إنه لمن الحماقة أن تحذو الأمم المكونة للمملكة المتحدة حذو ويستمنستر
كتب : غابرييل سكالي
لم يستغرب كثيرون تخلي الحكومة عن ترتيباتها لعيد الميلاد، تلك التي دافعت عنها بشراسة وكثر الكلام حولها وشملت رفع القيود المفروضة على الاختلاط الاجتماعي. فقد كان من الضروري التوقف عند ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة الأميركية بعد احتفالات عيد الشكر، وعند الاستجابة المحدودة جداً إزاء الحالات الناشئة عن القيود التي فرضت على مستوى الأمة في نوفمبر (تشرين الثاني).
وكانت أصوات كثيرة قد علت، احتجاجاً على قرار رفع القيود الوقائية لمدة خمسة أيام في فترة عيد الميلاد، وفي طليعة هذه الأصوات المجموعة الاستشارية المستقلة المعروفة بـ “اندبندنت سيج” Independent Sage التي اعتبرت أن ارتياء الحكومة السماح للأفراد بالتخفيف من حذرهم وللأسر وأصحاب الأعمار المختلفة في التخالط خلال عيد الميلاد ليس في محله، حيث قد يحتم، بحسب “هيئة الصحة العامة في إنجلترا”، اللجوء إلى إجراءات صارمة على مدى 25 يوماً للتعويض عن أيام التراخي الخمس.
وكان من المفترض، أن تكتفي الأعداد المتزايدة من الحالات وحدها، لفرض إعادة تفكير جدية في ترتيبات العيد قبل أسابيع قليلة. لكن هذا لم يحصل وتأخرت الحكومة كعادتها في اتخاذ القرار السريع والصائب، سواء في ما يتعلق باتفاق بريكست أو استجابة لكورونا. ومن هنا، يمكن القول إن التأخر والتردد في التحرك لمكافحة فيروس مهلك وشديد العدوى هو أكبر تهديد للصحة– أكبر حتى من تهديد الفيروس نفسه.
ومما يبعث على الدهشة أن مات هانكوك (وزير الصحة) أعلن عن تحديد سلالة جديدة لفيروس كورونا في تصريحٍ له أمام مجلس العموم، مخالفاً بذلك الطريقة المعتمدة عادةً للإبلاغ عن معلومات علمية من هذا القبيل. وقد تزامن تصريح هانكوك مع إصرار الحكومة على الإعلان عن حالة التراخي في فترة عيد الميلاد، وهذا مؤشر آخر عن تراجع جديد للحكومة عن قراراتها.
ليس هناك أي شيء جديد في تحديد متغيرات فيروس سارس-كوف-2. فالمعروف عن هذه السلالة الجديدة أنها جزء لا يتجزأ من التطور الطبيعي لأي كائن عدائي ومسبب للمرض؛ وما المتغير الذي اكتُشف في بريطانيا حديثاً سوى نسخة عن المتغير الذي ظهر في إسبانيا خلال فصل الصيف وتحول سريعاً إلى سلالة مهيمنة في العديد من الدول، ليُعزا ظهوره في وقت لاحق إلى عدم وجود ضوابط لاحتواء الوباء، وليس إلى الزيادة الملازمة لقابلية انتقاله.
ومن السابق لأوانه حسم الأسباب الكامنة وراء ظهور المتغير الجديد في جنوب إنجلترا. والأرجح أن يكون من الصعب إصدار حكم نهائي في هذه المسألة مع استمرار تفشي كورونا في أنحاء المملكة المتحدة، من دون انقطاع تقريباً، منذ بداية سبتمبر (أيلول). وما يجعل أي تغيير في قابلية انتقال العدوى المستجدة أو حدتها خطيراً للغاية، هو مستوى التحكم المتدني الحالي بالفيروس في المملكة المتحدة عموماً، وإنجلترا خصوصاً. أما بالنسبة لويلز وإيرلندا الشمالية، فقد شهدتا مستويات استثنائية من الإصابات، وقد سبق وأعلنتا عن نيتهما فرض إجراءاتٍ صارمة ما بعد عيد الميلاد.
ولحد الآن، لم يُولَ إلا القليل من الاهتمام لنجاح جمهورية إيرلندا في تفادي موجةٍ ثانية قوية من كوفيد-19. فجودة القيادة التي أظهرتها هذه الدولة على صعيدي السياسة والصحة العامة، تشكل تناقضاً تاماً مع ضعف القيادة في إيرلندا الشمالية، حيث أدت النزاعات السياسية الداخلية وضعف نظام تتبع (الأشخاص المصابين بكورونا) إلى موجةٍ ثانية من حالات الإصابة وارتفاع عدد المرضي في المستشفيات. وقد تكون حدة هذه الموجة أكبر من تلك التي سبقتها. فحماقة الاقتداء عن قرب بنموذج ويستمنستر (الحي الحكومي في لندن في إشارة إلى الحكومة) في هذه الظروف، لم تكن أبداً أكثر وضوحاً.
وفي ظل استفحال كوفيد-19، نرى أنه على مجتمعات المملكة المتحدة التي تعاني الأكثر من الحرمان، أن تتوقع الأسوأ. وعلى الرغم من اتضاح هذا الأمر منذ بداية الجائحة، لم تحظَ السلطات المحلية في إنجلترا بالموارد اللازمة لمواجهة الجائحة؛ وهي لا تزال حتى الآن غير قادرة على القيام باستجابة فعالة أو تطبيق إجراءات وقائية ملائمة. وفي غياب نظامٍ فعال للبحث والاختبار والتتبع والعزل والدعم، تجد المجتمعات المحلية، بما فيها من مدارس وأماكن عمل، نفسها معرضة بدرجةٍ غير عادية للوباء الذي ينتشر بصورةٍ لا هوادة فيها.
وبالنظر إلى الارتفاع المهول في معدل وفيات كورونا في المملكة المتحدة وعدم التدخل بفعالية لمواجهته، سيكون على الحكومة أن تقوم بنقلة إستراتيجية نوعية من أجل التصدي للأزمة الصحية المتفاقمة باطراد. نعم، نحن في ويستمنستر بحاجة ماسة لحكومة تُحقق لنا هذه النقلة وتضع حداً لسياساتها الفاشلة إلى ما لا نهاية.
(البروفيسور غابرييل سكالي عضو المجموعة الاستشارية المستقلة “اندبندنت سيج” Independent Sage .