كريتر نت – العرب
يضع محمد دحلان -زعيم التيار الإصلاحي في حركة فتح مسار السلام الجديد في الشرق الأوسط – تحت الأضواء؛ ليس فقط كمرشح بديل عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإنما أيضا لكون دحلان رجلا يحيط نفسه بالكثير من الأسرار، وكان محض وجوده بالقرب من القيادة في الإمارات يوحي بوجود يد له في صياغة الاتفاقيات التي تم توقيعها بين إسرائيل والإمارات والبحرين. وعلى الرغم من غياب أية قرينة على دوره في هذه الصياغة، إلا أن وسائل الإعلام التركية والقطرية ركزت على وجود دور افتراضي له، علماً بأن الرجل -وهو ماض في علاقته اليومية بالوضع الفلسطيني- لا ينكر التطلع الى عملية تسوية مع إسرائيل، وفق المرجعيات التي أكدت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها والبحرين والمملكة العربية السعودية. فدحلان يؤمن بأن الواجب الوطني الفلسطيني يقتضي التزام سياسة واقعية، تتوخى استعادة ما يمكن الحصول عليه من الحقوق الفلسطينية، وفق المرجعيات الدولية المقررة.
وكان محمد دحلان حريصا على استمرار الدور الذي تلعبه دولة الإمارات في عملية السلام الشامل. وقد استطاع التأكيد على رؤيته الفلسطينية للعملية السلمية، عندما علت أمواج الهجوم على دولة الإمارات، وهي موجات لم تهدأ إلا بعد اتضاح التوجهات العربية إلى التطبيع، وصعوبة -بل عُقم- إثارة الفلسطينيين خصومات مع الدول العربية الشقيقة التي حافظت على تمسكها بصيغة السلام الشامل.
ومن المفارقات، أن الأميركيين وبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية دأبوا على إذاعة فرضيات تقر بأن محمد دحلان هو البديل الجاهز، مدركين أن هذا الأمر يستفز محمود عباس ويُشعره بوجود خطر يحدق بصيغة النظام الفردي الذي أسسه، بلا أية مرجعيات دستورية. لكن دحلان من جانبه، كانت له ردود أفعال أخرى فضلا عما يوجه إلى عباس من تحذيرات. فقد أكد مرارا وتكرارا على أن من يحكم، يجب أن ينتخبه شعبه ديموقراطياً وفق الشروط الدستورية. وكانت هذه الردود هي السبب الذي جعل الإعلام المناوئ للإمارات وللنائب الفلسطيني محمد دحلان، يركز على دور له في صنع اتفاقيات التطبيع، التي هي محصلة رؤية موضوعية لدولة راسخة ولها مؤسساتها ومصالحها. وكان الهدف هو محاولة إضعاف دحلان على المستوى الفلسطيني، وكذلك محاولة وقف تنامي تياره الوطني الديمقراطي.
ومن نافلة القول أن من بين أسباب الخوف من الذهاب إلى انتخابات فلسطينية حرص سلطتي حماس وعباس على تجنب إتاحة الفرصة لتيار دحلان. فالرجل يمثل بالنسبة إلى تركيا وقطر كابوساً ثقيلاً، ليس بسبب الخطاب السياسي المغاير لخطاب عباس، وإنما بسبب وجوده في الإمارات وعمله مع قيادتها أو في محورها.
والجدير بالإشارة هنا، هو أن رئيس السلطة محمود عباس، الذي تجاوز عمره الخامسة والثمانين، يشعر بالخطر من عودة محمد دحلان إلى الساحة الفلسطينية. واللافت هنا، أن عباس قد أفاد دحلان دون أن يقصد، لأنه عندما حاول الإجهاز على قوته، اندفع إلى تفتيت حركة فتح وإلى إقصاء كوادرها وإعادة صياغة أطرها لكي تصبح بلا تأثير وغير متماسكة. وبالتالي أصبح التماسك والتكتل الوطني وسيلة الطرف الذي تعرض للإقصاء. وفي المحصلة، أصبح في مقدور من يعاين الأوضاع على الساحة الفلسطينية أن يرى بأم عينه أن الساحة الفلسطينية ليس فيها سوى تكتلين لا ثالث لهما، واحد تمثله حماس والآخر يمثله دحلان، وبحكم أن تكتل دحلان يعتمد ثقافة وطنية، وغير موصول بأجندات حزبية أو أيديولوجية، فإن دوره الوازن سيكون مضموناً، إن لم يكن رائداً. وفي هذا السياق، يتطلع دحلان إلى توسيع الإطار الوطني لكي يستوعب وطنيين من كل الأطياف، لعبور هذه المرحلة، والإقلاع إلى العمل والأمل، على أسس قانونية ودستورية، وطي ملف الفوضى والدسائس، التي تخللت المرحلة الصعبة التي أفقدت الفلسطينيين الحد الأدنى من الأمل.
وكانت دورية “فورين بوليسي” قد أشارت إلى دور دحلان في التطبيع، وذكرت أنه استثمر علاقاته مع القيادة الإماراتية وعلاقته الوثيقة مع الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، في المساعدة على تشكيل اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل ضد تطلّعات عبّاس.
ويشير جوناثان فيرزيغر في مقاله ضمن الدورية إلى أن صداقة دحلان مع الشيخ محمد بن زايد جعلت للقيادي الفلسطيني يدا مؤثرة في صياغة اتفاقيات إبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة ووقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين الشهر الماضي.
