كريتر نت – العرب – صغير الحيدري
بالرغم من الصمت الذي يخيم على قصر قرطاج الرئاسي في تونس، إلا أن أحزابا سياسية تواصل ضغوطها من أجل الذهاب في حوار وطني سياسي واقتصادي قد يُفرز حكومة وحدة وطنية أو تعديل وزاري تُعيد هذه الأحزاب للحكم وترتب أولويات المرحلة التي ستقودها حيث من المتوقع أن تكون من ضمن أولوياتها معالجة الملفات الاقتصادية والقيام بمراجعات في ما يتعلق بالمنظومة الانتخابية.
تونس – لا تزال محاولات الدفع نحو حوار وطني في تونس يُنهي الأزمة السياسية تُراوح مكانها بالرغم من تعدد المبادرات في هذا الصدد حيث تسعى العديد من الأحزاب التونسية ومنظمات وطنية لتكثيف الضغوط لإجراء هذا الحوار الذي تنتظر منه أطراف سياسية على ما يبدو العودة إلى الحكم من بوابة حكومة وحدة وطنية.
وجدد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المُعارض غازي الشواشي الأربعاء التأكيد على أن لدى حزبه مبادرتين؛ واحدة تتمثل في حوار وطني اقتصادي وأخرى حوار وطني سياسي يتضمن مراجعة المنظومة الانتخابية ويرعاهما الرئيس قيس سعيّد.
وقال الشواشي المنتخب حديثا أمينا عاما للتيار إن الظروف التي تمرّ بها البلاد تستوجب قيامهم بدور إيجابي في دعم “الخيارات الإيجابية” التي تتخذها حكومة المشيشي، رغم أنهم يمثلون حزب معارضة رئيسيا موضحا ’’هذا الموقف لا يعني ترك الحكومة تُشرِّع وتقرّر ما تشاء، لأن أوضاعنا حساسة ودقيقة جدا، وكل هفوة قد تؤدي لتعميق الأزمات التي تعاني منها بلادنا‘‘.
وأضاف الشواشي في حوار مع وكالة الأناضول أن الحزب تقدم بمبادرتين ’’تتمثل الأولى في حوار وطني اقتصادي واجتماعي باعتبار أن الثورة التونسية في الأساس اقتصادية واجتماعية”.
وتابع أن ’’الثانية تتعلق بالشأن السياسي حيث يستوجب مراجعة المنظومة الانتخابية (..) لا بد من قانون لمجال سبر الآراء، وآخر لتمويل الأحزاب السياسية لتجنب الأموال الأجنبية، ولا بد من تنظيم القطاع السمعي البصري والإعلام وتجنب توظيفه لغايات سياسية وانتخابية‘‘.
وأشارت العديد من المصادر لـ”العرب” إلى أن هذا الحوار يستهدف خلق معادلة سياسية جديدة في البلاد ينتج عنها تشكيل حكومة وحدة وطنية أو إجراء تحويرات على حكومة هشام المشيشي تُعيد التيار وحركة الشعب للحكم مقابل إخراج حزب قلب تونس منها وهي شروط قد ترفضها حركة النهضة الإسلامية التي تقود حاليا حزاما برلمانيا داعما لحكومة هشام المشيشي ويضم قلب تونس إلى جانب ائتلاف الكرامة الشعبوي.
وهذه الفرضية عززتها مطالبة التيار الديمقراطي على لسان أمينه العام لرئيس الحكومة بالقيام بتحوير وزاري بذريعة أن الفريق الحكومي ضعيف.
وقالت ذات المصادر إن التيار ينتظر رد الرئيس قيس سعيد على الحوار المزمع إجراؤه حيث لم يخرج قصر قرطاج عن صمته بعد بشأن هذه المبادرات التي بدأت تتزاحم، خاصة أن حركة مشروع تونس كانت أول حزب يدعو لحوار وطني لتلتحق به بعد ذلك العديد من الأطراف الأخرى على غرار التيار الديمقراطي واتحاد الشغل وغيرهما.
