المعدن الأصفر في قفص الاتهام بعد مسؤوليته عن أكثر من ربع قيمة إجمالي المعاملات المشبوهة
كتب : كفاية أولير صحافية
لم تقتصر تحقيقات الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين “آي سي آي جي”، في الكشف عن معاملات مالية مشبوهة مرتبطة بعمليات غسل أموال كان أبطالها بنوكاً دولية، وإنما كشفت أيضاً عن أسرار مالية لمجموعة من السياسيين والشخصيات السياسية النافذة، وكذلك شخصيات هاربة ومُلاحقة بتهم ارتكاب جرائم مالية، ومن بينهم نائب الرئيس الكونغولي السابق جان بيير بيمبا الذي أدين بتهمة رشوة الشهود خلال محاكمته بتهمة قيادة الجنود في فورة اغتصاب ونهب، وكذلك سمارك لوبيز بيلو، رجل الأعمال الفنزويلي والهارب من العدالة الأميركية، والذي يواجه تهماً بغسل أموال المخدرات، وهو “الرجل الأمامي والأساسي” لطارق العيسمي وزير البترول الفنزويلي وتاجر المخدرات المزعوم، وكذلك وزير طاقة كازاخستان السابق، والملياردير الأنغولي إيزابيل دوس سانتوس الذي اتهمه المدعون الأنغوليون بالاحتيال وغسل الأموال في محاولة لاسترداد حوالي 1.1 مليار دولار، والمستشار الرئاسي الأوكراني أندريه كليوييف الذي يتعرض لعقوبات من الاتحاد الأوروبي بزعم نهب أموال الدولة.
المعدن الأصفر في قفص الاتهام
كما كشفت التسريبات أيضاً عن معاملات مشبوهة مرتبطة بالذهب. وتحدثت الوثائق المسربة عن شركة عملاقة لتجارة الذهب في إحدى الدول الخليجية كانت مسؤولة عن أكثر من ربع قيمة إجمالي المعاملات المشبوهة التي تمت مراجعتها كجزء من التحقيق في ملفات “فن سن” المرتبطة بالذهب. وبحسب التسريبات، أوصت فرقة عمل أميركية عام 2014 بأن تحدد وزارة الخزانة الأميركية “شركة تجارة الذهب” باعتبارها تهديداً لغسل الأموال بموجب قانون باتريوت الأميركي، لكن الحكومة لم تتحرك.
ويبدو أن الذهب لم يكن فقط ملاذاً آمناً خلال أزمة كورونا، بل كان أيضاً وسيلة لعمليات غسل أموال مشبوهة، بحسب التسريبات.
خمسة بنوك عالمية نقلت أموالاً غير مشروعة
وتظهر تسريبات ملفات “فن سن FinCEN” أن خمسة بنوك عالمية، وهي جي بي مورجان تشيس، وإتش إس بي سي، وستاندرد تشارترد بنك، ودويتشه بنك، وبنك نيويورك ميلون، نقلت أموالاً غير مشروعة لشخصيات غامضة وشبكات إجرامية حتى بعد فرض السلطات الأميركية غرامة على هذه المؤسسات المالية، لإخفاقاتها السابقة في وقف تدفقات الأموال القذرة.
وبحسب التسريبات، نقل “جي بي مورجان تشيس” أموالاً لشركات مرتبطة بالنهب الهائل للأموال العامة في فنزويلا وماليزيا وأوكرانيا، بما في ذلك المدفوعات غير الرسمية من المسؤولين الأوكرانيين المشهورين إلى بول جيه مانافورت جونيور، مدير حملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب السابق المدان.
