كتب : محمد الثريا
بالحديث عن اعلان التطبيع الإماراتي مع سلطات الكيان الصهيوني والهالة الاعلامية التي رافقت ذلك الحدث نعتقد ان الامر بالاساس لم يكن يستحق كل ذلك الهرج والشطط الإعلامي المبالغ به جراء ذلك التطور المتوقع حدوثه منذ مدة وبخاصة اذا ما استعرضنا مجمل المعطيات والمتغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة وملف القضية الفلسطينية نفسها خلال السنوات القليلة الماضية والتي كانت تدفع بالقول أن ثمة خرقا او طفرة قادمة لابد لها من الحدوث بهدف حلحلة مياة الصراع الاسنة ومغادرة بوتقة القضية الاصعب تاريخيا هذا فيما يتعلق بحيثيات الواقع القائم حاليا .
اما لو عدنا للوراء دهرا من الزمن لربما تذكرنا حينها حقا ان القضية الفلسطينية قد بيعت في سوق النخاسة منذ وقت مبكر وانه قد تم التخلي رسميا عن فكرة محاربة اسرائيل من قبل الانظمة العربية الحاكمة إزاء الحق المغتصب حتى وان كان ذلك الحق عبارة عن جغرافيا عربية أصيلة او مقدسات دينية تحمل الهوية التاريخية لحقبة عروبية اسلامية منيرة ذلك في اللحظة التي تفرغت فيها تلك الانظمة لضرب وتقويض بعضها البعض .
هنا تحديدا نستطيع القول ان الصراع التاريخي بين العرب واسرائيل قد انتقل فعليا من مرحلة المقاومة والممانعة على الاقل الصورية الى مرحلة المهادنة الودودة واحيانا التطبيع المتدرج من تحت الطاولة ( اي التحول من عدو تقليدي متربص الى صديق مستقبلي وحليف جدير بالثقة).
ما فعلته الامارات اليوم عبر اعلانها تطبيع العلاقة مع اسرائيل تحت مبرر ( شأن داخلي) ليس الا إيذانا بتدشين موقف عربي جديد يدفع ناحية دعم صفقة القرن بصفة رسمية وتذليل الصعاب امام انفاذها عمليا استنادا الى امكانية خلق حقائق ووقائع تؤكد في مجملها طي صفحة التطبيع على خجل والبدء بأقامة علاقات رسمية مع اسرائيل بشكل علني لاينبغي خلاله بقاء القضية الفلسطينية حجر عثرة فترة أطول.( وهو الهدف قصير المدى من الخطوة الاماراتية ).
وبطبيعة الحال فان الخاسر الاكبر هنا سيكون هم الفلسطينيون الذين سيفقدون وطنهم رويدا رويدا وعلى غير العادة سيحدث ذلك بمباركة عربية هذه المرة .
فالسلطة الفلسطينية بلاشك ستجد نفسها عقب ذلك التطبيع الرسمي الواسع والمتمثل بواقع جديد ومواقف عربية مغايرة محشورة لوحدها في زاوية الصراع الاضيق وفي طرف معادلة صعبة وغير متكافئة حينما يظهر احد عناصرها قويا متماسكا ويمتلك كافة الامكانات السياسية والعسكرية والاقتصادية فيما الاخر سيبدو ضعيفا عاجزا سئم دور العالة على الاخرين وخطاب الاستجداء بهم لعقود .
وبالتالي سيبدو لامناص هنا من قبول السلطة الفلسطينية بمشروع الرئيس الاميركي ترمب والذهاب في إقرار صفقة القرن مع الطرف الاسرائيلي خصوصا بعد سلسلة المواقف العربية المعدة والضاغطة باتجاه دفع الفلسطينين نحو قبول العرض المتاح اليوم وان كان مجحفا كثيرا ؛ وباعتقادي حينها ان القرار الفلسطيني وتحت تأثير الابتزاز الذي يمارسه اشقائه قبل اعدائه سيكون قرارا منقسما في أحسن الظروف هذا ان لم تكن هنالك موافقة فلسطينية رسمية ضمنية قد تمت مسبقا، لتترك بعدها مسألة تسويق ذلك الموقف الفلسطيني الذاعن والتمهيد له عبر جملة مواقف عربية رسمية داعمة لهكذا تطور من خلال دعوات وبيانات تدعو الى ضرورة قبول الفلسطينين بالامر الواقع وقد يكون ذلك المسعى في هيئة فعاليات وبرامج موجهة بعناية يتوقع مشاهدتها في القريب العاجل.
