كريتر نت – قصي شيخو – العرب
لاحظت الحكومات الأوروبية علاقة الذئاب الرمادية بالتنظيمات الإسلامية الإرهابية وتهديدها المتنامي للأمن القومي لأوروبا، وبدأت في بذل جهود أكثر جدية للتصدي لها، لكن الخطر الحقيقي يكمن في تقارب أيديولوجية الذئاب الرمادية مع أفكار الإسلام السياسي المتطرف، وكلما اندمجت الأفكار المتطرفة لجماعات الإسلام السياسي في المجتمعات الغربية، زادت التوترات حول ما إذا كانت متطرفة حقا أم أنها لا تمثل إلا شكلا مقبولا للخطاب السياسي وتمثل وجهة نظر نسبة كبيرة من الناس العاديين، من جانبها تستغل جماعات الإسلام السياسي هذه الإشكالية لفرض أيديولوجياتها المتطرفة.
أعلنت الحكومة النمساوية تأسيس مركز بحثي مختص لمتابعة وتوثيق نشاطات “الإسلام السياسي” بعد الهجمات الأخيرة التي شنتها مجموعات تابعة لحركة الذئاب الرمادية على مظاهرة نظمها يساريون نمساويون وكرد وأتراك نهاية يونيو الفائت.
وقالت وزيرة الاندماج النمساوية، سوزانا راب، إن الحكومة النمساوية تعلم جيداً أنه هنالك هياكل تنظيمية في النمسا يتم تمويلها من الخارج وبالتحديد من تركيا وقطر ودول أخرى، مؤكدة على أن الحكومة في فيينا ترغب بمحاربة هذه التنظيمات والهياكل المنتشرة في البلاد.
وترى الحكومة النمساوية وعدد كبير من الباحثين أن الإسلام السياسي يشكل خطراً متزايداً على الدول الأوروبية، وتأمل أن يقدم المركز البحثي صورة إيجابية يمكن تطبيقها لاحقاً على المستوى الأوروبي لمكافحة الإسلام السياسي.
واستُلهمت فكرة تأسيس المركز البحثي المختص بتوثيق أعمال ونشاطات الإسلامي السياسي من مؤسسة المركز التوثيقي للمقاومة النمساوية (DÖW) المختص بتوثيق مقاومة النمساويين ضد النازيين والملاحقات التي تعرض لها الناس على يد الفاشية آنذاك.
وعبرت الباحثة السياسية المختصة في شؤون الإسلام السياسي، نينا شولتز، في لقاء صحفي مع قناة (زي.دي.أف) الألمانية عن سعادتها لقرار الحكومة النمساوية القاضي بتأسيس المركز البحثي معللة ذلك بالخطر المتزايد لهذه التنظيمات.
وقالت شولتز إن الإسلام السياسي المنتشر في أوروبا والنمسا بالتحديد يعمل في إطار مفهوم واسع يحاول إعادة هيكلة المجتمع ونظام الدولة وفقاً لرؤيته الدينية.
من جانبه، رفض المجلس التنسيقي العام للمؤسسات والجمعيات الإسلامية في النمسا قرار تأسيس المركز البحثي واعتبره مركزاً للتجسس على المسلمين في النمسا، منوهاً إلى أن هذه الجهة البحثية قد تضع المسلمين في موضع اشتباه عام وتظهرهم كمجرمين بشكل أو بآخر.
وقال رئيس المجلس التنسيقي العام، أوميت فورال، إن التعاون مع هذه الجهة البحثية “غير معقول” وهو قرار اعتبره المطلعون على المجلس التنسيقي في النمسا أمراً متوقعاً.
ويقدم المجلس التنسيقي العام للمؤسسات والجمعيات الإسلامية في النمسا نفسه كمؤسسة مستقلة إلا أن المعلومات تشير إلى ارتباطه بمنظمات الإسلام السياسي في النمسا حيث إن فورال يعتبر ممثلا للاتحاد الإسلامي المتهم بعلاقته مع حركة ميلي جوروش وبالتالي ارتباطه مباشرة مع حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم وحركة الذئاب الرمادية في أوروبا، وفق ما أكده رونالد بيليك، أستاذ الفلسفة والتاريخ، لموقع مانستيشا بريسه دينست النمساوي.
