كريتر نت – الموقع بوست – نسيم القواس
“الدجاج أضحيتي إذا وجدت قيمتها…”، هكذا قال “فيصل علي (45 عامًا) الذي يعمل جنديًا في أحد المعسكرات بأمانة العاصمة صنعاء، مختزلا معاناة شعب اجتمعت عليه ثلاثية “الحرب والوباء وغلاء الأسعار”. وبات ينظر إلى الشعائر الدينية كأضحية العيد سنة لا تستدعي الاهتمام وذلك بالنظر إلى بقية المطالب الأساسية كالقمح والأرز وغيرها.
يقول فيصل في حديث لـ”الموقع بوست”: “كنا في السابق نذهب لشراء أضحية العيد خوفًا من الناس وردود أفعالهم تجاه الفقراء الذين كانوا لا يجدون أضحيتهم حيث كان ينظر إليهم الناس بنظرة إزدراء واستحقار”، مؤكدًا أن اليوم وفي ظل الحرب “بات الجميع في المعاناة متساوين ولم يعد أحد يسخر من أحد إذا لم يضحي”.
يضيف “فيصل”: “قضيت أكثر من ثلثي عمري في خدمة الوطن في المجال العسكري واليوم لا أستطيع شراء أضحية العيد”.. يختزل بكلماته معاناة موظفي اليمن مدنيين وعسكريين بعد انقطاع رواتبهم للعام الرابع على التوالي والتي كانت بالنسبة لهم “حياة” فقدوها بعد أن تحولت رواتبهم إلى دهاليز السياسة، حسب قوله.
انقطاع الرواتب
لا فرق في المعاناة بين موظفي الدولة المدنيين أو العسكريين، فالرابط المشترك بينهم هو “المعاناة بعد انقطاع الرواتب”، فـ”عبد الرحمن أحمد”، موظف في جوازات مطار صنعاء كعمل مدني، لم يكن بأحسن حال من “فيصل علي” والذي يعمل في السلك العسكري.
يقول عبد الرحمن مستعرضًا معاناته بعد انقطاع راتبه وتوقف مطار صنعاء عن العمل والذي توقف معه مصدر دخله الوحيد: “أعيل ثلاثة بنتان وولد بالاضافة إلى وزوجتي”، مؤكدًا أنه في ظل الظروف الحالية “لا أستطيع شراء أضحية العيد”.
يرجع “عبد الرحمن” في حديثه لـ”الموقع بوست” الأسباب لعدم قدرته على شراء أضحية العيد إلى “انقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار في كل شي بما فيها الأضاحي”، مشيرًا إلى معاناته بالقول: “تأثرت بالوضع الاقتصادي وخاصة منذ انقطاع الرواتب في سبتمبر 2016″، مضيفًا: “صمدت في صنعاء حتى شهر سبتمبر 2019 بعدها نزحت البلاد بسبب الظروف المادية وأصبحت الحياة في صنعاء صعبة للغاية”، حسب وصفه.
ركود ملحوظ
انعكست معاناة اليمنيين موظفين وغيرهم على شراء أضاحي والتي شهدت أسواقها ركودا على غير عادتها خصوصا مع حلول عيد الأضحى المبارك من كل عام، حيث تراجعت نسبة إقبال المواطنين على شراء الأضاحي كنتيجة طبيعية لمعاناتهم مع استمرار الحرب وانقطاع رواتب موظفي الدولة.
ويرجع باعة المواشي سبب الركود إلى الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد عمومًا وعزوف المواطنين عن الشراء باعتبار أن الأضحية بات كالحج لمن يستطيع إليه سبيلا، فضلا عن ارتفاع أسعار الأضاحي حيث بات سعر الكبش الواحد ما بين “70 إلى 150 ألف ريال”.
