كريتر نت – العرب
إيران التي وقفت خلال الانتفاضة العراقية الأخيرة على مدى جموح الشارع الشيعي في العراق، وباتت تدرك صعوبة السيطرة على جيل صاعد عن طريق أدواتها السياسية وتشكيلاتها شبه العسكرية التي استهلكتها تجربة الحكم الكارثية القائمة في البلد منذ أكثر من سبعة عشر عاما، تحاول تنويع خياراتها للحفاظ على نفوذها في الساحة العراقية عبر “تخريج” قيادات دينية سياسية جديدة وإنشاء جيل جديد من الحركات الدينية.
أثار الإعلان عن تأسيس “حركة دينية جديدة” تحت عنوان “عهدالله”، تضم “أبناء الإمام خامنئي” و”أبناء خط الإمام الخميني في العراق” الكثير من الجدل في بغداد، بشأن نوايا إيران خلال المرحلة التي تسبق الانتخابات المبكرة التي حددت الحكومة مطلع يونيو القادم موعدا لإجرائها.
وأعلن رجل الدين هاشم الحيدري المقرب من الحرس الثوري الإيراني، بشكل مفاجئ، عن تأسيس “حركة دينية إسلامية تؤمن إيمانا راسخا بالإسلام ومدرسة رسول الله ومدرسة أهل البيت”، موضحا أنها “حركة هدفها وخطّها ونهجها وشعارها وخطابها ومشروعها هو الإسلام والولاية.. حركة اسمها حركة عهدالله الإسلامية”.
ويقول الحيدري إن “حركة عهدالله الإسلامية تؤمن بأن الإسلام يقود الحياة، وأن الإمام الخميني العظيم هو محيي الإسلام في زماننا”، مشيرا إلى إن “الإسلام المحمدي الأصيل لا يختص بوطن دون آخر ولا بقومية دون أخرى ولا بشعب دون آخر”.
ويضيف الحيدري أن “حركة عهدالله الإسلامية تؤمن بولاية الفقيه” على الطريقة الإيرانية، و”تؤمن بأن قيادة الأمة والمسلمين لا بد أن تكون بيد الفقه والفقيه العادل العارف البصير الشجاع المدبر الجامع لشرائط الفقاهة والاجتهاد والقيادة” في إشارة إلى علي خامنئي المرشد الإيراني والحاكم الفعلي هناك.
وبشأن ممارسة السياسة، يقول الحيدري “في المرحلة الحالية لن نشارك ولا نريد أن نشارك في الانتخابات لا كمرشحين ولا كتحالفات، لكن سنوجه جمهورنا لانتخاب المرشحين النزيهين المتقين”.
ومضى يقول إن من “أولويات حركة عهدالله الإسلامية المواقف السياسية المبدئية الحقّة”، موضحا “نحن نعتقد أنه دائما وفي كل زمن هناك جبهة حق وهناك جبهة باطل، وعلى الإنسان المسلم المؤمن الرسالي الحسيني أن يختار جبهة الحق”.
هاشم الحيدري: حركة عهدالله الإسلامية تؤمن بولاية الفقيه
ويشرح الحيدري بأنّ “جبهة الحق”، بالنسبة للحركة تضم “الولي الفقيه سماحة الإمام خامنئي والجمهورية الإسلامية وسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، والحشد الشعبي المقدس، وحزب الله وأمينه العام سماحة الحبيب السيد حسن نصرالله، وأنصار الله في اليمن، وشعوب المنطقة المظلومة: فلسطين والبحرين وكشمير وباكستان ونيجيريا وسوريا، وكل الشعوب في كل منطقتنا، وكل مجاهد مقاوم وكل رسالي في جبهة المقاومة والولاية”.
أما “جبهة الباطل” فتتمثل في “أميركا وبريطانيا وإسرائيل.. وكل تابع ومداهن ومنافق ومتضعضع ومهزوز ومهزول أمام هذه الجبهة الباطلة”.
والحيدري هو رجل دين شيعي مغمور يتخذ من مدينة الكاظمية في بغداد مقرا له، ويحرص على التفاعل مع قضايا العراق والمنطقة من وجهة نظر إيرانية بحتة. ولدى الحيدري بضع صور مع علي خامنئي، استخدمها في الترويج لمشروعه الجديد.