وتجاهل “دويتشه بنك” الإشارات الحمراء لسنوات، ولعب دوراً أساسياً في فضيحة غسل الأموال التاريخية البالغة 230 مليار دولار، والتي اجتاحت الآن عمليات “دنسكي بانك إستونيا” في إستونيا. وكشفت الأنظمة الآلية العملاقة الألمانية عن شركة صورية مجهولة مسجلة في المملكة المتحدة، تم الكشف عنها لاحقاً على أنها أداة غسل رئيسة بنحو عشرات المرات، بينما أدار مصرفيو “دنسكي أستونيا” المتورطون في الفضيحة شركة جانبية سرية للمساعدة في إنشاء شركات وهمية في المملكة المتحدة على أساس البيع بالجملة للعملاء المجهولين.
دول البلطيق وإنشاء حسابات فاسدة
تستخدم الكيانات “الظلالية” التي لها علاقات مع دول البلطيق، والمعروفة باسم وكالات التأسيس، ثغرة في قانون الشركات في المملكة المتحدة لإنتاج شركات وهمية مجهولة الهوية، مسجلة في المملكة المتحدة، بمساعدتها على إنشاء حسابات في بنوك البلطيق الفاسدة، وقامت تسع وكالات بمفردها بإنشاء 2447 شركة موجودة في ملفات “فن سن”.
وكشفت التسريبات كذلك عن مواصلة بنك “إتش أس بي سي” تحويل الأموال لغسل أموال المزعومين، ومخطط “بونزي” الدولي حتى أثناء فترة اختباره مع المحاكم الأميركية لمدة خمس سنوات.
وأبلغت البنوك عن أكثر من 4.8 مليار دولار بين عامي 2009 و2017 في معاملات مشبوهة لها صلات بفنزويلا، وما يقارب 70 في المئة من هذا المبلغ كان له كيان حكومي فنزويلي، مثل وزارة المالية أو شركة النفط الحكومية كحزب.
تورط عملاء في 170 دولة حول العالم
وبحسب الوثائق المسربة، نقلت البنوك العالمية أكثر من تريليوني دولار بين عامي 1999 و2017 في شكل مدفوعات يعتقد أنها مشبوهة، وأبلغت عملاء البنوك في أكثر من 170 دولة تم رصد تورطهم في معاملات غير مشروعة محتملة، وتشمل الأرقام 514 مليار دولار في “جي بي مورغان”، و1.3 تريليون دولار في “دوتشيه بنك”.
ووفرت التسريبات أيضاً لائحة بالبنوك “المراسلة” الموجودة في الولايات المتحدة، والتي تسمح للمؤسسات المالية في أكثر من 150 دولة ومنطقة بمعالجة المدفوعات بالدولار الأميركي.
وتقول “بيز فيد نيوز” التي تقف وراء الوثائق المسربة، إن تلك الوثائق تكشف عن مجموعة ضخمة من الوثائق الحكومية السرية، والتي تظهر للمرة الأولى كيف يقوم عمالقة البنوك الغربية بتحريك تريليونات الدولارات في معاملات مشبوهة، وإثراء أنفسهم وحملة أسهمهم، مع تسهيل عمل الإرهابيين والفاسدين وأباطرة المخدرات، في وقت فشلت فيه الحكومة الأميركية في إيقافها بالرغم من سلطاتها الهائلة.
وتكشف الوثائق التي جمعتها البنوك مع الحكومة، ولكن حُفظت عن الأنظار، فجوة الضمانات المصرفية والسهولة التي استغلها المجرمون، وكيف تم السماح للأرباح من حروب المخدرات المميتة، والثروات المختلسة من البلدان النامية، والمدخرات التي تم تحصيلها بشق الأنفس في مخطط بونزي (نظام بيع هرمي وشكل من أشكال الاحتيال)، بالتدفق إلى هذه المؤسسات المالية والخروج منها، بالرغم من تحذيرات موظفي البنوك أنفسهم.
2100 تقرير لأنشطة مشبوهة
تتضمن السجلات أكثر من 2100 تقرير عن أنشطة مشبوهة قدمتها 90 مؤسسة مالية إلى شبكة إنفاذ الجرائم المالية في الولايات المتحدة، والمعروفة باسم “فن سن”.
