كريتر نت – العرب
بدا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في مذكراته “أرض الميعاد” التي صدرت بعد نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكأنه يضع خارطة طريق أمام الرئيس القادم جو بايدن بشأن التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط والخليج وإيران، بما قد يعيد أجواء التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، وخاصة السعودية التي تتعرض لحملة سياسية وإعلامية واسعة بمناسبة قمة العشرين.
وكشف أوباما في مذكراته عن موقفه من الاحتجاجات في مصر والبحرين، وكيف أنه دعم المظاهرات التي جرت ضد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بالرغم من أن واشنطن لم تكن تعرف ما سيؤول إليه الوضع بعد تنحي مبارك.
وروى أوباما كيف ارتبكت إدارته في تقييم ما جرى في البحرين بسبب تدخل العنصر الإيراني في الموضوع قبل أن تضغط على المنامة لتحصيل تنازلات لفائدة المحتجين.
وسرد تفاصيل محادثة مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ووصفه بأنه “شاب، محنك، قريب من السعوديين، وربما أذكى زعيم في الخليج”.
والمهم في هذه المحادثة أن ولي عهد أبوظبي نبه الرئيس الأميركي السابق إلى مخاطر دعم الاحتجاجات في مصر والبحرين وخطرها على المنطقة ككل، وأنه “إذا سقطت مصر وتولى الإخوان زمام الأمور، فقد يسقط ثمانية قادة عرب آخرون”.
وكتب “ولهذا انتقد ولي عهد أبوظبي بياني، إذ قال إنه يظهر أن الولايات المتحدة ليست شريكا يمكننا الاعتماد عليه على المدى الطويل. كان صوته هادئا وأدركت أنه لم يكن طلبا للمساعدة بقدر ما كان تحذيرا”.
وتكشف مذكرات “أرض الميعاد” أن إدارة أوباما كانت تتعامل مع ما يجري بنوع من الاستخفاف بنتائجه على المنطقة وعلى المصالح الأميركية وشراكاتها مع دول محورية في الشرق الأوسط مثل السعودية ومصر.
ويعزو سياسيون ذلك الاستخفاف إلى تصور أميركي قاصر يعتقد أن مصر ودول الخليج لا يمكنهما أن تغضبا من إستراتيجية أوباما التي لم تكن تمانع في تفكيك المنطقة وضرب استقرارها من خلال الرهان على وصول جماعات إسلامية متشددة إلى الحكم، وبناء تحالف مع إيران دون مراعاة الأمن القومي لدول الخليج.
لكن الرئيس الأميركي السابق اكتشف العكس تماما في موضوع البحرين، حين رفضت المنامة الضغوط الأميركية. وقال أوباما “بالتنسيق مع السعوديين والإماراتيين، كان النظام البحريني سيجبرنا على الاختيار، وكان الجميع على دراية بأنه عندما حان وقت الضغط، لم نتمكن من المخاطرة بموقعنا الإستراتيجي في الشرق الأوسط بقطع العلاقات مع ثلاث دول خليجية”.
ويقول مراقبون إن مذكرات الرئيس الأميركي السابق تكشف أن الإدارة الديمقراطية لم يكن يعنيها استقرار منطقة الشرق الأوسط، وأنها كانت محكومة بأفكار وتقارير مسبقة عن دول مثل مصر والسعودية أكثر من كونها محكومة بدواعي المصلحة الأميركية وضرورات الشراكة الإستراتيجية.
ورغم النصائح الخليجية والتحذيرات من مخاطر الدعم الموجه إلى احتجاجات فوضوية مرتهنة بأجندات خارجية، لم تحمل مذكرات أوباما أي اعتراف بالخطأ. كما لم توجه رسائل إلى الرئيس المنتخب جو بايدن تتضمن توعية بضرورة مراجعة تلك الإستراتيجية. وعلى العكس، يبدو الهدف من كتاب أوباما تشجيع الرئيس القادم على السير في الطريق نفسه، بالضغط على دول مثل السعودية دون مراعاة وزنها الإقليمي والاقتصادي وحجم شراكتها مع الولايات المتحدة.
ويشير المراقبون إلى أن الحملة التي تشن على السعودية بمناسبة قمة العشرين هي جزء من إستراتيجية تهدف إلى دفع المملكة إلى الاكتفاء بالدفاع عن مواقفها، وعرقلة مسار الإصلاحات الواسعة التي بدأتها من أجل أن تتحول إلى قوة اقتصادية وازنة دوليا.
ولا ترتبط الحملة الممنهجة على السعودية بقمة العشرين، ولا بقضية الصحافي المقتول جمال خاشقجي، ولا بوجود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وإنما هي ضغوط قديمة تهدف إلى ابتزاز المملكة الغنية بالنفط. كما أنها لا تنظر إلى المكاسب الإصلاحية التدريجية التي تراكمها السعودية منذ أربع سنوات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومواجهة التطرف، وتكتفي بسماع تقارير ومواقف شخصيات معادية للمملكة.
وتراهن السعودية على بناء علاقة جديدة مع جو بايدن تقوم على التفاهم، وخاصة على سماع وجهة نظر السعودية بشأن المؤاخذات الموجهة لها في مجال حقوق الإنسان، وعدم إغفال الخطوات التي قطعتها إلى حد الآن.
وتعبر تصريحات المسؤولين السعوديين المتزايدة عن قلق في الرياض من أن تكون بلادهم هي الهدف القادم لنسخة ثانية من “الربيع العربي” بعد أن توجهت النسخة الأولى التي رعاها أوباما نحو مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن.
واعتبرت الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، سفيرة السعودية في الولايات المتحدة، أن بلادها كانت أعظم حليف لأميركا في الحرب ضد التطرف والإرهاب، محذرة من أن بعض المعارضين السعوديين، على النقيض من ذلك، “يريدون فقط حرق كل شيء”.
ولفتت السفيرة السعودية إلى أن بلادها “بحاجة إلى القيام بعمل أفضل في تصحيح وجهة نظر غير دقيقة ومشوهة عن المملكة”.
وأضافت “نحتاج إلى توضيح أن التقدم في مجال حقوق الإنسان لا يحدث بين عشية وضحاها، والتغيير تدريجي”.
من جهته، دعا الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، المرشح الديمقراطي المتقدم في انتخابات الرئاسة الأميركية جو بايدن إلى عدم تكرار “أخطاء الماضي” مع إيران.
وفي كلمة له بمؤتمر “المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية”، قال الأمير تركي الفيصل موجها كلامه لجو بايدن “لا تكرر أخطاء وعيوب الاتفاق الماضي، أي اتفاق غير شامل لن يحقق السلام الدائم والأمن في منطقتنا، الاتفاق النووي لم يعرقل سلوك إيران المدمر في منطقتنا، في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وكذلك السعودية بالهجوم المباشر وغير المباشر على المنشآت النفطية، وهو تهديد مماثل لخطورة برنامجها النووي”.
ويراهن المراقبون على أن السعودية يمكنها أن تكسر الحلقة الإعلامية والدبلوماسية التي تهاجمها من خلال عرض صورة مغايرة عنها في قمة العشرين التي تبدأ اليوم السبت وتستمر إلى غد.
وحث ديفيد رونديل -وهو دبلوماسي أميركي سابق يتمتع بخبرة عشرين عاما في الرياض- السعودية على عرض قضيتها في القمة التي ستتم عبر الإنترنت، معتبرا أن تعريفها بالنجاح الذي تحققه سيحافظ على ارتباطها ببقية العالم.