كريتر نت – العرب
يرجّح محللون تراجع برامج الإصلاح في المنطقة العربية على عدة جبهات خلال السنوات الخمس المقبلة، مما سيؤدي إلى عودة عقارب التنمية إلى الوراء لسنوات ويمحو التقدم المهم الذي تم إحرازه، ويجعل الحكومات أمام تحديات سياسية بعد انتهاء الأزمة الصحية، حيث يقف البعض منها عند مفترق طرق، فإما أن تواجه عدم الاستقرار الذي طال أمده، وإما فقدان مكاسب مهمة تم تحقيقها على مدار العقود القليلة الماضية.
لم يتوقع أكثر المتشائمين من تداعيات الوضع العالمي قبل انتشار كورونا أن يشهد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أزمة كالتي تمر بها بلدان المنطقة اليوم، فهي تحاول التأقلم مع الأزمة الصحية، على اختلاف درجة تعامل كل حكومة، لكن في النهاية سيكون الجميع أمام حتمية تأخير أي خطط للإصلاح لما بعد 2025.
ومع تزايد المخاوف من زيادة حاجة دول عربية إلى المانحين الدوليين والآثار التنموية والسياسية لزيادة الديون الخارجية على المدى القريب والمتوسط، فإن حكومات المنطقة قد تدخل في دوامة متجددة من الأزمات السياسية التي قد تحرّك الشارع ضدها بسبب عجزها عن اعتماد حلول تخرج الناس من أزماتهم.
وتشير تقديرات إدارة رصد المخاطر في مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث وبناء على دراسة بيانات أهم المؤسسات المالية الدولية، وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى أن جائحة كوفيد – 19 قد تبطئ وتيرة الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية في المنطقة لنحو 5 سنوات مقبلة إلى حين بداية التعافي كليّا من تداعيات الجائحة.
ويقول خبراء مركز الخليج العربي للدراسات إن الوضع الاقتصادي الصعب، الذي ستُقبل عليه دول عربية قد يكون مدخلا يغري إسرائيل وحلفاءها لزيادة ممارسة ضغوط على بعض الدول من خلال مؤسسات مالية عالمية ضخمة من أجل تمرير صفقات تطبيع جديدة مقابل حزم مساعدات مالية بضمانات القوى الكبرى.
وليست هناك أي دلالات محتملة في الأفق على تراجع الدور الأميركي في الضغط المباشر وغير المباشر على تحسين علاقات الدول العربية بإسرائيل وفق شروط اللوبيات الصهيونية المؤثرة في الولايات المتحدة والعالم.
ويحمل التطبيع شعارات سلام مختلفة لكن على الأرجح ستكون نتائجه على حساب محدودية توسّع جغرافية الأراضي الفلسطينية المحتلة وبقاء القدس محل جدل في حين يتم فرضها تدريجيا في الوثائق الدولية وبين الأوساط العالمية كعاصمة إسرائيل في انتظار اعتراف أممي وعربي بها مستقبلا ومثل هذا الاعتراف من غير المؤكد أن يواجه رفضا شعبيا.
وقد يزيد نفوذ التدخل الأجنبي في الدول العربية على حساب توقع زيادة الانقسام العربي تجاه الكثير من القضايا المهمة في المنطقة، وهذا الجانب ربما يكون سببا آخر لتأخر تنفيذ برامج الإصلاح لاسيما في تلك الدول التي لا تزال هشة سياسيا وأمنيا.
ومع ارتفاع ديون الدول العربية تزيد حاجة هذه الدول إلى المانحين وارتدادات ذلك على زيادة مفترضة للتبعية إلى القوى الخارجية. وهذه أهم تحديات المستقبل التي تجعل الدول العربية تواجه أحد الخيارين، إما التبعية المالية للغرب وفقدان جزء من السيادة وإما النهضة الوطنية والتعاون العربي المشترك لتحقيق تطلعات الشعوب خاصة فئة الشباب.
وتواجه كافة الدول العربية مجموعة من التحديات المشتركة التي تتراوح من بطالة الشباب إلى تغيّر المناخ والإرهاب، وقد يوفر هذا الزخم اللازم للتعاون العربي، لكنه يظهر بشكل خاص أن المقاربات الثنائية لم تعد كافية إذ لا يمكن معالجة أي من القضايا المذكورة دون تعزيز التعاون العربي المشترك.
ومع ذلك فقد تكون زيادة رصد اتساع الهوة بين مواقف الأنظمة العربية، التي قد تخير النزعة الوطنية في سياساتها، سببا في تأخر الإصلاحات، الأمر الذي قد يضر بالتكامل الاقتصادي العربي أو تبادل المعلومات الاستخباراتية.
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في أغلب الدول العربية وتتجدّد المخاطر بأشكال مختلفة، فبينما تسبب الإرهاب خلال العقد الماضي بدخول المنطقة بأكملها في دائرة اضطرابات خطيرة أدت إلى انحراف مسار التعافي الاقتصادي من تداعيات ما يسمّى بـ”الربيع العربي”، بتركيزها على مكافحة التطرف الديني، أهملت تنفيذ الإصلاحات الهامة التي كان من شأنها أن تخلق فرص عمل وتحفز الابتكار والتنويع الاقتصادي، وتسهم في النمو وتعزز الاستقرار.
واليوم تواجه أغلب الدول العربية خاصة محدودة الدخل المخاطر نفسها بانحراف متوقع لمخططات التنمية وعودة التركيز على محاربة العنف والإرهاب والاضطرابات المحتملة كتداعيات مرجحة إبّان نهاية موجة وباء كورونا المدمّر على حساب الإصلاحات الهامة المتوقع استمرار تأخرها.
جائحة كوفيد – 19 قد تبطئ وتيرة الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية في المنطقة لنحو 5 سنوات مقبلة إلى حين بداية التعافي كليّا من تداعيات الجائحة .
وبعد ثورات “الربيع العربي” في 2011، وعقب نهاية شبح الإرهاب بتصفية تنظيم داعش في 2017، وقبل اجتياح الوباء عالميا في نهاية العام الماضي، كانت التوقعات متفائلة عربيا بمتوسط نمو بنسبة 5 في المئة وانخفاض مؤقت في أسعار المواد الغذائية جزءا من التطلعات الرسمية والشعبية.
وتلك الآمال جاءت اعتمادا على ثقة النخب الحاكمة في النظرة الإيجابية، التي رسمها المتنبئون الاقتصاديون المحليون والدوليون، والتي دفعت صانعي القرار في بعض الدول العربية إلى تأجيل الإصلاحات سنوات طويلة ولكن هذا التأجيل قد يطول أكثر عقب الوباء.
وبدلا من توقعات النمو، بدأت الاقتصادات العربية، التي كانت قد بدأت في التعافي من اضطرابات 2011، في الانكماش مرة أخرى نتيجة لعدة عوامل أبرزها ظهور الوباء ومخاطر الأمن القومي الصحي وتداعيات إغلاق الدول التي تقود في الأفق خاصة في الدول الفقيرة ومحدودة الدخل إلى تباطؤ وتيرة التفاؤل بآفاق النمو.
وكل تلك الوضعيات تتسق مع زيادة رصد مؤشرات مقلقة كمزيج من انعدام الأمن وعدم الاستقرار وعدم استدامة الدعم وتأثير ذلك على تضخم أسعار الغذاء وانهيار القدرة الشرائية في ظل تفاقم مؤشرات البطالة وزيادة معدلات الفقر.