ويلاحظ ازدحام الأسواق اليمنية من المواشي والأبقار وغيرها بشكل كبير، لكن هذا العرض قوبل بانخفاض كبير في الطلب مما أدى إلى ركود اقتصادي كبير، خصوصا مع توقف أسواق تهامة عن تسويق المواشي إلى السعودية وبيعها في موسم الحج بسبب إغلاق المنافذ نتيجة جائحة كورونا وباتت هذه الأضاحي تورد إلى العاصمة صنعاء.
واضافة إلى ما سبق، يقول أحمد علي، أحد تجار الجملة في شارع خولان بصنعاء، إن غزارة الأمطار تسبب كذلك ركودا اقتصاديا حيث يعزف المواطنون عن الشراء، معربًا عن أمله أن يتحسن الوضع في الأيام القادمة، حسب قوله.
المؤسسات الخيرية
انعكس الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد كذلك على المؤسسات والجمعيات الخيرية التي كانت في السابق تمثل الملاذ الآمن لآلاف الأسر الفقيرة في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية، حيث باتت هذه المؤسسات تعاني أيضًا بل وبعضها أغلقت أبوابها لعدم وجود مصادر تمويل، والأدهى من ذلك تحول بعض العاملين في تلك المؤسسات إلى شباب يستحقون العون والمساعدة.
“سميرة” شابة يمنية كانت تعمل في إحدى المؤسسات الخيرية وكانت بالنسبة لها مصدر دخل، بعد إغلاقها لم تستطع أن تشتري أضحية العيد وباتت بحاجة لمن يقدم لها مساعدة. تقول سميرة: “لا أحلم أن أشتري أضحية خاصة في الوقت الحالي”.
وأضافت في حديثها لـ”الموقع بوست”: “ليس لدي مصدر دخل ثابت والغلاء كل يوم زيادة عن اليوم الذي قبله إضافة إلى انعدام فرص العمل، وإذا وجدت فبرواتب ضئيلة لا تستطيع أن تشتري منها أضحية”، مؤكدة أنها تأثرت بشكل كبير جدا بعد إغلاق المؤسسة أبوابها ولم يعد لديها مصدر دخل بديل.
صعوبات ومعوقات
ويؤكد العاملون في المجال الخيري أن أبرز الصعوبات والمعوقات التي تواجه المؤسسات الخيرية تكمن في زيادة المحتاجين وانخفاض عدد الممولين أو المانحين وفاعلي الخير، بحسب ما يراه رئيس مؤسسة شباب الخير للتنمية غرب عدن.
يوضح علوان في حديث لـ”الموقع بوست” أن مؤسسة لديها 1000 أسرة من الأسر الأشد فقرًا ونازحين في غرب مديرية البريقة من المستحقين للأضاحي هذا العام.
وأشار إلى أن “أهم الصعوبات التي يعانونها تتمثل في اتساع دائرة الاحتياج وتضاعف عدد المحتاجين”، إضافة إلى “الغلاء الفاحش للمواد الغذائية والأضاحي قلّص بشكل كبير في الكم والنوع من توفير سلل غذائية أو أضاحي أو غيره لهذه الأسر”.
وأكد ياسر رئيس مؤسسة شباب الخير للتنمية “انخفاض عدد المشاريع الخيرية عما كان قبل 3 سنوات”، الأمر الذي شكل “محدودية عدد المستهدفين في المشاريع الخيرية التي تنفذ من قبل المنظمات والجمعيات”، مرجعا السبب إلى “تفشي وباء كورونا وتوقف الأعمال في دول الجوار أوقف بشكل كبير مساهمات فاعلي الخير من المغتربين”.
توقف مصادر الدخل
ويرجع حسام محمد، أمين عام جمعية عدن للتنمية، السبب في عدم قدرة المواطنين على شراء الأضاحي إلى اختلاف المستوى المعيشي للناس بسبب الحرب، مشيرا إلى أن المواطن كان لديه قبل الحرب أكثر من مصدر دخل بحيث يعمل ويتحرك في أكثر من مجال فكانت إمكانياتهم لشراء الأضاحي كبيرة.