لايجب بأي حالا من الاحوال ونحن نتناول حدث اليوم في إعلان دولة الامارات التطبيع مع حكومة اسرائيل وتجذير العلاقة معها على مختلف الاصعدة ان نغفل عن إدراك جزئية مهمة هنا وهي ان الموقف الاماراتي ذاك لم يترك وحيدا ساعة اعلانه كما لم يأت قط مكشوف العورة فسرعان ما جاءت بيانات الستر والتزكية العمانية والبحرينية والمصرية له تواليا وبشكل صريح وبهذا صرنا فعلا امام اصطفاف ومحور عربي اقليمي جديد يحمل خطابا رسميا يحتوي ذلك التوجه ويتبنى مشروع التطبيع مع اسرائيل علنية وعلي نطاق واسع،وهو مايؤكد ان الامر برمته كان يطبخ على نار هادئة منذ فترة قبل ان تأخذ دولة الامارات العربية المتحدة على عاتقها اليوم مسؤولية المبادرة في الاعلان عنه وحسب .
المفارقة الجديدة التي سيخلفها ذلك التحول او الحدث المعلن هو حول طبيعة وماهية الخطاب الشعبوي القادم الذي ستتبناه القوى الاقليمية المتصارعة وحلفائها بالمنطقة في شيطنة بعضها وتبرير صراعاتها البينية هناك او حتى عند تلميع صورتها امام شعوبها خلال البحث عن مبرر مقنع يفسر دعوى استمرار المواقف المناهضة والتوترات العابثة تجاه دول الجوار العربي ذاتها والتي اصبحت تكلف الكثير .
فالكل اليوم اصبح يسير في فلك التطبيع ذاته وعلى نفس المركب (العلاقة مع اسرائيل) ،وباتوا جميعا سواء في البضاعة وايما بضاعة ( اليهودي صديق مؤتمن والعربي المسلم عدو على مر الزمن) مع الاحتفاظ بفارق التوقيت المتعلق بذلك التطبيع والذي يؤكد ان دولة الامارات العربية لم تكون الدولة الاولى بالمنطقة في أقامة علاقات مباشرة مع اسرائيل فقد سبقتها دول عربية واسلامية في هذا الاتجاه ولكننا هنا بصدد الحديث عن موقف عربي جديد يتشكل وقد يخترق نمطية ملف الصراع العربي الاسرائيلي تكون الامارات هي المبادر الاول في رسم معالمه .( وهو الهدف متوسط المدى من الخطوة الاماراتية).
بلاشك انهم ( عرابو المحور المتشكل) سيلجأون بشدة الى تطويع كثير من المفردات السياسية واعادة ترجمة كثير من المصطلحات التي تشخص علاقات الدول ببعضها قبل الخروج بخطاب سياسي وأعلامي مليئ بالمبررات والتفسيرات المؤولة لمادة الخطاب الجديد أملا بتسهيل إستهلاكها نخبويا وشعبيا.
بالمناسبة لايمتلك العرب غالبا قدرة التخطيط لمستقبل آمن ولاقدرة وضع استراتيجيات بعيدة المدى وكذا هي الحال بالنسبة للخطوة الاماراتية تلك والتي ستتوقف حدودها قطعا عند هدف قصير ومتوسط “حل القضية الفلسطينية ومواجهة التغول الايراني التركي” بينما لامجال لديها للبعيد .
البعيد سيكون بلاشك هدف اسرائيلي محض وفق سياسية صهيونية ثابتة في المنطقة قائمة على مسلمة ( أمن اسرائيل من فوضى المنطقة ).