وتعكس التقارير المخاوف الخاصة لمسؤولي الامتثال لغسل الأموال في البنوك العالمية، جنباً إلى جنب مع جداول البيانات المرفقة لمئات السطور من بيانات المعاملات الأولية في بعض الأحيان. ويقدم كل تقرير ملخصاً للمبلغ الإجمالي في المعاملات المشبوهة، والنطاق الزمني الذي حدثت فيه، ولكنه لا يأتي دائماً بتفاصيل شاملة حول كل معاملة.
الملاذات الضريبية الآمنة
وجد تحليل الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ) أن البنوك في ملفات” فن سن”، والتي عالجت المعاملات بانتظام للشركات المسجلة في ما يسمى بالسلطات القضائية السرية، فعلت ذلك من دون معرفة المالك النهائي للحساب، إذ حوت 20 في المئة على الأقل من التقارير، على عميل له عنوان في واحدة من أكبر الملاذات المالية الخارجية في العالم، جزر فيرجن البريطانية، بينما قدمت تقارير أخرى عدة عناوين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وقبرص وهونغ كونغ وروسيا وسويسرا.
وكشف التقرير أيضاً عن أنه لم يكن لدى البنوك معلومات حول كيان واحد أو أكثر وراء المعاملات. وفي 160 تقريراً طلبت البنوك مزيداً من المعلومات حول سيارات الشركات، لكن لم يتم الرد عليها.
قبل أيام من نشر التحقيق في الملفات المسربة، أعلنت” فن سن” أنها تسعى إلى الحصول على تعليق عام على التعديلات التنظيمية لإلزام المؤسسات المالية الخاضعة لقوانين مكافحة غسل الأموال بالحفاظ على برنامج “فعال ومصمم بشكل معقول” لمكافحة غسل الأموال. وقالت الوكالة إن الهدف من التغييرات هو “تحديث النظام التنظيمي لمواجهة التهديدات المتطورة للتمويل غير المشروع”، وتحسين “فعالية وكفاءة برامج مكافحة غسل الأموال”. وأضاف المتحدث باسم القسم الجنائي بوزارة العدل الأميركية مات لويد، أن “وزارة العدل متمسكة بعملها، وتظل ملتزمة بالتحقيق في الجرائم المالية ومقاضاة مرتكبيها، بما في ذلك غسل الأموال أينما وجدناها”.
“جي بي مورغان” و “إتش إس بي سي” وغيرهما من البنوك الكبرى، أنكرت من جانبها ارتكاب مخالفات منتظمة، وتقول إنها تعمل على تحسين برامجها لمنع غسل الأموال وفحص العملاء المتورطين في أنشطة إجرامية.
وقالت المتحدثة باسم البنك هايدي أشلي إنه “ابتداء من عام 2012 شرع إتش أس بي سي، في رحلة متعددة السنوات لإصلاح قدرته على مكافحة الجرائم المالية”. وأكدت على أن البنك مؤسسة أكثر أماناً مما كانت عليه في 2012″.
وقال متحدث باسم ستاندرد تشارترد إن سلطات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اعترفتا علناً بأن المجموعة مرت “بتحول شامل وإيجابي على مدى السنوات الماضية”.
وأضاف المتحدث أنه “في عام 2019 قمنا بمراقبة أكثر من 1.2 مليار معاملة بحثاً عن نشاط مشبوه محتمل، وفحصنا أكثر من 157 مليون معاملة للتأكد من امتثالها لمتطلبات العقوبات المعمول بها. واقع النظام المالي العالمي هو أنه ستكون هناك دائماً محاولات لغسل الأموال والتهرب من العقوبات، وتتمثل مسؤولية البنوك في بناء أنظمة فعالة للفحص والمراقبة، ونحن نعمل عن كثب مع المنظمين وإنفاذ القانون لتقديم الجناة إلى العدالة، لكن حتى كبار المسؤولين يعترفون بأنه مهما كانت مزايا النظام المالي، فإنه لا يعمل على إبطاء تدفق الأموال القذرة”.
نقلا” عن اندبندنت عربية