهبون للتعويض الإعلامي، فتتبجح أنها تتحقق الإنجازات من خلال إعلامها وقنواتها التي تدعم من قطر وتركيا.
لقد فقدنا اليمن الدولة وفقدنا المكتسبات وفقدت اليمن أكثر من مليون من أبنائها وتفقد المزيد من المعاقين والجرحى كل يوم، وأكثر من خمسة ملايين مشردين ولاجئين في الداخل والخارج يعانون الويل والفاقة، والباقي فقراء وتحت خط الفقر.. بينما تنعم مطابخ الغباء وقطيعها الكبير بكل المال الحرام من خلال النهب المنظم.
وكما قرر الحوثي الخمس في مناطق سيطرتهم يقرر الإخوان بالأمس أخذ نصف موارد تعز باسم الجبهات، على طريقة خمس الحوثي، ويغرد قادتهم بين فترة وأخرى قادمون يا صنعاء، وما شابه من أحاديث التضليل الممنهج، لجلب المزيد من الدعم..!!
في الحقيقة، لقد غابت النخبة اليمنية الأصيلة الفاعلة، وخطفت هذة المطابخ الفعل والقرار اليمني، ولن تتركه إلا بفعل جمعي كبير، وكتلة مدنية ضد كل الجماعات الدينية والإخوان والحوثي والقاعدة تحديداً هم كتلة واحدة ونسيج واحد وتعبير مكرر بمسميات مختلفة ومتعددة.
لذا يجب الإسراع بالجهود لتشكيل ذلك الفعل المدني الذي ينبغي أن يكون ثلاثي الاشتراكي والمؤتمر والناصري بدايته، وينضم إليهم المستقلون وكل النخبة اليمنية، ولعل المثال الجميل الذي حدث في الحجرية لهذا الكيان يعطي مؤشراً إيجابياً بتوسع نطاقه جغرافيا كي يقوم بمهامه.
ما لم يتم ذلك فسوف نفقد المزيد، ولن يكون إعادة ترميم النفوس والوجدان والوطن أمراً هيناً، وسنحتاج سنوات طوالاً لفعل ذلك، فحجم الدمار الذي أحدثه الإخوان والحوثي ليس هيناً، لقد حفروا في وجدان الشعب كل ألوان الثارات، وغرسوا فيه بعمق كل العداوات والأحقاد تحتاج لزمن طويل وأجيال متعاقبه كي تزول.