كتب : محمد الثريا
كان واضحا جدا ان قائدة التحالف العربي ليست بصدد تقبل المجلس الانتقالي بصفة الممثل والمفوض الوحيد عن الجنوبيين وبالتالي تسهيل نيله استحقاقات متقدمة تعنى بمستقبل القضية الجنوبية وسرعة تطبيع الاوضاع في الجنوب سياسيا وأمنيا وحتى اقتصاديا .
وتلك ربما تظل احدى ملامح تباين الرؤى بين السعودية والامارات فيما يتعلق بشكل الخارطة السياسية وطبيعة اللاعبين المؤثرين في الجنوب طبعا هذا على اعتبار ان الامارات كانت الداعم الرئيسي للمجلس الانتقالي ولازالت.(سيناريو التباين المفترض).
فعلى الرغم من تأكد انسحاب الامارات من عدن وذهابها فعلا نحو اعادة تموضع قواتها العسكرية باليمن، إلا ان مزاعم مغادرتها المشهد الجنوبي لم تكن لتبدو صحيحة ومقنعة لدى صانع القرار السعودي، الامر الذي ربما دفع لاحقا نحو ممارسة المملكة ضغوطا اكثر باتجاه تطويق ملف الصراع الجنوبي في مسعى منها للحد من الحضور الاماراتي وتاثيره؛ وهنا لن تجد المملكة في سبيل تحقيق ذلك افضل من مسع تحجيم نفوذ وسيطرة الانتقالي بالجنوب .
فجاء اتفاق الرياض هكذا ..! موضحا طبيعة الدور القادم للمجلس الانتقالي في الجنوب والحدود التي يجب عليه التوقف عندها؛ وهنا تكون السعودية فعلا قد وضعت عمليا أولى قدميها بالجنوب فيما خسرت الأمارات هناك موطئ قدمها ولو نظريا.
وفي الواقع يبدو ان حتى اتفاق الرياض نفسه لم يقنع السعوديين بالتوقف عن استمرارهم في محاولات تقزيم الانتقالي؛ ليحين دور الخطوة التالية والتي أكدت معطياتها فعلا سعي السعودية نحو فرض”واقع جديد” مغاير تماما لما يعلنه الانتقالي في خطابه السياسي.
الواقع المستجد والمتشكل تحت المظلة والرعاية السعودية الكريمة وكما يبدو تمثل في إعادة تفعيل ورقة المكونات الجنوبية المناهضة لمشروع الانتقالي .
نتحدث هنا مشهد تنشيط المكونات الجنوبية بمشاريعها الفيدرالية والكونفيدرالية في أطار الوحدة اليمنية، وضرورة استماع الرياض لكافة تلك الرؤى والمشاريع حتى وان تطلب الامر تجميد اتفاق الرياض والسماح باستمرار التصعيد العسكري وتدهور الحالة الاقتصادية اكثر، فالمهم فقط هو ايصال الرياض رسالة جديدة للجميع مفادها ان ثمة وقائع ومعطيات ماثلة لاينبغي تجاوزها وان ثمة ايضا واقع أخر بالامكان فرضه او حتى المساومة به حال تلكئ المعنيون عن تمرير أجندات ورغبات المملكة.
لربما سيدرك الجميع هنا سبب عودة حمى المظاهرات الى السطح ! مظاهرة انتقالية هنا واخرى للائتلاف هناك واستمرار ذلك رغم الفارق بين هالة التظاهرتين دائما الا ان كل ذلك بدا ليس مهما لدى الراعي طالما وان الرسالة التي انتظرها وتلقفها إعلامه جاءت فقط لتأكيد حالة الانقسام الجنوبي وأهمية مراعاة الأصوات الأخرى .
أظن لم يعد خافيا على احد اليوم سبب تعويم إتفاق الرياض واعطاء الفرصة امام صراع المكونات الجنوبية في أخذ الوقت والمدى الكافيين لصنع معطيات جديدة .
فقد بات ملحوظا اليوم تحول المزاج العام الجنوبي من خيار التمسك بمطلب استعادة الدولة كخيار وحيد ومباشر إلى خيار التمسك بتطبيق اتفاق الرياض كأقرب الحلول واكثرها واقعية وعملية بعد ان دعمته الاحداث والمستجدات الاخيرة على الساحة الجنوبية والتي جاءت بالاساس حسب رأيي كوقائع مفتعلة تمهيدا لخيار التمسك باتفاق الرياض وتنفيذه وان بدا ذلك خيار الوسيلة وليس الغاية.
فهل تمكنت السعودية فعلا من افراغ الجنوب سياسيا وشرعت عمليا في رسم معالم مستقبله السياسي حسب رؤيتها ورغبتها الخاصة؟
وضمن سلسلة تفاهمات أوسع بينهما ! هل أفسح الاماراتيون الطريق كلية امام تكريس اجندات الحليف السعودي جنوبا بعد ان فضلوا خيار الأكتفاء بدعم الانتقالي كمكون سياسي شريك في اتفاق الرياض وحسب وليس كلاعب وحليف رئيس لديه مشروع سياسي يتعدى حدود اتفاق الرياض؟هل التقى الحليفان الاقليميان حقا عند هذه النقطة؟
بصراحة سيبدو هنا وإلى حد كبير ان سيناريو توافق الاشقاء في تدوير الصراع جنوبا هو الاقرب في وصف المشهد الجنوبي الحالي وبخاصة اذا ما اعتبرنا ان ما يحدث اليوم مع المجلس الانتقالي من تقويض ممنهج قد حدث قبلها مع الشرعية حينما أفضى يومها صعود الانتقالي وتمدده الى بلوغ واقع انكماش الشرعية وتقويضها قبل دخولها بعد ذلك في اتفاق شراكة وتقاسم سلطة مع الانتقالي، اي ان ذات السيناريو يتكرر هنا من حيث حرص الرعاة على تدوير الصراع السياسي جنوبا وصعوبة التكهن بواقع معين يمكن الاستقرار عليه قبل اكتمال الرؤية السياسية وانتهاء تبايناتها لدى الرعاة أولا.
عدا ان التساؤلات الأهم التي نوجهه للاشقاء هي : ماذا لو تعثر سيناريو تقويض اللاعبين وتدوير الصراع هذه المرة؟
ولمصلحة من يتم تصوير الصراع هذا على انه صراع جنوبي داخلي فيما يدرك الجميع انه عكس ذلك تماما؟
التقارير الدولية الخالصة الى قرب حدوث كارثة انسانية اكثر رعبا من سابقاتها جراء استمرار الصراع شمالا وجنوبا هل تجد لها مسمعا لدى الأشقاء؟ هل تعني لكم شيئا؟