وتقول أوساط دينية شيعية في بغداد إن الحيدري قد يكون النسخة العراقية من حزب الله اللبناني بزعامة حسن نصرالله. ويرى مراقبون أنّ التطابق يكاد يكون كليا بين خطاب “عهدالله” في العراق و”حزب الله” في لبنان وهو خطاب إيراني الجوهر والتصورات.
وتنتشر في الأوساط الشبابية الشيعية ضمن وسط وجنوب العراق مشاعر سلبية جدا إزاء سلوك الميليشيات التي شكلتها ورعتها إيران وباتت تبسط نفوذها في هذه المناطق.
ويرى مراقبون أن إيران تحاول تنويع خياراتها في التعاطي مع الجمهور الشيعي العراقي الذي ملّ من سلوكيات ممثليها الميليشياويين، وقد يبحث عن مشاريع أخرى.
وتريد طهران أن تربط الجمهور الشيعي في العراق بخياراتها الواقعة تحت تصرفها المباشر كالمجموعات شبه العسكرية التي لا تعترف بأنظمة الدولة العراقية والمشاريع الدينية التي لا تعترف بالحدود بين البلدان.
وخلال الانتفاضة غير المسبوقة التي انطلقت في العراق قبل نحو عام، تركّزت الاحتجاجات في العاصمة بغداد ومحافظات الجنوب الموطن الأساسي لأبناء الطائفة الشيعية والخزّان البشري للأحزاب الشيعية القائدة للدولة منذ نحو سبعة عشر عاما.
وتوجّه الغضب خلال تلك الانتفاضة بشكل واضح صوب إيران ووكلائها في العراق من قادة ميليشيات وأحزاب شيعية من خلال مهاجمة مقرّاتهم في كبريات مدن الجنوب العراقي ورفع شعارات الاستهجان في وجوههم.
ويؤشّر ذلك على تصاعد الغضب في الأوساط الشيعية العراقية من سياسات إيران وتدخّلها في البلد، وهو دليل على وعي رجل الشارع العراقي بمسؤولية طهران عما آلت إليه الأوضاع في العراق من سوء على مختلف المستويات.
وتمثّل مجابهة قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية بشعار “إيران برّة برّة” إنذارا جدّيا للسياسيين العراقيين الموالين لطهران بشأن انفلات الشارع بكل طوائفه وأعراقه عن الضبط والتوجيه بعد أن عمّت القناعة بفشل تجربة حكم الأحزاب الشيعية المستمرّة منذ الغزو الأميركي للبلد الذي أطلق عملية سياسية قامت على المحاصصة وأتاحت لإيران نفوذا غير مسبوق في العراق عن طريق وكلاء محليين من قادة دينيين وسياسيين وقادة ميليشيات مسلّحة.
ولا تقتصر موجة الغضب من إيران على رجل الشارع الشيعي بل تمتد إلى عدد من النخب السياسية والدينية حيث لا تخلو الساحة العراقية من مراجع ورجال دين شيعة متمرّدين على التبعية لإيران معتبرين العراق مصدر التشيّع وأصله وأن المنطق السليم يقتضي أن يكون التأثير من العراق باتجاه إيران ومن النجف باتجاه قم، وليس العكس.
وعلى هذه الخلفية يبدو اعتماد إيران على حركات دينية جديدة مثل حركة “عهدالله” من أجل الإمساك بالساحة الشيعية العراقية ومنع انفلاتها، محاولة بلا أفق للنجاح، بالنظر إلى وجود مزاج عراقي متغيّر خصوصا لدى الجيل الشاب القائد للانتفاضة والناقم على الأحزاب والحركات الدينية والميليشيات المسلّحة، بل شديد التحسّس من كل ما له صلة بإيران، خصوصا وأن تلك الأحزاب والميليشيات هي من تزعّمت قمع الانتفاضة وانخرطت في عمليات ترهيب واختطاف وقتل لقياداتها ونشطائها البارزين.