كانت في مقدّم بلدان العالم الإسلامي التي اعترفت بإسرائيل عند قيامها على أرض فلسطين المغتصبة عام 1948
عماد الدين الجبوري
إن جذر الصلة بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين في مصر يعود منشأه إلى عام 1938، عندما زار الخميني (1900-1989) المقرّ العام للجماعة في “منطقة الدرب الأحمر” في القاهرة، وفق ما ذكره القيادي الإخواني المنشقّ ثروت الخرباوي (1957)، في كتابه الموسوم “أئمة الشر: الإخوان والشيعة أمة تلعب في الخفاء”، 2013.
يقول الخرباوي “في تاريخ الإخوان القديم، ورقة ظلّت مخفيّة لا يعرف أحد عنها شيئاً، أذهلتني حين عرفتُها، كانت مخبّأة في أحد دهاليز الجماعة، من دون أن يلتفت إليها أحد، أو يشعر بقيمتها التاريخية. كانت هذه الورقة تحتوي على خبر زيارة لمقرّ الإخوان في مصر، قام بها سيد روح الله مصطفى الموسوي الخميني عام 1938، وتشير هذه الورقة إلى أن ثمة لقاء خاصاً تمّ بين المرشد الأول للجماعة الأستاذ حسن البنا والسيد روح الله مصطفى الخميني، الذي أصبح في ما بعد الإمام آية الله الخميني، مفجّر الثورة الإيرانية، ولكن مِمّا يؤسَف له، أنّ أحداً من الذين عاصروا هذه الواقعة لم يدوِّن أحداثها ووقائعها، على الرغم من أنّ زيارات أخرى قامت بها شخصيات شيعية شهيرة لمقرّ الإخوان في منطقة الدرب الأحمر، وصلت إلينا أخبارها وبعض تفاصيلها”.
ومن خلال النصّ أعلاه، نستطيع أن نستشفّ من تلك الزيارة أن الخميني وحسن البنا الساعاتي (1906-1949) قد وضعا الخطوط البيانية الخاصة، التي يلتقيان عليها في عمل ظاهره الإسلام وباطنه خفاياه وأسرار، أنجزتها “زيارات أخرى قامت بها شخصيات شيعية شهيرة لمقرّ الإخوان في منطقة الدرب الأحمر”، التي تكشّفت بعد عقود من الزمن.
والحقيقة، منذ البدء، كانت الشكوك تحوم حول الزيارات واللقاءات التي تجري بين الطرفين، فمن حيث المبدأ المذهبي، يوجد خلاف في مسألة الخلافة وشتم الصحابة وقذف زوجات الرسول وغيرها. ولكن في تهرّب ماكر، استغلّ البنا قول المصلح الكبير الشيخ محمد رشيد رضا (1865-1935)، “نتعاون في ما اتّفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه”، إذ جعلها قاعدة تبرّر العمل الظاهر، وتغطّي على العمل الباطن، مع أن فكر رشيد رضا أثّر كثيراً في البنا، لكنه قصد تجاوز الخلافات السياسية من أجل تحقيق الوحدة بين الأقطار العربية في ظلّ خلافة إسلامية، ولم يعنِ قط بين جماعة إسلامية وأخرى.
ليس هذا فقط، بل إن مؤسّس جماعة الإخوان حسن البنا استخدم شعار “الوحدة الإسلامية”، بغية تسويق فكرة التقارب بين المذهبين السُّنّي والشيعي. ولذلك، عملت “دار التقريب بين المذاهب الإسلامية”، التي اقترحها الإيراني محمد تقي القمي (1908-1990) عند زيارته القاهرة عام 1947، على تمهيد وترسيخ الصلة بين القيادات الصفويَّة والإخوانيَّة، وكان حسن البنا أحد أبرز عناصر هذه الدار. وهكذا استمر التواصل بينهما بشكل علني تارة، وبشكل خفيّ تارة أخرى، بحسب حالات الأوضاع السياسية السائدة في المنطقة عموماً، وفي مصر خصوصاً.
