تيار عون وعائلته يتعرضان لشروخ وضغط مسيحي عليهما للتمايز عن “حزب الله”
وليد شقير
قبل إعلان رئيس الحكومة اللبنانية المكلف زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري، إثر اجتماعه الرابع عشر مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (23-12-2020) للبحث في إخراج الحكومة من عنق الزجاجة، أنه “لا تزال هناك تعقيدات واضحة” أمام إنجاز التشكيلة، كانت الأوساط السياسية تعاملت بحذر مع تصريحه في الليلة التي سبقتها، حين أشاع أجواء إيجابية عن الاجتماع السابق مع عون. لم تدم “الإيجابية” 24 ساعة، والوعد بإنجاز الحكومة قبل عيد الميلاد رُحِّل إلى السنة الجديدة.
ويبدو أن حديثه التفاؤلي قبل ليلة جاء بطلب من الرئيس عون الذي أراد منه أن يشيع مناخاً يريح الأجواء السياسية، ويزيح عن ظهره الضغط المعنوي والسياسي، لا سيما من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي المصر على سرعة ولادة الحكومة لأنه لم يعُد جائزاً إبقاء البلد معلقاً، من دون حكومة. حتى إن بعض من التقوا الحريري أشاروا إلى أن مناخ التعاون الذي أظهره عون في اليوم السابق أوحى بأن مراسيم الحكومة قد تصدر في اليوم التالي.
لكن الحريري لم يجد مفراً، من أن يفصح عن استمرار الصعوبات في التأليف على الرغم من تمنيه على “الجميع أن يدرك أنني لن أتوقف حتى تشكيل حكومة اختصاصيين، وهو ما يريده أيضاً رئيس الجمهورية، لكن الخلاف هو على أمور أخرى، وربما مردّه إلى الثقة التي قد تكون ضاعت خلال السنة الفائتة، والتي يجب علينا أن نعيد بناءها بين الفرقاء”. أراد الحريري في هذا الكلام أن يبلغ من ينتظر منه أن يسأم من المماطلة في التأليف فيعتذر، أن قراره هو ألا ينكفئ أمام المناورات التي تؤخر قيام الحكومة. كما شاء أن “يورط” عون بالتزامه مبدأ حكومة الاختصاصيين.
الحريري: السياسيون لم يعُد لديهم وقت
وقال الحريري “على الجميع أن يعرف أن السياسيين لم يعُد لديهم وقت، وعلى السياسيين أن يعرفوا أيضاً أن البلد ينهار بشكل سريع جداً. والإسراع في تشكيل حكومة هو الأساس، على أن تكون حكومة اختصاصيين وخبراء يعرفون ماذا يفعلون، من دون أن يكونوا مسيّسين”.
فالرئيس المكلف يتمسك بمبدأ الاختصاصيين غير الحزبيين، لمعرفته بأن حكومة من الذين تسميهم الأحزاب حتى لو لم يكونوا منتمين بالمعنى التنظيمي لها، ستلقى صدى سلبياً بين السواد الأعظم من اللبنانيين، وعلى صعيد المجتمع الدولي الذي يكرّر منذ أشهر بأن الأسلوب القديم في إدارة الدولة على طريقة المحاصصة لم يعُد نافعاً على الإطلاق، وعلى القوى السياسية أن تقبل بتغيير الوجوه حتى تطمئن الدول إلى إمكان تقديم المساعدة المالية المشروطة بالإصلاحات، التي عجزت عنها الطبقة السياسية على مدى عقدين من الزمن.
ولأن الحريري يدرك ما يريده المجتمع الدولي، لا سيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، صاحب مبادرة إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي الكامل، توجّه بكلامه إلى “السياسيين”. وهو يعرف من المواقف الدولية أن حكومة يسيطر عليها السياسيون “ستولد ميتة” كما يقول أحد الأقطاب المواظبين على التواصل مع السفراء الغربيين والعرب، الرافضين لعودة الأحزاب إلى الهيمنة على أي حكومة جديدة.
