كتب : عبدالستار الشميري
كان دار السلطان هو الطريق الذي ظل يتتبعه عبدالمجيد الزنداني خلال رحلته الطويلة الممتدة من الخمسينات.
ولذلك لا غرابة أن يغادر مدينة مكة دار القرآن إلى اسطنبول دار السلطان.
فخلال رحلته الطويلة في عالم السياسة وتوظيفه الدين وتسييس المقدس وتقديس المدنس، كان الزنداني إشكالية يمنية ومهرجاً وأرجوزاً فاق كل تصورات المتابعين، أغرق المسرح السياسي بالفنتازيا والفتاوى واقتحم كل عناصر الثالوث الأخطر: (الدين والجنس والسياسة).
كان الزنداني رجل الفقاعات الإعلامية، ورجل الدين، وأحد ثاني اثنين أسسا جماعة الإخوان في اليمن مع رفيقه عبده محمد المخلافي الذي توفي في ظروف غامضة، هو صاحب أكبر شركة توظيف أموال في اليمن باسم استثمار الثروة السمكية ولا تزال العجائز والفقراء يكيلون له اللعنات والأدعية، بسبب الأسهم الضائعة لشركة لم يعلم أين انتهت مع نظيراتها من شركات الجماعة.
كان الزنداني رفيق الزبيري، ومفتي عبدالله الأحمر، والمرشد الثاني لجماعة الإخوان قبل أن يتم تجريده من هذه المهمة لصالح سلفه المرشد الحالي ياسين عبدالعزيز الذي يقبع منذ الثمانينات في هذا الدور، ولطالما تشطرت أجساد بريئة بسبب فتاوى الزنداني وأتباعه في عمليات تفجير أو عمليات اغتيال.
فما هي مفاتيح هذا البهلوان؟ وكيف استطاع إنتاج قطيع يهتف له رغم انه موسوعة في الأكاذيب والادعاءات ابتداءً من دعاوى فتوحاته وإيمان علماء الغرب على يديه مروراً بادعائه علاج الإيدز والفيروسات المختلفة؟ حتى علق أحدهم قائلا: لولا أن النبوة ختمت بمحمد لكان الزنداني ادعى النبوة وصدقه الكثير.
لعل مفتاح هذه الشخصية “الزنداني ” هي مفتاح لفهم الشخصية الإخوانية عموما، إنه الشكل المكثف والمختزل لشخصية الإخواني في كل زمان ومكان، ذات المنهج الانتهازي والطابع البراجميتيك، وقول الشيء وعمل ضده، وإنتاج واستنساخ التراث بصورة هزيلة وتوظيفه بصورة فجة.
عقدة الصيدلة:
شاباً توجه الزنداني إلى مصر طامحاً أن يكون صيدلياً، لكن الحظ لم يحالفه. سقط مرتين ولم يستطع إكمال السنة الثانية.
قال له دكتور وهو يحاول توجيهه إلى مسار آخر: أنت يا عبد المجيد لا تصلح للقسم العلمي وخاصة الصيدلة عليك باختيار تخصص آخر، لكن هذا التوجيه على أهميته كان عقدة الزنداني الأولى.
ظل يكافح كي يثبت أنه علمي وأنه بارع بالصيدلة وان كانت من نوع آخر اخترع لنفسه مجالا علميا بطريقته كي يثبت ويتخلص من عقدة عدم قبوله بالعلمي، فكان اختراعه الأول الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ودوخ الدنيا وضلل الكثير بهذا الأمر، واستطاع أن يستثمر الكثير من الأموال تحت هذه اللافتة حتى من دول الخليج وأهمها المملكة التي أنفقت بعض سنوات على أبحاثه، وكثير من رجال الأعمال والجمعيات دخلت على الخط.
وبعد عشرين سنة من السراب أدرك أن الأمر لم يعد يصدق وأنه مكشوف فدخل إلى ميادين الصيدلة والأعشاب عله يقول: انا ناجح في الصيدلة التي رسبت فيها، ولكن بطريقته الخاصة ذهب إلى الامام بل قفز إلى الامام قفزة ادهشت واضحكت الملايين يوم اعلن وعبر قناة الجزيرة اكتشافه لعلاج الإيدز وانه سيقوم بتسجيل براءة الاختراع. أي مجازفة هذه ومن يقدر عليها سوى الزنداني.
سأله ذات يوم مذيع تلفزيوني: هل تم تجريب علاج الإيدز؟ قال: نعم.
قال المذيع: على من تم تجريبه؟
قال: على خادمتي المسيحية الإثيوبية، لكنها سافرت إلى بلادها وأبلغتني تلفونياً بشفائها!!