وعلى الرغم من ذلك، لم يحقّق الجانبان الإيراني والإخواني شيئاً على أرض الواقع في مسألة “الوحدة الإسلامية”، بسبب الأهداف السياسية المتغلّفة بالإسلام اسماً ليس إلّا. ولكن إذا قارنّا مسألة التقارب بين المذهبين، فإن شيخ الأزهر محمود شلتوت (1893-1963) أفتى بجواز التعبّد بالمذهب الإمامي، قائلاً “إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السُّنّة”. ونُشرت هذه الفتوى على نطاق واسع بين المسلمين، لأنها دينية خالصة وليست ذات أهداف سياسية لأغراض دنيوية.
عموماً، من بين العلاقات القديمة الظاهرة التي تجمع بين إيران والإخوان، جرت عام 1954 عندما دعا سيد قطب (1906-1966)، الذي كان يشغل منصباً في القمة الإسلامية، الإمام مجتبي ميرلوحي، المعروف باسم نواب صفوي (1924-1955)، مؤسِّس حركة “فدائيان إسلام” (أي فدائيو الإسلام) الثورية في 1945، إلى مصر لحضور “مؤتمر القدس الإسلامي” في 12 يناير (كانون الثاني)، وبهذه المناسبة التقى صفوي بقيادات الإخوان في مصر وسوريا والأردن وخطب في مهرجاناتهم، وقال في إحدى خطاباته “من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً، فلينضم إلى صفوف الإخوان”.
ولكن إذا نظرنا إلى السنوات الـ 10 من حياة الحركة الثورية التي أسّسها صفوي، فإنها لم تكترث بقضية فلسطين، ولم ترسل إيرانياً واحداً للقتال ضد الكيان الصهيوني، بل كانت إيران أول بلد في العالم الإسلامي يعترف بإسرائيل عند قيامها على أرض فلسطين المغتصبة عام 1948. واستمرت إيران على هذا الوضع منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا.
وبعد استلام الخميني السلطة عام 1979، كان الإخوان من أوائل المندفعين بحماسة لتأييد ومساندة الخميني، وكان عنصر الاتصال حينذاك القيادي المخضرم ورجل الأعمال الثري يوسف مصطفى ندا (1931)، وكان على رأس الوفد للتهنئة، محمد عبد الرحمن خليفة (1919-2006)، المراقب العام للإخوان في الأردن.
أمّا المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، عمر التلمساني (1904-1986)، ففي 1985 كتب في “مجلة الدعوة” العدد 105، ما يلي: ” التقارب بين الشيعة والسُّنّة أصبح الآن مهمة عاجلة لأهل الفقه”، وأضاف “الاتصالات بين جماعة الإخوان المسلمين و(علماء الدين الإيرانيين) ليس الهدف منها دفع الشيعة إلى اعتناق (المذهب) السُّنّي في الإسلام، وإنّما الهدف من ورائها، هو الامتثال لمهمة الإسلام لتلاقي المذاهب الإسلامية إلى أقصى حدّ ممكن”.
ويؤكِّد على أنّ الإخوان المسلمين “حريصون كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين”. وبحسب رأيه، “إنّ فقهاء الطائفتين يُعتبرون مقصّرين في واجبهم الديني، إذا لم يعملوا على تحقيق هذا التقارب، الذي يتمناه كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها”.
ما كتبه عمر التلمساني، يتغافل عمداً عن حقيقة حكم الخميني، الذي كشف للعرب وللمسلمين عن مشروعه الطائفي الهادف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في كل بلد من البلدان العربية، وإلى محق الهوية الوطنية، وإلى تسييس شعائر الحج، والمشكلات المفتعلة ضد السعودية، واستفزاز استقرار دول الخليج العربي، ناهيك عن الحرب القائمة مع العراق وقتذاك. لكنه النهج الإخواني المتوافق مع إيران في تقديم الأسلمة المؤدجلة وإلغاء المفهوم الوطني والقومي، إنه المخطّط الذي اجتمع عليه الخميني والبنا عام 1938، والذي ظهرت تطبيقاته السلبية على نحو علني منذ وصول الخميني إلى السلطة وإعلان جمهوريته الإسلامية.
نقلا” عن أندبدنت عربية