عودة إلى المربع الأول
في الوقائع حول أسباب تراجع أجواء التفاؤل، يقول العارفون بموقف الحريري إن لقاءه عون عصر الثلاثاء (22-12-2020) كان سلساً وأن الأخير أظهر تعاوناً، على الرغم من طرحه بعض الأسماء للتوزير التي لا تتناسب مع المهمة.
فبعد أن جرى تذليل عقدة مطالبة عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بالثلث المعطل في الحكومة للتحكم بقراراتها نتيجة رفض الحريري ذلك وإعلان البطريرك الراعي أن الثلث المعطل ليس دستورياً، عاد عون في لقائه الأخير إلى المطالبة بسبع وزراء أي الثلث زائداً في حكومة الـ18 وزيراً.
كما عاد إلى الإصرار على تسمية وزيري الداخلية والعدل اللذين يريدهما من حصته، فيما كان الحريري سمّى شخصيتين مستقلتين لهما. حاول عون اقتراح أسماء بديلة للحقيبتين وحقيبة الطاقة، فجاءت ممن يدورون في فلك باسيل و”التيار الحر”، وبعضها تعود إلى مستشارين لباسيل، أو معاونين من الدرجة الثالثة، مقابل المستقلين المشهود لهم بالاختصاص، الذين كان سماهم الرئيس المكلف في لائحة قدّمها إلى عون في 8 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
“وطاويط القصر”
يلخص بعض رموز تيار “المستقبل” النتيجة بالقول إن التأليف عاد إلى المربع الأول. ويشيرون إلى ما سبق لقاء الرئيسين بساعة من تسريبات مصدرها محيط الرئاسة عن أن لا حكومة لأن العوائق ما زالت قائمة. ولذلك ردت مصادر الحريري مساء الأربعاء بالقول إن “المعلومات التي سرّبت من القصر الرئاسي قبل زيارة الرئيس الحريري أشاعت مناخاً سلبياً عن نتائج الاجتماع قبل حصوله”.
ولاحظت أن “الأجواء الإيجابية التي عكسها الحريري كانت بطلب مباشر من الرئيس عون الذي تمنى عليه التصريح بوجود إيجابيات يتم العمل على استكمالها، غير أن وطاويط القصر تحركت ليلاً لتعكير الجو والإعداد لجولة جديدة من التعقيدات، على جري عادتها منذ التكليف”.
ونبّهت المصادر الرأي العام “من محاولات تزوير الحقائق التي يمارسها بعض المحيطين والمستشارين والمتخصصين في فتاوى التعطيل السياسي والدستوري.
وقالت إن الحريري “لم ولن يتراجع عن موقفه الذي أعلنه قبل التكليف وبعد التكليف بوجوب ولادة حكومة من الاختصاصيين تتصدى للإصلاحات في القطاعات كافة ووقف الانهيار الاقتصادي والمعيشي، وإن محاولة فرض حكومة تتسلل إليها التوجهات الحزبية لن يكتب لها النجاح مهما حاولوا إلى ذلك سبيلا”.
تدخل باسيل مجدداً وتراجع تياره مسيحياً
تردّ الأوساط المواكبة لجهود تذليل العقبات من أمام الحكومة تراجع عون عن الإيجابية التي ألحّ على الحريري إشاعتها، إلى تدخّل باسيل والمستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي، اللذين اجتمعا مع عون فور خروج الحريري من لقائه معه، وأعادا صياغة المطالب التي يطرب لها الرئيس، والتي يعرفان سلفاً أن الحريري سيرفضها في اجتماع اليوم التالي.
