كريتر نت – العرب
اختتمت، مساء الأربعاء، فعاليات النسخة الحادية والثلاثين من مهرجان أيام قرطاج السينمائية، معلنة انتصار الفن السابع على الخوف الإنساني من فايروس كورونا المستجدّ الذي تسبب في شلل شبه كلي للحياة الثقافية محليا ودوليا.
نجح مهرجان أيام قرطاج السينمائية خلال دورته الحادية والثلاثين التي انتهت فعالياتها مساء الأربعاء، رغم البروتوكول الصحي المشدّد، في استقطاب الجمهور العريض، وضجّت أغلب القاعات السينمائية بعشاق الفن السابع، معلنة أحيانا عن تجاوزها نسبة 30 في المئة من طاقتها الاستيعابية، والتي تم تحديدها بسبب جائحة كورونا. وتقول إحصائيات دور السينما إن 17 ألف شخص واكبوا حوالي 120 فيلما محليا وأجنبيا على امتداد أيام المهرجان الستة.
وأعلن المدير العام لأيام قرطاج السينمائية رضا الباهي عن اختتام الدورة، قائلا “اجتهدنا وحاولنا تقديم دورة تليق باسم أيام قرطاج السينمائية، كنا في حاجة إلى أوكسجين السينما، نشكر الجمهور لأنه واكب العروض دون خوف وكان واعيا واحترم كل إجراءات البروتوكول الصحي”. وأضاف الباهي أنّ الدورة القادمة ستكون من 30 أكتوبر إلى 6 نوفمبر 2021.
أنماط فنية مختلفة
وغاب التانيت عن حفل الاختتام هذا العام، وهو جائزة المهرجان التي تعوّد المخرجون التنافس على نيلها، وتتوزّع عادة بين تانيت برونزي وآخر فضي وتانيت ذهبي ضمن فئات مختلفة من الأفلام الروائية والوثائقية، الطويلة والقصيرة.
وجمع حفل الاختتام أنماطا فنية مختلفة، لسدّ فجوة الجوائز، فقدّم عرضا مسرحيا غنائيا بعنوان “صندوق الضوء”، قاده عازف الكمان التونسي زياد الزواري ومن إخراج الشاذلي العرفاوي، تمازجت فيه الموسيقى والرقص والغناء الأوبرالي وفن “السلام”.
وقدّم “صندوق الضوء” لمحة عن أبرز الأفلام التي صنعت تاريخ المهرجان، وتركت أثرا عميقا لدى الجمهور.
ومن أبرز تلك الأفلام فيلم “العصفور” للمخرج المصري يوسف شاهين، إنتاج عام 1972، وفيلم “وغدا” للمخرج التونسي إبراهيم باباي، من إنتاج عام 1971.
ولأن الموسيقى عنوان أزلي للحب قدّمت أيام قرطاج السينمائية لمحبيها أغنية خاصة بالمهرجان بعنوان “أنت الحلمة” للفنانة روضة عبدالله، وهي من تلحين منى شطورو وتوزيع رياض العبيدي.
وودّع الجمهور الدورة الحادية والثلاثين بمتابعة الفيلم الكوميدي “بلبل” للمخرجة خديجة المكشر، بطولة فاطمة بن سعيدان وفتحي العكاري والشاذلي العرفاوي.
وبلبل هي امرأة خمسينية، زوجها سكير يخرج كل مساء ليعود أعقاب الليل، فتجلس وحيدة على شرفة عمارة مهترئة فعل بها الزمان ما فعله بالمرأة التي خطّ ثناياه على وجهها الشاحب مع بداية الفيلم.
تجلس بلبل على الشرفة تنتظر حلول الليل، وفي الأثناء ترى حفل زفاف بقاعة الأفراح المقابلة لشرفتها، فتقرّر الذهاب إلى العرس وكأنها واحدة من المدعوات لتطرد شبح الوحدة التي تعيش فيها.
