كريتر نت – العرب
أسقط استخدام “حكومة الوفاق” للقمع والقوة في وجه المحتجين السلميين على تدني مستوى الخدمات الأساسية وتفشي الفساد، شعارات حماية الديمقراطية والدولة المدنية التي تستغلها لتثبيت سلطتها، واتهام خصومها (الجيش الليبي) بالسعي إلى عسكرة الدولة وتنفيذ انقلاب على مبادئ “ثورة 17 فبراير”.
وتظاهر مساء الأحد مئات الليبيين في طرابلس للتعبير عن غضبهم من تدهور الظروف المعيشية والفساد في بلاد تشهد نزاعات مسلحة منذ سنوات. وقال المتظاهر العشريني أيمن الوافي “تركنا التظاهرة في ساحة الشهداء عندما سمعنا إطلاق رصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين”.
وأظهرت مقاطع فيديو وصور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رجالاً بلباس عسكري يوجهون أسلحتهم تجاه المتظاهرين في أحد شوارع العاصمة.
وقبل بدء التظاهرة كتب محمد البريكي، أحد النشطاء المشرفين على تنظيم المظاهرة عبر مجموعة “حراك 23/8” على فيسبوك، إرشادات تنظيمية للمشاركين شملت أماكن التجمع والانطلاق نحو ميدان الشهداء بمناطق العاصمة.
وطالب البريكي من الشباب المشاركين في التظاهرة بارتداء اللون الأبيض الذي يعبر عن السلام، واتخاذ الإجراءات الوقائية وخاصة ارتداء الكمامات.
وتأتي هذه المظاهرات استكمالا لحالة الغليان التي تشهدها المنطقة الغربية منذ أيام حيث اندلعت مظاهرات، في مدن منها صبراتة والزاوية وصرمان؛ احتجاجا على تردي الوضع المعيشي وغلاء الأسعار وانعدام السيولة النقدية ونقص فرص العمل، إضافة إلى رفض إجراءات وزارة مالية حكومة الوفاق التي تقضي بخصم ربع رواتب العاملين في الدولة كإجراء تقشفي لمواجهة الأزمة المالية التي تسبب فيها وقف تصدير النفط احتجاجا على استخدام عائداته في تمويل الحرب وتسديد أجور المرتزقة السوريين.
وتواترت الأنباء على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تنفيذ ميليشيا “النواصي” التابعة لوزارة الداخلية حملة اعتقالات شملت عددا من المحتجين، في حين تحدثت بعض الحسابات عن استعانة حكومة الوفاق بالمرتزقة السوريين الذين جاءت بهم تركيا في قمع الاحتجاج.
وقال الليبي علي أوحيدة على صفحته في تويتر “إن بداية حملة الاعتقالات في طرابلس مؤشر خطير يعني أن باشاغا اختار نهج التصعيد والقمع المنظم”. وكتب فتحي باشاغا في تغريدة أن “الذين ظهروا بمظهر رجال الأمن هم مجموعة خارجة عن القانون أطلقت النار”.
وأكدت وزارة الداخلية مساء الأحد في بيان أنها قامت بتأمين وحماية التظاهرة، مشيرةً إلى أنها رصدت “الأشخاص المندسين وتم التعرف عليهم لضبطهم وهم ليسوا عناصر شرطة ولا يتبعون لوزارة الداخلية”، وهو ما أثار موجة من السخرية والاستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعي حيث استغرب المتابعون لجوء باشاغا، الذي يقدم نفسه وصيا على “ثورة 17 فبراير” وحاميا للدولة المدنية، إلى الأساليب والحجج التي سبق أن استخدمها نظام العقيد الراحل معمر القذافي في بداية الانتفاضة التي أطاحت به مطلع 2011.
ولم يتوقف باشاغا المعروف بدمويته طيلة أكثر من سنة عن اتهام الجيش بارتكاب جرائم ضد الإنسانية دون تقديم أي دليل يثبت اتهاماته.
وكان شاب ليبي يدعى رجب رحيل عبدالفضيل المقرحي اتهم في نهاية مايو الماضي باشاغا بـ“اقتلاع عينه” بواسطة “ملعقة” أثناء احتجازه “في ظروف غير إنسانية” داخل السجن سنة 2019. وتحولت العاصمة الليبية منذ سقوط نظام القذافي إلى ساحة للصراعات المسلحة بين الميليشيات التي راح ضحيتها مئات القتلى من المدنيين.
سلاح السراج لوأد التحركات الاحتجاجية
وليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها الإسلاميون وحلفاؤهم بقمع الاحتجاجات في طرابلس، وفي مقدمة تلك الجرائم ما يعرف محليا بـ”مجزرة غرغور” التي نفذتها الميليشيات وراح ضحيتها 48 شخصا وجرح أكثر من 500. وكانت تلك الاحتجاجات تهدف إلى الضغط لتنفيذ قرار المؤتمر العام (البرلمان) رقم 27، الذي ينص على إفراغ العاصمة الليبية من التشكيلات المسلحة.
ويتهم فتحي باشاغا، الذي لا يتوقف عن اتهام الجيش بالسعي لتنفيذ انقلاب على الديمقراطية وإرساء حكم عسكري دكتاتوري، بأنه أحد أبرز مهندسي انقلاب فجر ليبيا الذي نفذته الميليشيات على انتخابات مجلس النواب سنة 2014 التي أخرجت الإسلاميين من الحكم قبل أن يعودوا عن طريق اتفاق الصخيرات بدعم من المجتمع الدولي.
ودعت الأمم المتحدة الاثنين حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى إجراء “تحقيق فوري وشامل” في حوادث وقعت أثناء تظاهرة الأحد في طرابلس، ما أدى إلى سقوط جرحى وفق بيان أصدرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وجاء في البيان أن البعثة تدعو إلى “إجراء تحقيق فوري وشامل في الاستخدام المفرط للقوة من جانب أفراد الأمن” في طرابلس “ما أسفر عن إصابة عدد من المتظاهرين”، دون تقديم حصيلة دقيقة.
وقالت بعثة الأمم المتحدة إن “الدافع وراء هذه التظاهرات هو الشعور بالإحباط من استمرار الظروف المعيشية السيئة وانقطاع الكهرباء والمياه وانعدام الخدمات في جميع أنحاء البلد”. وأضافت “حان الوقت لكي يضع القادة الليبيون خلافاتهم جانبا”، مجددةً دعوتها إلى “حوار سياسي شامل”.