وهكذا أسدل الستار حيث أعلن لاحقا قدرته على علاج فيروسات مختلفة وتدشينه مختبرات لذلك.
كان يرسم الضحك على خشبة المسرح العمومي لليمنيين خصوصاً، لكن أتباعه كانوا واثقين من اختراعاته التي أدهشت العالم.
توظيف الدين في السياسة والتجارة:
عبر تاريخه السياسي والديني والتجاري، الذي يقارب الستين عاما منذ بداياته في تأسيس أول خلية لجماعة الإخوان مع زميله عبده محمد المخلافي في الخمسينات، ثم الإشراف على خلية الإخوان في جيبوتي وسلطنة عمان والتي تم القضاء عليها في التسعينات وحتى يومنا هذا الذي غادر فيه الزنداني مكة إلى اسطنبول، وهو اليوم على مشارف التسعين عاماً رغم أن تاريخ ميلاده تم تزويره مرتين، لا يزال الزنداني يمارس مهنة رجل الدين ويوظف المقدس ليصبح مدنساً بطريقته، ويدعي أنه رئيس علماء اليمن كما يمارس السياسة بصفته القيادة والروحية داخل جماعة الإخوان وحزب الإصلاح.
وهذا الأمر هو الطريق الذي اختطه منذ أن التصق بالزبيري والأحمر، كان الزنداني حاضرا عند كل حرب على اليمن وعند كل دم يراق ويردد اسمه في محطات تاريخية كثيرة كشريك فاعل في جرائم مختلفة حتى إن فتاة من عدن هي لينا مصطفى بنت الوزير الاشتراكي السابق وجدت مقتولة في حوش منزله ورفض الخضوع للتحقيق، ولا تزال القضية مغلقة إلى اليوم وغير ذلك الكثير، إنه تاريخ منذ حروب الجبهة إلى حروب أفغانستان إلى حرب الجنوب 94، وخليط من استثمار الدين في القتل وتسليعه في مزادات العرض والطلب.
هل يضحكنا الزنداني؟
الحديث عن شخصية كالزنداني كما أنه محزن فهو مضحك، وقديماً قيل “وشر البلية ما يضحك”.
كان الزنداني يختلق أي فقاعة إعلامية كي يظهر إلى الناس عندما يجد أن الإعلام قد ابتعد عنه والجميع يتذكر بيضة الزنداني وقفزه إلى ساحة 2011م، بعد سنة من تحريمه الخروج على الحكام ويتندرون بكلمته (لقد أحرجتمونا) وهي لا تقل عن فتواه ب”زواج فرند” وقبلها تأييده لزواج النكاح، ثم لاحقا فتواه للحوثي بأحقية الخمس، وله تاريخ طويل مما يبكي ويضحك.
لعل أهم فتواه هي فتواه بتكفير الحزب الاشتراكي اليمني وقوله إنهم يخططون لهدم الكعبة، وهو فيديو موثق لا يزال يُرى ويُسمع.
كثيرة هي محطات الزنداني المضحكة وهروبه من قضية إلى نقيضها، ناهيك عن هروبه من بلد لآخر ثم إضفاء قصص خيالية لقدرته على هذا الهروب، كما روى قصة خروجه من صنعاء بصورة توحي إلى التدخل الكوني في ذلك، كما كان يصنع في محاضراته عن الإعجاز العلمي الذي استهلك ملايين الريالات من دول الخليج وأصبح من أثرياء اليمن بسببه هو وأولاده من بعده. ولم تكتشف هذه الفقاعة إلا بعد حين.
لقد تخلصت المملكة من ثقله ومن أثقال كثيرة تشبهه، لا سيما وهو مدرج ضمن ممولي جماعات الإرهاب، لم يعد الزنداني اليوم يمتلك بضاعة يروج لها المغفلون، فقد أصبح مفضوحاً منذ سنتين، لكن ربما لا يزال لديه حضوه في دار اردوغان، الخليفة الجديد للإخوان.
ولعل من المصادفات أن الزنداني من سنوات بشر أن عام ألفين وعشرين سوف تظهر الخلافة الإسلامية، وها هو اليوم يهاجر إلى بلاد الخلافة المنبوذة، بينما تلاحقه لعنات اليمنيين على استخفافه بعقولهم وسرقة أموال شركات الأسماك وغيرها.
الزنداني مشوار طويل وغني بالتفاصيل لشخصية فنتازية مرهقة ومضحكة لا تستحق أكثر من مرور شارد وجيز. وهذا ما قصدته.