كريتر نت – العرب – صابر بليدي
اختار الإسلاميون التخندق في الجبهة المعارضة للدستور الجديد في الجزائر، بعد انسحاب نوابهم من جلسة التصويت التي جرت بالغرفة الأولى للبرلمان، في خطوة تكرس تذبذب مواقفهم السياسية تجاه مسارات السلطة، ليبقوا بذلك أوفياء لتقاليد القفز بين مربعات المشهد، ففيما قاطعوا الدستور لا يستبعد أن يدخلوا الانتخابات المبكرة المنتظرة التي سيؤمنها نفس الدستور.
وقاطع نواب أكبر حزبين إخوانييْن (حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية)، جلسة التصويت على مشروع الدستور الجديد، في خطوة تكرس المواقف المتذبذبة للتيار تجاه الخيارات، وانسحب هؤلاء بدعوى معارضتهم للوثيقة إلى جانب كتل نيابية أخرى.
وكان يكفي للسلطة كتل حزبَيْ الأغلبية (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، والأحزاب الدائرة في فلكهما، لتمرير الوثيقة المثيرة للجدل بالأغلبية المطلقة، على أن يتم القيام بنفس الخطوة في الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الأمة)، وبسهولة أقل، قياسا بهيمنة أحزاب الموالاة على الغرفة وتحالفها المبدئي مع كتلة الثلث الرئاسي.
لكن نشر مؤسسة الرئاسة لوثائق الإثراء والمناقشة التي وردت إلى لجنة تعديل الدستور ونسب إحداها إلى جبهة العدالة والتنمية أثارا حفيظة ثاني أكبر الأحزاب الإخوانية في البلاد المعروفة بمواقفها الأكثر راديكالية تجاه السلطة، ولم تتأخر في إصدار بيان تفند فيه مساهمتها بأي شيء في عملية الإثراء والنقاش.
ونفى البيان، الذي وقعه رئيس الحزب عبدالله جاب الله، أن تكون جبهة العدالة والتنمية قد قدمت أي نص مكتوب لأي جهة رسمية أو غير رسمية تتعلق برأيها في موضوع الاستشارة حول مشروع الدستور المحضر من طرف اللجنة المختصة.
وبرر جاب الله موقفه بـ”رفض السلطة التجاوب مع مقترحه لتنصيب لجنة متوازنة تستقبل المقترحات وتشرف على صياغة الدستور”، في إشارة إلى عدم تقدم حركته بأي وثيقة للإثراء والنقاش.
ولفت المتحدث إلى أن “مصالح رئاسة الجمهورية حذفت اسم حركته السياسية من قائمة المقترحات التي تخص المشروع والمنشورة في الموقع الإلكتروني التي بلغ عددها 5018 مقترحا”، وهو ما أثار تساؤلات حول الخلفيات الحقيقية لورود اسم جبهة العدالة والتنمية في لائحة المشاركين في الرد على المقترحات الدستورية.
وكانت الرئاسة قد نشرت على موقعها الرسمي في شبكة الإنترنت لائحة مفصلة بأسماء الأحزاب والشخصيات والوجوه والأسماء، حتى المغمورة أو التي حملت أسماء مستعارة، مع مساهماتهم في الرد على وثيقة المقترحات وورد ضمنهم عبدالله جاب الله، عن جبهة العدالة والتنمية الإسلامية، قبل أن تقوم بحذفه في وقت لاحق.
واستقبلت لجنة تعديل الدستور، التي أوكلت رئاستها للخبير الدستوري والقانوني أحمد لعرابة، أكثر من خمسة آلاف مساهمة، إلا أنه لم ينزل في الأخير أي اقتراح منها في الوثيقة التي صادق عليها البرلمان، بما فيها الأفكار التي تبناها تحالف القوى الوطنية للإصلاح المقرب من السلطة الجديدة.
لكن التبريرات التي صرح بها النائب لخضر بن خلاف لقرار المقاطعة لم تتضمن ما ورد في بيان الحركة، وأوجزها في تصريح للصحافيين داخل البرلمان بأن “مسائل إجرائية كرستها ممارسات إدارة البرلمان هي التي دفعت نواب الكتلة إلى تبني القرار المذكور”، الأمر الذي تسبب له في وابل من الانتقادات لأنه تضمن استعدادا لاندراج الحركة في المسار الدستوري لو تمت الاستجابة لبعض مطالبها.
ومن جهتها كانت حركة مجتمع السلم، على لسان رئيس كتلتها النيابية مهدي زنتوت، أكثر تفصيلا في موقفها المعارض للدستور الجديد، من خلال تصريحه بأن “تحديد الرئيس تبون الفاتح من نوفمبر موعدا للاستفتاء الشعبي على الدستور، دون التشاور مع الطبقة السياسية، (يعد) تعسفا في استعمال السلطة وتفردا في اتخاذ القرار”.
وذكر زنتوت، أثناء تدخله في جلسة رؤساء الكتل النيابية التي التقاها رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد، قبيل إحالة الوثيقة على التصويت، أن “اتخاذ قرارات فردية يعد إهمالا لكل الشركاء، وأن الأصل في تحديد موعد الاستفتاء يتم عند استدعاء الهيئة الناخبة وبعد نضج المشروع الذي يعتبر الوثيقة الأسمى بالنسبة للجزائريين”.
وأضاف أن “القيمة السامية للدستور تتنافى مع حالة الاستعجال الذي ميز إحالة المشروع على المجلس الشعبي الوطني، لأن الدستور يتوجب علينا طرحه وإعطاؤه ما يستحق من الوقت والنقاش والتعديل مع تهيئة الظروف المساعدة لضمان نقاش هادئ بعيدا عن التعجل والنقاش المحدود بين نواب الغرفة السفلى”.
وسبق للأحزاب الإخوانية أن كانت فاعلا رئيسيا في تكتل سياسي معارض أثناء حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، تحت مسمى “تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي”، ورفضت آنذاك الولاية الرابعة لبوتفليقة في 2014، إلا أنها كانت سباقة إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في 2017، مما فكك التحالف المذكور.
ورغم تضارب مواقفها تجاه الانتكاسة التي منيت بها في الانتخابات المذكورة، إلا أنها ما زالت تصر على مشاركتها فيها، رغم زعمها بآليات “التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين”، وترفض الاستجابة لدعوات أطلقت العام الماضي إلى انسحاب نواب المعارضة من البرلمان والمجالس المحلية من أجل دعم انتفاضة الحراك الشعبي.