من الصعب تفسير سبب تعيين رئيس الوزراء الأسترالي السابق كمستشار تجاري للمملكة المتحدة في ضوء الاتهامات له بالتمييز ضد المرأة ورهاب المثلية والتشكيك في حالة الطوارئ المناخية
كتب : جون رينتول معلق سياسي
يعد مجلس التجارة أحد أقدم مُلحقات الدستور البريطاني، وقد أسّسه جيمس الأول عام 1622 كلجنة مؤقتة تابعة للمجلس الملكي الخاص بهدف معالجة الركود التجاري في ذلك الوقت. وشكل هذا المجلس وزارةً حكومية لفترة طويلة. وكان هارولد ويلسون، بصفته وزيراً في سن الثلاثين، يرأس هذا المجلس اعتباراً من عام 1947 لكن خصمه إدوارد هيث دمج هذا المجلس بعد ذلك مع وزارة التكنولوجيا لتشكيل وزارة التجارة والصناعة عام 1970.
ومنذ ذلك الحين، تغيّر اسم الوزارة مرات، وحمل وزيرها أيضاً لقب رئيس مجلس التجارة – وبصورة خاصة، كان مايكل هيزلتين وبيتر ماندلسون الوحيدين اللذين استخدما هذا اللقب بالفعل.
عندما فصلت تيريزا ماي وزارة التجارة الدولية عما يسمى الآن وزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية، ذهب مجلس التجارة مع وزارة التجارة الدولية، وانتقل لقب الرئيس إلى ليام فوكس، وبعد ذلك إلى ليز تراس، عندما أصبح بوريس جونسون رئيساً للوزراء.
والآن لم يعد المجلس أكثر من لجنة استشارية لدى وزير التجارة الدولية. مع ذلك، عندما أُعلن قبل 10 أيام عن تعيين توني أبوت، رئيس وزراء أستراليا السابق، رئيساً مشتركاً للمجلس، جاء ذلك صادماً. وبغض النظر عن التهم الموجهة إلى أبوت بالتمييز ضد المرأة ورهاب المثلية والتشكيك في حالة الطوارئ المناخية، يبدو من المستهجن تعيين أجنبي في منصب يحظى بمثل هذا التاريخ الحكومي الرفيع.
ومع ذلك، عُرض المنصب على أبوت ووافق عليه، كما أكّد ذلك سكوت موريسون، رئيس الوزراء الأسترالي الحالي وخليفة أبوت في زعامة الحزب الليبرالي (المحافظ).
وكما كان متوقعاً تماماً، أثار القرار ضجة يتردد صداها منذ ذلك الحين. وقد شجب نواب حزب العمّال أبوت ووصفوه بكاره النساء والمثليين. في المقابل، ردت تراس على هذه الانتقادات، متهمة حزب العمال بالنفاق لأن جون ماكدونيل، وزير المالية السابق في حكومة الظل، كان قد أبدى (بحسب رأيها) تأييده علناً لنداء أحد الناخبين (العماليين) من أجل “سحل” إستر ماكفي، الوزيرة السابقة في حكومة المحافظين (والسبب أنها تتحدّر من وسط فقير يتناقض مع عضويتها في حزب المحافظين). لكن رد فعل تراس كان ضعيفاً وغير مقنع، على الرغم من طابعه الحماسي، بلا شك.
غير أن الموقف الدفاعي لوزير الصحة مات هانكوك الخميس الماضي كان أضعف وأقل إقناعاً مما صرحت به تراس. فعندما سُئل عن تهمة “كره النساء ورهاب المثليين” الموجّهة ضد أبوت، قال إن أبوت “خبير أيضاً في التجارة”، وهو تصريح يُعتبر في الواقع إقرار
بالتهم الموجهة إلى موكله (رئيس الوزراء الأسترالي السابق).
ولكي نكون منصفين – والأمر يستحق الإنصاف حتى بالنسبة إلى رؤساء الوزراء الأستراليين الفاشلين – فإن أبوت خبير في التجارة. وعلى الرغم من كونه رئيساً للوزراء مدة عامين فقط، إلا أنه أنجز اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة واليابان في ذلك الوقت. ولو قامت الحكومة البريطانية بالاستعانة به فقط كمستشار، لما أُثيرت هذه الضجة على الإطلاق. لكن اللقب الروريتاني (الخيالي) كان هو الشرارة التي أشعلت النار.
فلماذا فعلتها تراس (أي تقاسمت منصبها مع أبوت)، ولماذا وافق جونسون على ذلك؟ قد يكون ذلك إلى حد ما مثالاً آخر على السياسة الطائفية المرتبطة بالبريكست. وكما هو الحال مع كلير فوكس، العضوة السابقة في البرلمان الأوروبي عن حزب بريكست، التي منحها جونسون مرتبة النبالة (البيريج) على الرغم من عدم سحبها الكامل دعمها الجيش الجمهوري الإيرلندي، فإن رئيس الوزراء أبدى استعداده لتحمل الحرج من أجل تعزيز مكانة أنصار البريكست. ويعتبر أبوت مؤيداً لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
تلك الرغبة في تحدي ما يعتبره جونسون وزمرته مؤسسة البقاء الليبرالية التي لم تجفّ بعد، هي التي تدعم النظرية القائلة إن تعيين أبوت كان محاولة متعمدة لإثارة رد فعل من شأنه تعزيز دعم رئيس الوزراء في أوساط الناخبين المحافظين اجتماعياً، والداعمين لبريكست. فربما يعتقدون أن أبوت، صاحب الآراء التقليدية، القادم من إحدى دول الكومنولث، هو “الخبير” الذي نحتاجه.
فهل يحاول جونسون خوض حرب ثقافية على طريقة ترامب لكن على مستوى منخفض – أو الدخول في مناوشة ثقافية، كما سماها (الشاعر) جيمس كيركوب – من أجل حشد ناخبيه في وقت تنقلب استطلاعات الرأي ضده؟
أشك في أنهم قيّموها على هذا النحو، حيث إن هذه الأمور عادة ما تكون نتيجة الفوضى والتشويش وليس المؤامرة. ويبدو كما لو أن رئيس الوزراء قرّر أمس المصادقة على تعيين أبوت فقط لأنه لا يريد التراجع مرة أخرى عن قرار اتخذه. لكنّ لقب “الرئيس المشترك،” الذي تشير التقارير الأولية إلى أنه سيُمنح لأبوت، قد خُفّض بهدوء إلى مجرد “عضو” في مجلس التجارة.
لكن، إذا كانت تلك مناوشةً في حرب ثقافية، فيبدو أن جونسون يخسرها.
نقلا” عن أندبندنت عربية