2 ديسمبر اليوم العالمي لإلغائه ولكن العبودية ليست مجرد تاريخ
كتب : فيديل سبيتي
يعتقد كثيرون أن زمن الرق والاسترقاق قد ولى، أو أنهما من زمن بعيد في قرون بعيدة حين كانت السفن تنقل العبيد من أفريقيا إلى أوروبا أو أميركا القارة الجديدة المكتشفة في حينه.
هذه هي الصورة السينمائية حول الرق والاستعباد والاتجار بالبشر. لكن في الواقع الأمر مختلف تماماً. ما زالت أنواع كثيرة من العبودية والرق والاتجار بالبشر سائدة حتى اليوم وبشكل كثيف حول العالم. ومن يتابع الأرقام الصادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة حول الاسترقاق الحديث لا بد سيصاب بالصدمة.
اليوم الدولي لإلغاء الرق
وفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم ضحايا للرق الحديث، الذي يعني ممارسات من قبيل “العمل الجبري، واستعباد المدين، والزواج القسري، والاتجار بالبشر، والاستغلال الجنسي، وعمل الأطفال، والتجنيد القسري للأطفال لاستخدامهم في النزاعات المسلحة”.
ويشمل الرق الحديث أيضاً “حالات الاستغلال التي لا يمكن للشخص أن يرفضها أو يغادرها بسبب التهديدات والعنف والإكراه والخداع وإساءة استعمال السلطة” بحسب المنظمة. ويتعرض أكثر من 150 مليون طفل لعمل الأطفال، مما يمثل قرابة واحد من كل عشرة أطفال في جميع أنحاء العالم.
كالعادة وفي مثل هذه الحالات من المشكلات العالمية، قامت الأمم المتحدة بتعيين يوم دولي لإلغاء الرق، في 2 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، بهدف التوعية بهذا الوضع الذي يُتغاضى عنه كأنه غير موجود، وإشراك أكبر قدر ممكن من المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في نشر المعلومات التي تضيء في عتمة أوضاع ملايين البشر وتحديداً في الدول الفقيرة، حيث يكاد يضحى الاسترقاق وكأنه من طبيعة سير هذه المجتمعات.
الأشكال الرئيسة للرق الحديث
توثق التقارير التي نشرتها هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، استمرار وجود الأشكال القديمة من الرق المجسدة في المعتقدات والأعراف التقليدية.
ونتجت هذه الأشكال من الرق عن التمييز القائم منذ عهد طويل ضد أكثر الفئات استضعافاً في المجتمعات مثل: أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية دنيا، والأقليات القبلية والسكان الأصليين.
وترى منظمة العمل الدولية أن العمل القسري يمثل مشكلة عالمية، وأن الجوهر الأساسي للرق ما زال قائماً. وإلى جانب الأشكال التقليدية من العمل القسري مثل السخرة والعمل سداداً للدين، يوجد الآن مزيد من الأشكال المعاصرة للعمل القسري مثل العمال المهاجرين الذين جرى الاتجار بهم بغرض الاستغلال الاقتصادي بجميع أنواعه في الاقتصاد العالمي “العمل في مجالات الاستعباد المنزلي، والبناء، وصناعة الأغذية والملابس، والقطاع الزراعي والدعارة القسرية”.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، يعمل طفل واحد من كل ستة أطفال، في مخالفة صريحة لاتفاقية حقوق الطفل، التي تعترف المادة 32 منها “بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي”.
أما بخصوص الاتجار بالأشخاص، فهو يعني تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم عن طريق التهديد باستعمال القوة أو استخدامها.
في الأرقام
يقدر عدد الأشخاص الذين يعيشون في الرق الحديث بنحو 40.3 مليون شخص، منهم 24.9 في السخرة، و15.4 مليون في الزواج القسري.
وهناك 5.4 ضحايا للرق الحديث لكل 1,000 شخص في العالم. من بين كل 4 ضحايا للرق الحديث هم من الأطفال. ومن بين الـ24.9 مليون شخص المحاصرين في العمل الجبري، يُستغل 16 مليون شخص في القطاع الخاص مثل العمل المنزلي أو البناء أو الزراعة، و4.8 مليون شخص في الاستغلال الجنسي القسري، و4 ملايين شخص في السخرة التي تفرضها سلطات الدولة. وتتأثر النساء والفتيات بصورة غير متناسبة بالعمل الجبري، إذ يمثلن 99 في المئة من الضحايا في صناعة الجنس التجاري، و58 في المئة في القطاعات الأخرى.
تقول غولنارا شاهينيان، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بأشكال الرق المعاصر، وأسبابه ونتائجه إن “الرق المعاصر، غالباً ما يحدث في المناطق التي يصعب الوصول إليها من الدولة أو ما يعتبر عالماً خاصاً، كما هو الحال في العبودية المنزلية”.
وتوضح أن الأشكال الشائعة من العمل القسري تكمن في الصناعات التي تفتقر إلى التنظيم أو التي تستخدم اليد العاملة على نحو كثيف، مثل “الزراعة، ومصائد الأسماك، والتشييد، والتصنيع، والأعمال المنزلية، وصناعة الجنس”.
الزواج القسري وعمل الأطفال
يعتبر الزواج القسري شكلاً من أشكال العبودية، حين يدخل الفرد في الزواج من دون موافقة حرة وكاملة. وتصنف “الاتفاقية التكميلية لإبطال الرق” لعام 1956 أي ممارسة يتم فيها “وعد امرأة أو التخلي عنها، من دون أن يكون لها الحق في الرفض، من أجل الزواج نظير دفع مبلغ من المال أو مقابل عيني لوالديها، أو الوصي عليها، أو الأسرة أو أي شخص آخر أو مجموعة”، بأنه عمل غير قانوني.
أما استرقاق الأطفال واستغلالهم، بما في ذلك استخدام الأطفال في الصراعات المسلحة، فهو صنف آخر من الأصناف الشائعة للرق المعاصر.
ويشمل أسوأ أشكال عمل الأطفال، وفقاً لتعريف منظمة العمل الدولية، بيع الأطفال والاتجار بهم، والعمل القسري، والعبودية والاستخدام الإجباري للأطفال في الصراعات المسلحة.
أما العبودية المباشرة، فهي الحالة التي يعتبر فيها شخص أو مجموعة من الأشخاص ملكاً لمالك العبيد وتمكنه من الاتجار بهم، لكنها أقل صور العبودية شيوعاً في الوقت الحاضر. وفي مثل هذه الحالات، يتحكم مالك العبيد في الضحايا وذريتهم، وبالتالي يصبح هؤلاء الأفراد في الغالب مستعبدين منذ الولادة.
لو اتخذنا من معايير الأمم المتحدة ومنظماتها معياراً للرق الحديث، فسنرى أنه يتم أمام ناظرينا وفي كل مكان. ولكنه تحول في معظم المجتمعات الفقيرة إلى عادات وتقاليد أو إلى أمر مقبول اجتماعياً، على الأقل فيما يتعلق بالزواج القسري وعمل الأطفال، والعمالة المنزلية.
لكن سنوياً في مثل هذا اليوم، تعمل الأمم المتحدة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني على الإضاءة على المخالفات الدائمة لمواثيق حقوق الإنسان ومواثيق حقوق الطفل والمرأة، والمراهقات اللاتي يتعرضن للاستغلال الجنسي خصوصاً في هذه الآونة على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، لعل عاماً يأتي في وقت ما، تكون كل أشكال الاستعباد انتهت.
نقلا” عن أندبندنت عربية