تزيّنت وخرجت، واقتحمت قاعة الأفراح وأطلقت زغرودة من أعماقها. رقصت وغنّت مع العروسين وذويهما وكأنها تعرفهم منذ سنوات، ثم جلست لتأخذ قسطا من الراحة وما تيسّر من الحلويات التي تخبئها في حقيبتها.
انتهى الحفل وعادت بلبل إلى منزلها، لقد تحرّرت من الوحدة التي كانت تعانيها كل ليلة، فرحت بهذا التغيير ونثرت السعادة على من حولها، خاصة زوجها الذي قدّمت له الحلويات التي اختلستها من الحفل.. في انتظار زفاف قادم.
ومن ليلتها باتت بلبل تحضر العديد من حفلات الزفاف، كان من بينها زواج لأناس متشدّدين دينيا، وآخر لمجرمين لاحقهم رجال الأمن إلى مقرّ الحفل، وهذا التنوّع سعت المخرجة من خلاله لأن تبرز أن المجتمع التونسي متقبل للآخر ومنفتح، فرغم أن بلبل لم تتغيّر مع تغيّر تقاليد وعادات العرسان وذويهم، إلاّ أنها اندمجت معهم وكانت محل ترحاب وتقبل منهم.
واختارت الدورة الاستثنائية لهذا العام أن تقف وقفة تأمل لمسيرة المهرجان الطويلة، فبعد أن تأسّس عام 1966 بإشراف من السينمائي الراحل الطاهر شريعة، ليقام كل عامين بالتداول مع أيام قرطاج المسرحية، أصبح في العام 2014 مهرجانا سنويا، إلى أن حلّ كورونا فجعل منه مهرجانا بلا جوائز وأوشك أن يلغى.
وقال المدير الفني للمهرجان، إبراهيم اللطيف، في حفل الاختتام “ليس أفضل من فترة الإغلاق للتفكير في من صنعوا تاريخ السينما، واستحضار أفلامهم الفائزة في الدورات الثلاثين السابقة، وعرضها، وليس أفضل من هذا الوقت لتكريم التقنيين الذين سرقتهم المنية فجأة، لكنهم ساهموا من وراء الكواليس في إنتاج أعمال سينمائية راسخة في بوابة السينما التونسية والعربية والعالمية”.
ومن هناك كرّم المهرجان في دورته المنتهية كلا من لطفي سيالة وفوزي ثابت ومصطفى نقبو وحسين الصوفي والشريف بوسنينة ومحمد علي الشريف، الذين غيبهم الموت في العام 2020، وهم مجموعة من تقنيي السينما ونقادها والعاملين في المجال السينمائي بكل تفرعاته السمعية البصرية.
وإلى جانب فعالياته المعتادة، عقد المهرجان هذه السنة منتدى “أيام قرطاج السينمائية: الماضي، الحاضر والمستقبل”، الذي جاء نتاجا لورشات تفكير وعمل انتظمت على امتداد أربعة أشهر، وخرج بمجموعة من التوصيات التي سيعمل عليها المهرجان إلى غاية العام 2023 ضمن سبعة محاور كبرى، وهي: تأسيس مجلس أعلى لأيام قرطاج السينمائية بداية من مارس 2021، وبعث أربع مصالح تقنية تعمل على تجميع وحفظ الذاكرة السينمائية التونسية وأرشفة الصور الفوتوغرافية التي تجاوز عددها ثمانية آلاف صورة، بدءا من مايو 2021.
وحدّدت بداية العام 2022 لتقييم الندوات التي أنجزت في العام 2021، وتقييم أشغال المجلس الأعلى لأيام قرطاج السينمائية. أما في مارس 2022 فستعاد هيكلة فريق عمل أيام قرطاج السينمائية بما يتماشى مع مستقبل المشهد السينمائي المحلي والعربي والعالمي.
وفي أبريل 2022 ستعاد دراسة ميزانية المهرجان للبحث عن سبل جديدة للتمويل وضمان ديمومته، فيما ستقيم اجتماعات شهر فبراير 2023 منجزات العامين السابقين ليعيد المهرجان بدءا من العام 2023 دراسة إطاره القانوني.