ويضم مركز التوثيق للإسلام السياسي خبير التطرف لورينزو فيدينو (مدير برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن) والباحث المختص في الشؤون الإسلامية، مهند خورشيد، رئيس علم اللاهوت الإسلامي في جامعة مونستر وأستاذ التربية الدينية الإسلامية.
واعتبر خورشيد المركز الجديد “فرصة للمسلمين”، خلال لقائه مع صحيفة دير ستاندرد النمساوية، مشددا على أن تأسيس المركز التوثيقي “أمر مهم” لأن الخطابين السياسي والعلمي في أوروبا ركزا في السنوات الأخيرة على الجهادية والسلفية، فيما تجاهلا بشكل كبير الإسلام السياسي الذي يعتبر خطره أكبر بكثير لأن هياكله التنظيمية متطورة للغاية في جميع أنحاء العالم وهو يقدم نفسه تحت عباءة الديمقراطية وحقوق الإنسان بهدف السيطرة والتغلغل في مراكز القرار باسم الدين.
ويأتي قرار تأسيس المركز التوثيقي على خلفية هجمات شنها مناصرون لحركة الذئاب الرمادية المتطرفة المدعومة من الحكومة التركية على مظاهرتين نظمتا من قبل جماعات يسارية كردية وتركية ونمساوية في يومي السابع والثامن والعشرين من يونيو، في فيينا احتجاجاً على العمليات العسكرية التركية الجارية في كردستان العراق وكذلك ضد سلسلة أخيرة من جرائم قتل النساء في تركيا، والتي كانت كافة ضحاياها تقريباً من الناشطات الكرديات.
وتعرضت هذه الاحتجاجات لهجوم من قبل مجموعات قومية تركية، معظمها تابع أو متعاطف مع تنظيم “الذئاب الرمادية” المتطرف. وقد غرمت الشرطة بعض الأتراك لاستخدامهم شعارات باليد محظورة لارتباطها بهذا التنظيم المتشدد.
واستدعت وزارة الخارجية النمساوية نهاية يونيو الماضي، السفير التركي لدى فيينا، أوزان جيخون، على خلفية أعمال العنف التي مارسها أنصار الذئاب الرمادية.
وفي ردها المألوف، انتقدت الخارجية التركية بشدة تعامل النمسا مع الاحتجاجات التي قالت إنها لجماعات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وقالت الوزارة إنها ستستدعي سفير النمسا في أنقرة وسيتم إبلاغه بقلق تركيا. كما اتهمت الخارجية قوات الأمن النمساوية بالتعامل “بقسوة” مع المحتجين الأتراك.
ويشمل مصطلح الإسلام السياسي الجماعات المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين العالمي الذي يتم تمويله بشكل مباشر من قبل كل من تركيا (بقيادة حزب العدالة والتنمية) وقطر.
وتدير قطر وتركيا المئات من المنظمات والمشاريع في مختلف الدول الأوروبية وتسعى تركيا بالتحديد إلى زيادة نفوذها من خلال وكلائها في أوروبا إلى التجسس على المعارضين واختطافهم، ناهيك عن رغبتها بزيادة نفوذها في دول الاتحاد وخاصة في الدول الناطقة بالألمانية وهي ألمانيا وسويسرا والنمسا.
وتمتلك تركيا شبكة عنقودية من المنظمات والعملاء المنتشرين في كافة دول أوروبا الغربية وهي تعمل بشكل منتظم على مراقبة المعارضين وتوثيق معلوماتهم لإرسالها لاحقاً لأنقرة.
وأكدت تقارير استخباراتية ألمانية أن تركيا تمتلك حوالي 8 آلاف عميل للتجسس على المعارضين في ألمانيا لوحدها من خلال التعاون مع جوامع منظمة ديتيب.
ويقول فيديرك بورناند، مختص في شؤون المنظمات الدولية، لموقع سويس إنفو إن قطر تحاول التغلغل في الدول الأوروبية من خلال مشاريع يتم تمويلها باسم جمعية قطر الخيرية التي تعمل على بناء جوامع ومؤسسات دينية تنشر فكر الإخوان المسلمين في دول أبرزها إيطاليا، فرنسا، إسبانيا وألمانيا. بيد أن الهدف الأساسي لهذه المشاريع يتركز في تجنيد المسلمين في هذه الدول وربطهم بشبكات الإخوان المسلمين الدولية التي تقودها تركيا وقطر ودول أخرى للتغلغل في المؤسسات الأوروبية بهدف التأثير على القرار الأوروبي.