ومن المفترض أن يسبق هذا الحوار، إذا كُتب لمحاولات الدفع نحوه النجاح، ترتيبات بشأن المرحلة المقبلة وحكومة الوحدة الوطنية التي ستقودها والتي من المرتقب أن توكل إليها مهام معالجة الملفات الاقتصادية المستعجلة وكذلك السياسية على غرار مراجعة النظام الانتخابي وتسريع وتيرة تركيز المحكمة الدستورية التي حالت التجاذبات السياسية دون انتخاب أعضائها.
وفي خضم هذه المحاولات والنقاط المتشابكة، يسعى الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، لأن يلعب دور الوسيط رغم محاولات حشره في المعارك السياسية لاسيما ضد حركة النهضة الإسلامية الذي سبق وأن لمح الاتحاد إلى سعيها لخدمة أجندات إخوانية مؤكدا أنه سيتصدى لذلك.
ويبدو أن الاتحاد ماض في ذلك، أي لعب دور الوسيط، حيث أكد الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي على ضرورة الذهاب في حوار وطني يرعاه الرئيس قيس سعيّد الذي يبدو أنه غير متحمّس للفكرة بالرغم مما تروج له العديد من الأطراف السياسية الموالية له على غرار حركة الشعب (قومي) وحزب التيار الديمقراطي المُعارض (يسار اجتماعي).
وقال الطبوبي في تصريحات لقناة محلية إن ’’الاتحاد غير معني بأي جبهة سياسية مع التيار الديمقراطي وحركة الشعب‘‘، وذلك في وقت بدت فيه قيادات من الصف الأمامي في هذه الأحزاب تُصر على أن الرئيس واتحاد الشغل قد ينضمان إليهم في جبهة سياسية.
وقال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي إن ’’قيس سعيد قد يقود جبهة سياسية متكونة من حركة الشعب والتيار واتحاد الشغل‘‘.
الحوار يهدف إلى إجراء تعديلات على حكومة المشيشي
ويرى مراقبون أن الاتحاد العام التونسي للشغل يسعى لعدم توريط نفسه في معترك الأزمة السياسية بالرغم من أن هذه الأزمة بدأت تُنذر بانفجار اجتماعي مع تصاعد الاحتجاجات في عدد من الولايات (المحافظات) وذلك لأسباب عديدة يبقى أهمها محاولة الاتحاد الحفاظ على مكانته الاعتبارية لدى التونسيين والإبقاء على نفس المسافة مع كل الأطياف السياسية لفرض نفسه وسيطا وبديلا عن بقية المكونات بالرغم من انتقاداته السابقة لأطراف مُعينة.
وكان الطبوبي قد تعهد في وقت سابق بالتصدي لمحاولة ’’أخونة تونس‘‘ وفرض خيارات إخوانية تستهدف مكاسب الدولة المدنية، لكن سرعان ما تراجع خطاب الاتحاد ليعود إلى مربع الوساطة لأسباب قد تكون داخلية تعني الاتحاد وقيادته الحالية فقط.
وفي إطلالته الإعلامية مساء الثلاثاء، والتي جاءت لتكسر الصمت الذي خيم على الاتحاد وسط تضارب الأنباء بشأن دخوله في هذه الجبهة السياسية، استبعد الطبوبي أن يتم استنساخ تجربة الحوار الوطني في 2014 قائلا ’’في تونس هناك مؤسسات منتخبة لذلك من الصعب العودة لحوار وطني على غرار 2014 (..) الظرف يختلف تماما عن 2014 لذلك يجب أن يكون هناك حوار شامل فيه الكثير من الوعي وبعيدا عن المحاصصة السياسية‘‘.
وأضاف الطبوبي ’’نحن فقط طرحنا على الرئيس وبعض الأطياف السياسية خطة لإنقاذ البلاد من الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتأزم‘‘.
وتعيش تونس على وقع أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية حادة عمقتها التجاذبات بين مختلف مكونات المشهد السياسي التي جاءت في أعقاب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت العام الماضي وأفرزت رئيسا مستقلا عن الأحزاب وبرلمانا مشتتا حيث لم ينجح أي حزب في الانفراد بغالبية مطلقة تمكنه من الحكم.