ويرى الكاتب أن دحلان قدم دعما للدولة الفلسطينية بينما يضغط على عباس المريض والطاعن في السن لوضعه في مواقف محرجة، كما هو الحال عندما وجد الرئيس الفلسطيني نفسه مضطرا إلى رفض طائرتين تحملان الإمدادات الطبية لحفظ ماء الوجه لأن الإمارات سلمتها عبر مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب.
ويرى الكاتب أن دحلان قدم دعما للدولة الفلسطينية بينما يضغط على عباس المريض والطاعن في السن لوضعه في مواقف محرجة، كما هو الحال عندما وجد الرئيس الفلسطيني نفسه مضطرا إلى رفض طائرتين تحملان الإمدادات الطبية لحفظ ماء الوجه لأن الإمارات سلمتها عبر مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب.
وأدى رفض عباس للمساعدة في أغسطس وإدانته الغاضبة لاتفاقيات السلام باعتبارها “طعنة في الظهر” إلى نفور الحلفاء القدامى في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تعدّ أكبر وأغنى دولة خليجية.
ويقول مراقبون إن الرئيس الفلسطيني أساء تقدير الظرفية السياسية التي تمرّ بها السلطة، وبدا كأنه يريد أن يظهر كشخصية محورية لأيّ تحرك جديد من أجل السلام، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخرج السلام من دائرته الفلسطينية الإسرائيلية إلى فضاء أوسع، وترك الباب مواربا أمام عباس للّحاق بالمسار الجديد، ولكن دون شروط.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن دحلان يمتلك أوراقا متعددة ليكون عنصرا فاعلا في السلام الجديد، وبينها علاقته الجيدة مع الإمارات، وغياب أيّ فيتو إسرائيلي ضده، فضلا عن حضوره القويّ في الداخل الفلسطيني، وهو ما بدا من خلال فتح قنوات تواصل واتفاق مع حماس عبر يحيى السنوار، القيادي المؤثر ورئيس مكتب الحركة في الداخل. كما أن زعيم التيار الإصلاحي في حركة فتح يمتلك علاقات مع جميع الأطراف وليس فقط حماس.
سلام شامل
ويضاف إلى الاتفاق مع حماس وتبريد الخلافات القديمة بين الحركتين في القطاع عنصر قوة ثان لدحلان، وهو ثقل التيار الإصلاحي الذي يتزعمه في غزة. كما أن زوجته حشدت له قاعدة الدعم التي يحتاجها، من خلال زيارات خيرية دورية لغزة، تشمل تنظيم حفلات زفاف جماعية للفقراء الذين لا يستطيعون تحمُّل تكلفتها.
وُلد دحلان في مخيم خان يونس للاجئين المكتظ بالسكان في قطاع غزة، ونشأ كواحد من قادة الانتفاضة الفلسطينية الشباب في 1987، وتعلَّم العبرية خلال فترات قضّاها في السجون الإسرائيلية.
وبعد ترحيله، اكتسب دحلان ثقة عرفات كمساعد رئيسي عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. وعند عودتهم في 1993 مع اتفاقات أوسلو للسلام، قاد دحلان حركة فتح في غزة وقاد العمليات الأمنية هناك.
لكن، أثناء صعوده سلّم السلطة الفلسطينية اشتبك دحلان، بعد وفاة عرفات في 2004، مع عباس عدة مرات؛ فقد رأى عباس في دحلان منافسا طموحاً كان يجب أن يظل مقيّدا، وحمّل دحلان مسؤولية فشله في إخماد التمرد الذي سيطرت فيه حماس على غزة في 2007.
وبقيا يتبادلان توجيه تهم الفساد لبعضهما البعض منذ سنوات، وهو ما أجّج المشاكل بينهما. في النهاية، لم تكن شعبية دحلان في الشارع كافية لحمايته من الشرطة ونظام العدالة الجنائية الذي يسيطر عليه عباس، وهو ما دفعه نحو المنفى.
كما نجح زعيم التيار الإصلاحي داخل فتح في كسب اهتمام الإدارات الأميركية المتعاقبة، بدءا من إدارة بيل كلينتون مرورا بإدارة جورج دبليو بوش ووصولا إلى ترامب.
ويعتقد محللون أن صعود أسهم دحلان سيكون مرتبطا بما إذا كان ترامب سيفوز بولاية أخرى لمواصلة السلام الجديد ولحاق السلطة الفلسطينية بهذا المسار. كما أن الأمر سيظل مرتبطا بقدرة زعيم التيار الإصلاحي في فتح على تجاوز فكرة تصفية الحسابات مع منافسيه القدامى ولعب دور ذكي في إلحاق الفلسطينيين بشرق أوسط سريع التحول.
ويشير هؤلاء المحللون إلى أن العلاقات الخارجية لدحلان قد لا تكفي وحدها لمنحه دورا جديدا، إذ الأمر يصبح مرتهنا بعلاقاته الفلسطينية الداخلية بدءا بتجاوز مخلفات خلافاته مع عباس والمحيطين به في فتح، وكسر الصورة التي رسمت له داخل فتح نفسها كقيادي متمرّد.
تُضاف إلى ذلك كله قدرته على استقطاب حماس وحركة الجهاد الإسلامي والقيادات الفلسطينية التابعة لفصائل مثل الجبهة الشعبية أو الديمقراطية لخلق مناخ متفائل بسلام على شاكلة المناخ الذي خلقه عرفات في فترة أوسلو. لكن كيف سيقدر على ذلك في ضوء حالة الاستقطاب الخارجية داخل الملعب الفلسطيني؟ وهل سيحصل دحلان على أوراق أميركية وإسرائيلية تعبّد أمامه طريق المقبولية الفلسطينية؟