وأكد حسام في حديث لـ”الموقع بوست” أن “الحرب أوقفت كثيرا من مصادر الدخل للمواطنين مما أدى إلى تدهور أوضاع الأسر التي كانت تعيش في وضع معيشي متوسط بعد توقف الرواتب وعدم الحركة في أكثر من مكان والعمل في أكثر من مصدر للدخل وعدم الأمن والخوف… إلخ”، مشيرًا إلى أن “كثيرا من الأسر تدهور وضعها وتحول بعضها من طبقة متوسطة إلى طبقة فقيرة بل بعضها إلى أسر أشد فقرًا”.
وأكد أن تأخر الرواتب وانقطاعها لأشهر أدى إلى تحول بعض الأسر من فقيرة إلى أشد فقرًا بل وبعضها وصل إلى الصفرية أي الانعدام التام لمصادر الدخل”، مرجعا سبب ارتفاع الأضاحي إلى ارتفاع سعر العملة، مؤكدا أن سعر الأضحية لا يزال بالدولار والسعودي كما هو لم يتغير وإنما التغير حصل بعد تهاوي سعر العملة اليمنية”.
التجاذبات السياسية
“صدام” ناشط شبابي يعمل متطوعا في مجال المنظمات الإنسانية، يرى أن “الصعوبات التي يواجهها في الميدان الوضع الأمني المنهار والتجاذبات السياسية التي أثرت بشكل كبير على الأعمال الخيرية وروادها والتي غالباً ما تجعل رائد العمل الخيري في حالة قلق منتظراً الاعتقال أو الانتهاك لإنسانيته”.
وقال صدام إن لديه حاليًا “مشروع خيري بمستوى اليمن”، مستبعدًا “البدء فيه في ظل هذا الوضع”، مضيفًا أن “الوعي الخاطئ لدى المواطنين بالأعمال الخيرية وأهميتها وضعف كبير في ثقافة التطوع وتنظيم التكافل الاجتماعي الذي يتسبب بعدة عراقيل منها منع مثل هذه الأعمال أو التضييق عليها أو التنمر ضد روادها وأقلها محاولات الابتزاز من بعض المواطنين تحت مسميات كثيرة”.
وأشار إلى أن الصعوبات التي تواجه العمل الخيري كذلك “شبه انعدام للمؤسسية في الأعمال الخيرية وروادها والاكتفاء بالمستوى التقليدي من قبلهم عند التنفيذ”، إضافة إلى “ندرة المواطنين المؤمنين بأهمية التبرع وتقديم المساهمات المالية لإنجاح مشروع خيري ما”.
وأكد أن الصعوبات التي تواجه العمل الخيري في مثل هذه الظروف أيضا: “قلة تفاعل المؤسسات الحكومية والخاصة والمراكز التجارية وغيرها مع الأعمال الخيرية على افتراض أن دعمهم يعتبر شرطا مهماً من شروط نجاح أي عمل خيري”، حسب قوله.
انخفاض الدعم
وترى الناشطة تسنيم عبد الله أن الصعوبات التي باتت تواجه العمل الخيري والذي كان يعمل على سد معاناة شريحة كبيرة من الفقراء والمحتاجين في كافة المجالات أبرزها “قلة المتبرعين بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي”.
وأضافت في حديث لـ”الموقع بوست” أنه من الأسباب كذلك “عدم تقبل بعض الناس حكاية أنك بتعمل شيئا لله دائما يربطون كل عمل وإن كان خيريا بالسياسة”، إضافة إلى “قلة الداعمين أو بالأصح قله الدعم”، حسب وصفها.
وأشارت إلى أن “غالبية الداعمين خرجوا من البلاد حيث كانوا فعلا يحبون فعل الخير وحاليًا ليس الكل يوجد هناك قليل من فاعلي الخير من يقوم بالتبرع”، مضيفة أن غالبية الدعم تحول إلى “جهات أخرى تحت مسيمات منظمات المجتمع المدني ومنظمات حكومية وغير حكومية”.