كريتر نت – العرب
ترك مدينة صنعاء القديمة تواجه مصيرها وتغالب السيول بعد أن عانت الإهمال وواجهت ويلات الحرب، سيتسبّب بخسارة فادحة، ليس لليمن وحده ولكن للمنطقة العربية التي تمثّل المدينة بتفرّد طابعها المعماري إحدى أهم واجهاتها الثقافية والحضارية، الأمر الذي يحتّم وضعها خارج إطار الصراعات السياسية والعمل على إنقاذها وحمايتها.
وجهت جماعة الحوثي، الثلاثاء، نداء استغاثة لإنقاذ مدينة صنعاء القديمة من أضرار سيول الأمطار إثر انهيار بعض مبانيها التاريخية.
وجاء ذلك في بيان صادر عن “الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية” الواقعة ضمن سلطة الحوثيين الذين يديرون من العاصمة اليمنية حكومة موازية غير معترف بها دوليا. وتعوّل الجماعة على إثارة فزع المجتمع الدولي بشأن معالم صنعاء ذات القيمة التراثية والثقافية المرموقة عالميا نظرا لتفرّد طابعها وأصالته.
ودأبت الجماعة المسيطرة بقوة السلاح على عدد من مناطق اليمن على رأسها العاصمة صنعاء، على التعويل على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لتحمّل جزء كبير من أعباء الأوضاع الإنسانية والاجتماعية السيئة التي ساهمت الجماعة ذاتها في خلقها، بينما تصرف هي اهتمامها لتمويل مجهودها الحربي الذي لا يفتقر للموارد رغم ارتفاع تكاليفه.
وتتّهم الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي الحوثيين بإهمال المعالم التراثية الثمينة في مدينة صنعاء، وتعريضها لخطر الحرب بجعلها مخبأ لأسلحتهم وملاذا لمقاتليهم.
وسبق أن أظهرت العديد من الصور والأشرطة بعضا من الدور والمنشآت القديمة بالمدينة مهدّمة جزئيا أو كليا بسبب تعرّضها للقصف ما جعل الأصوات تتعالى لجعل المدينة خارج دائرة الصراع السياسي والعمل على إنقاذها وحمايتها كإحدى أهم الواجهات الحضارية والثقافية للمنطقة العربية.
ولأجل لفت نظر الرأي العام الدولي للأخطار التي تهدّد صنعاء جرّاء الحرب قامت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو بإدراجها سنة 2019 على قائمة التراث العالمي الذي يواجه أخطارا.
وورد في بيان الهيئة “نوجه نداء استغاثة لكل العالم بمنظماته الدولية وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ومراكز التراث العالمية لإنقاذ مدينة صنعاء التاريخية”.
وأضاف أنّ “بعض مباني المدينة تعرضت لانهيارات بسبب استمرار هطول الأمطار التي تشهدها العديد من المناطق اليمنية”. وحذّر من انهيار مبان تاريخية أخرى بالمدينة عمرها مئات السنين في حال استمرار هطول الأمطار الغزيرة.
وذكر أن السيول الناجمة عن الأمطار “أدت إلى انهيارات جزئية بالسورين الشمالي والجنوبي للمدينة، التي باتت تواجه كارثة حقيقية تهدد وجودها”.
الحوثيون يلقون تبعة الملفات الإنسانية على المجتمع الدولي بينما يخصصون ما لديهم من موارد لمجهودهم الحربي
ويأتي نداء الجماعة، في وقت طالبت فيه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، الأمم المتحدة، بإغاثة المتضررين جراء السيول في محافظات عدة بالبلاد.
ويعاني اليمن ضعفا شديدا في البنية التحتية، ما جعل تأثيرات السيول تعمق مأساة السكان الذين يشكون من هشاشة الخدمات الأساسية.
وخلال الأسبوعين الماضيين، لقي العشرات من سكّان اليمن حتفهم جراء السيول التي ضربت محافظات يمنية عدة، فيما تضررت الآلاف من الأسر ودمرت الآلاف من المنازل بينها منازل نازحين، وفق تقديرات رسمية.
ففي محافظة عمران بشمال اليمن، أعلنت جماعة الحوثي انهيار عدّة منازل سكنية وإجلاء 30 أسرة إثر انهيار سد جراء السيول التي ضربت المحافظة.
وفي محافظة مأرب شرقي البلاد توفي 17 شخصا بينهم ثمانية أطفال نتيجة للأمطار والسيول التي داهمت المحافظة. وقال بيان رسمي صادر عن مكتب وزارة الصحة في مأرب إنّ “16 حالة توفيت غرقا بينما توفيت حالة واحدة نتيجة صاعقة رعدية”.
وبحسب البيان ذاته فإن 8 أطفال توفوا غرقا بينما أصيب أربعة أشخاص بسبب السيول. وأدت الأمطار إلى ارتفاع منسوب مياه سد مأرب وفيضانها باتجاه الممرات الطبيعية المخصصة للمفيض للمرة الأولى منذ إنشاء السد عام 1986، بحسب وكالة سبأ للأنباء. وتنامت المخاوف من إمكانية انهيار السد.
وطلبت الحكومة اليمنية تنفيذ “حلول عاجلة للمخاطر المحتملة جراء استمرار تدفق السيول الخارجة من سد مأرب، وتكثيف الجهود لإغاثة المتضررين”، بحسب بيان. وفي محافظة حجة بشمال غرب اليمن لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم جراء السيول التي جرفت أكواخ خمسين أسرة في المحافظة الواقعة في معظمها تحت سيطرة جماعة الحوثي.
لا حلول لدى الحوثيين سوى التدمير
كذلك عمّقت الأمطار المدارية التي هطلت بكميات كبيرة معاناة النازحين الذين شرّدتهم الحرب الدائرة في اليمن منذ قرابة الست سنوات حيث دمّرت المئات من الخيم ومراكز الإيواء التي لجأوا إليها. وجاءت السيول الأخيرة التي طالت عددا من مناطق اليمن بما في ذلك صنعاء لتزيد أوضاع البلد تعقيدا وهو الذي يعاني أصلا من أزمة اقتصادية ومالية طاحنة جعلت المجاعة تهدّد أغلب سكّانه، وأزمة صحية خطرة تتمثل في وباء كورونا في ظل افتقار شبه كامل لوسائل الوقاية منه وعلاجه.
وتعتبر الأمم المتحدة أن الوضع في اليمن أسوأ أزمة إنسانية بحيث يحتاج أكثر من 80 في المئة من السكان أي 24 مليون شخص، إلى شكل من أشكال المساعدة والحماية.
ولا يتوقّع متابعون للشأن اليمني أن تمرّ كارثة الفيضانات الحالية دون أن تزيد في تعقيد الأوضاع الإنسانية في اليمن، حيث رصدت منظمات ووسائل إعلام حدوث دمار كبير في البنى التحتية المتهالكة أصلا، لكنّ الخسائر الأكبر سجّلت في الممتلكات الخاصة من منازل سكنية ووسائل مادية تستعين بها المجتمعات المحلية على تحصيل الرزق وتوفير الغذاء، حيث أتلفت كميات الأمطار التي فاقت المعدّلات العادية المحاصيل الزراعية واقتلعت الأشجار وقتلت أعدادا كبيرة من المواشي وجرفت خلايا النحل في المناطق الجبلية حيث يعتمد بعض السكان على إنتاج العسل بكميات كبيرة وجودة عالية.