فباسيل يصرّ على تسمية وزراء يخضعون لتأثيره وتعليماته، لا سيما في الطاقة (التي دعمت باريس شخصية لبنانية موثوقة منها هي جو صدّي) والعدل، إذ تفتح ملفات قضائية في حق معارضي العهد، والداخلية إذ ينوي “التيار الحر” التخلص من بعض القادة الأمنيين، ومنهم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
ويرى أصحاب هذا التفسير لاستمرار العرقلة، أن عون وباسيل لا يهتمان للآثار السلبية لتأخير ولادة الحكومة في الوضعين المالي والاقتصادي بعد العقوبات الأميركية على الثاني، بقدر اهتمامهما برفع هذه العقوبات نظراً إلى الضرر الذي ألحقته به. فباسيل يعيش حالة عزلة بسببها، يتجنب عدد كبير من السياسيين لقاءه بعدما كان يفرض نفسه لاعباً رئيساً كونه الابن المدلل للرئيس والأكثر تأثيراً فيه والمرشح لخلافته في انتخابات 2022 الرئاسية، فضلاً عن أن المصارف التي يتعامل معها أخذت تضع حدوداً على حساباته المالية، خوفاً من أن تطالها العقوبات أيضاً.
ويؤدي تراجع شعبية “التيار الحر” على الصعيد المسيحي إلى ضعف هيمنة باسيل على أعضائه ونوابه، فتكثر أخبار الصالونات السياسية وحتى المواقف المعلنة عن تباين بين مجموعة منهم وبينه، لا سيما النواب آلان عون وابراهيم كنعان والياس بو صعب وغيرهم الذين يعتبرون أن تأخير الحكومة يضعف العهد وينشئ حالة شعبية ضده ويزيد النقمة المسيحية على “التيار” ككل.
تشمل الأجواء الضاغطة على عون وباسيل التباينات العلنية داخل عائلة عون نفسه، من جانب ابنتيه ميراي الهاشم، وكلودين روكز، زوجة النائب والعميد المتقاعد شامل روكز الذي جاهر بتمايزه عبر الإعلان عن إنشاء إطار تنظيمي هو “لقاء لبنان وطني”، ما زاد الشرخ العائلي الذي كان موجوداً أصلاً، جراء تفرّد باسيل بالقرار وبالتأثير في رئيس الجمهورية.
مقايضة الحكومة برفع العقوبات؟
تشير أوساط سياسية إلى أن هذه الأسباب كافة تدفع باسيل وعون إلى ربط تشكيل الحكومة بما ستؤول إليه العلاقات الأميركية الإيرانية بعد تسلم الرئيس جو بايدن مهماته في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، طالما أن سبب العقوبات ضده علاقته التحالفية مع “حزب الله”، لعل تحسّن علاقات واشنطن مع طهران تؤدي إلى رفع العقوبات عنه من ضمن صفقة تعدّل وضعيته الحالية.
مع استغراب الأوساط نفسها هذه المراهنات أو التكهنات حول الأسباب التي تقف وراء عرقلة قيام الحكومة، لأن لبنان برمّته ليس من اهتمامات بايدن، فكيف بباسيل، تدعو إلى عدم إضاعة البوصلة في فهم خلفيات التعطيل الحكومي.
“حزب الله” لا عون يعرقل الحكومة
بعض القيادات المسيحية التي تدور في فلك الكنيسة، والتي واكبت الضغوط التي مارسها البطريرك الراعي على عون ليسهّل ولادة الحكومة، تذكّر بما بات شائعاً منذ أسابيع عن أن “حزب الله” يقف وراء عرقلة التأليف، لحسابات إيرانية تشمل انتظار تسلم بايدن مهماته، إذ إن طهران تمسك بالوضع اللبناني المهدد بالانتقال إلى مرحلة حرجة، لمقايضة إرخاء قبضتها على السلطة فيه عند التفاوض مع الإدارة الديمقراطية في واشنطن على ملفها النووي وبرنامجها الصاروخي وتدخلاتها الإقليمية.
وفي اعتقاد هذه القيادات أن الضغط في الأوساط المسيحية ومن قبل البطريرك الراعي من أجل فك أسر الحكومة يرمي إلى إحداث توازن مع ضغوط “حزب الله” على الرئاسة كي يؤخر الحكومة، لعل ذلك ينفع في الإفراج عنها. ويذهب بعض هذه القيادات إلى حد القول إن عون يريد الحكومة لكنه أسير الحزب، فيما باسيل يتولّى إخراج أهداف الأخير.
المصدر : أندبندنت عربية