كريتر نت – العرب
لم تحل المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، دون تأجيل موافقة البرلمان المصري على منح الجيش تفويضا كاملا بالتدخل العسكري في ليبيا، لردع الأطماع التركية.
ووافق البرلمان بالإجماع، مساء الاثنين، على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة للدفاع عن الأمن القومي في الاتجاه الإستراتيجي الغربي (ليبيا) ضد أعمال الميليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية إلى حين انتهاء مهمة القوات.
وأكّد مضمون التفويض، الذي ينص عليه الدستور قبل الشروع في أي عمل عسكري خارج البلاد، أن الجيش المصري استكمل كل الشرعيات اللازمة في الداخل والخارج التي تخول له الحق في القيام بهذه المهمة، فقد سبق وأن حصل على موافقة واضحة من الجيش الوطني الليبي، ومجلس النواب، وكبار شيوخ وأعيان القبائل في ليبيا.
ولم تمنع الاستفزازات التي مارستها الآلة السياسية والإعلامية في تركيا وقطر وطرابلس مؤخرا عزم مصر على ممارسة حقها في الدفاع عن أمنها القومي الذي بات مهددا بقوة من المرتزقة والميليشيات المسلحة التي نشرتها تركيا بكثافة في الأراضي الليبية.
وأكد مجلس النواب على أن الأمة المصرية قادرة بمنتهى القوة على الدفاع عن نفسها ومصالحها وأشقائها وجيرانها ضد أي خطر أو تهديد، وأن القوات المسلحة المصرية وقياداتها لديها الرخصة الدستورية والقانونية لتحديد زمان ومكان الرد على هذه الأخطار والتهديدات.
وكان البيان الذي صدر عن الرئاسة المصرية عقب اتصال السيسي بترامب، الاثنين، قد أشار إلى أنه جرى التوافق علي تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا وعدم التصعيد تمهيدا للبدء في تفعيل الحوار والحلول السياسية، دون أن يشير إلى كيفية الوصول إلى ذلك، في وقت تتفاخر فيه تركيا بأنها تدفع بالمزيد من السلاح والمقاتلين إلى ليبيا.
لكن البيان أوضح أن ترامب أبدى تفهمه للشواغل المتعلقة بالتداعيات السلبية للأزمة الليبية على المنطقة، مشيدا بالجهود المصرية الحثيثة التي من شأنها أن تعزز مسار العملية السياسية في ليبيا، وهو ما فهم منه بعض المراقبين أن واشنطن غير مستعدة للقيام بتحركات عملية وجادة للتدخل في الأزمة وضبط المسار السياسي فيها.
مصر كانت متيقنة من أن الإدارة الأميركية منحت الرئيس التركي الضوء الأخضر للتدخل في ليبيا
وكشف متابعون أن الاتصال بين السيسي وترامب لم ينعكس على الصيغة السياسية التي خرج بها التفويض من البرلمان، والتي جاءت قاطعة في اتجاه التدخل مع تخويل الرئيس المصري تحديد الوقت والزمان.
وبهذه الخطوة يمكن أن يقوم الجيش المصري بشن حرب في التوقيت الذي يراه مناسبا، خاصة أن السيسي تحدث أكثر من مرة محذرا من مغبة التدخلات التركية ونشر المرتزقة والإرهابيين في الأراضي الليبية.
وأشارت بعض المصادر، لـ”العرب”، إلى أن مصر كانت متيقنة من أن الإدارة الأميركية منحت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر للتدخل في ليبيا بهذه الطريقة، بذريعة التصدي للوجود الروسي، ولم تتخذ إجراءات كافية لردعه أو ثنيه عن أعماله الاستفزازية التي أججت الصراع في ليبيا.
وأضافت المصادر ذاتها، أن الرئيس ترامب “يشبه البطة العرجاء حاليا، يواجه مشكلات في الداخل والخارج على أكثر من مستوى، وترك الأزمات مفتوحة على مصراعيها دون حسم، وهو ما تجلى في المواقف الأميركية المتناقضة حيال ليبيا وغيرها، كما أنه يواجه صعوبات في تجاوز ماراثون الانتخابات الأميركية المقبلة”.
وإذا كان الرئيس ترامب طلب صراحة من السيسي التمهل في التدخل ولم يستجب الثاني له، فهذا معناه أنهما مقبلان على مرحلة من الفتور في العلاقة الدافئة التي جمعت بينهما طوال السنوات الماضية.
وضع حد للأطماع التركية في ليبيا
ويعزز موقف الإدارة المصرية بالتدخل من نفوذها الإقليمي، فهي تمتلك أقوى جيش في المنطقة، لديه الجاهزية لأية أعمال عسكرية متطورة، ويستطيع وقف الاندفاع التركي في المنطقة العربية، وتعد ليبيا أول اختبار عملي له في العصر الحديث، وهو ما تعتبره بعض الدوائر رصيدا عربيا مهما في هذه المرحلة.
وأجرى ترامب اتصالا هاتفيا أيضا، الاثنين، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لإيجاد وسيلة للتهدئة بين باريس وأنقرة، وفتح الطريق أمام التسوية السياسية للأزمة الليبية، خاصة أن ماكرون يشن هجوما حادا على تركيا لانتهاكاتها العسكرية في ليبيا.
وأعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، الأحد، أن بلاده ترفض تصعيد التوتر في ليبيا، وليست لديها نية لمواجهة مصر أو فرنسا أو غيرهما في ليبيا، في محاولة لامتصاص غضب القاهرة وباريس من أنقرة، والإيحاء بالتجاوب مع بيان كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا الذي حذر من فرض عقوبات على الدول التي تنتهك حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا.
ويقول مراقبون، إن الكثير من القوى الإقليمية لم تعد تثق في الخطاب السياسي التركي، حيث دأب على المراوغات والتحايل في التعامل مع الأزمات.
وتريد القاهرة استعادة توازن أركان الدولة الليبية والحفاظ على مؤسساتها الوطنية، ومنع المزيد من تدهور الأوضاع الأمنية بتقويض التدخلات التركية غير المشروعة.
ووضع الرئيس المصري في 20 يونيو الماضي خطا أحمر بين سرت والجفرة، وتعهد في حال تجاوزه بالتدخل العسكري مباشرة، وحصل على تفويض متعدد الوجوه من الأجسام الشرعية، السياسية والاجتماعية في ليبيا، وكان بانتظار تفويض برلمان بلاده فقط وفقا للدستور، وقد حصل عليه واستكمل عدته القانونية.
وأشار متابعون إلى أن مصر التي تواجه تحديات على جبهات كانت لا تحبذ التدخل في ليبيا عسكريا ما لم تكن هناك ضرورة قصوى وتهديد كبير للأمن القومي، وهو ما حدث عقب تمادي تركيا في توريد المرتزقة إلى ليبيا وتقديم معدات عسكرية لحكومة الوفاق، والتهديد بتجاوز سرت والسيطرة على الحقول والموانئ النفطية.