كريتر نت – العرب
تغير المناخ هو التحدي الأكبر في عصرنا؛ من ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير أنماط الطقس، بعد أن أصبحت آثار تغيّر المناخ محسوسة، وبات على العالم أن يكثف جهوده في مواجهة هذا التحدي إن أراد أن ينجو. وهذا ما تقوم به شركات خاصة وجهات حكومية وأحيانا أفراد. في ما يلي مجموعة من الابتكارات المستدامة التي قد تساهم في إحداث هذا التغير وتنقذ العالم.
لندن – لا تقتصر الأضرار الناجمة عن تغير المناخ على تبدل الطقس وما يتبعه من ظواهر مثل التصحر أو تآكل السواحل والفيضانات.
المخاطر الصحية هي في الحقيقة أكبر التهديدات التي تواجه البشرية نتيجة لهذه التغيرات، بدءا من الأمراض المعدية والأمراض المزمنة، وصولا إلى الصحة النفسية. هذا بالطبع إلى جانب الإصابات الناتجة عن الكوارث الطبيعية وما تتسبب فيه من وفيات.
هناك توقعات ترجّح ارتفاع أعداد الوفيات السنوية المرتبطة بارتفاع الحرارة تسعة أضعاف في الولايات المتحدة، من حوالي 12 ألفا الآن إلى أكثر من مئة ألف بحلول عام 2100.
وقد يتعرض حوالي 26 مليون شخص في الفلبين وإندونيسيا وماليزيا للإصابات جراء العواصف بحلول عام 2045، حيث يضعف اختفاء الشّعاب المرجانية الدفاع الطبيعي للسواحل فتتعرض للتآكل، وبالتالي تزداد الآثار المترتبة على العواصف والفيضانات سوءا في المناطق الساحلية المنخفضة.
ويعتقد الخبراء أن التبدلات في المناخ ستزيد من انتشار الأمراض المعدية أو قد يعاود بعضها الظهور؛ هناك احتمال كبير لعودة حمى الضنك إلى جنوب شرق الولايات المتحدة بحلول عام 2050، حيث ينتشر البعوض في تلك المناطق آتيا من المناطق الاستوائية.
والخطر الأكبر أن تؤدي موجات الحرارة في القطب الشمالي إلى إذابة الغطاء الجليدي الدائم، وهذا قد يحيي مسببات الأمراض الخاملة لفترة طويلة، مثل البكتيريا والفايروسات التي تسبب الجمرة الخبيثة أو الجدري أو جائحة الأنفلونزا التي اجتاحت العالم عام 1918.
مخاطر المناخ لن تقتصر على الأضرار الصحية الجسدية بل سيشهد العالم ارتفاعا في حدة الأمراض العقلية
وهناك أكثر من سبب للتخوف من انتشار الأمراض المزمنة بسبب مواسم الحرائق الأطول والأكثر خطورة التي ستعرض الناس لمخاطر استنشاق الدخان المنبعث عنها؛ وأثرت حرائق الغابات في الصيف الأسود لعام 2019 على 80 في المئة من سكان أستراليا، وقد يواجه الناجون مخاطر متزايدة للإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي والقلب. وشكلت التكاليف الصحية أكثر من نصف التكلفة الإجمالية للحرائق.
ولن تقتصر المخاطر على الأضرار الصحية الجسدية، بل سيشهد العالم ارتفاعا في حدة الأمراض العقلية. وهناك أمثلة حية على ذلك، حيث أُجبر سكان بعض المناطق في جزر المحيط الهادئ على النزوح القسري مع ارتفاع منسوب مياه البحر، وهو ما حدث أيضا بين المهاجرين من أميركا الوسطى الفارين من الجفاف والجوع والفقر.
وقد أظهر أكثر من نصف النازحين عن ديارهم علامات تدل على اعتلال الصحة العقلية – أكثر من ضعف المعدل عالميا في نفس الفترة – وهو ما يمثل سيناريو يمكن التنبؤ بحدوثه مستقبلا في أماكن أخرى من العالم.
لم يكن هناك حافز من أجل تطوير منتجات وتقنيات مستدامة أكثر مما هو عليه الحال اليوم. لقد وصلنا إلى نقطة حرجة في مواجهة التغيرات المناخية، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى البحث عن حلول ومنتجات تقنية مستدامة، وهو ما يقوم به العديد من المبتكرين والشركات، بهدف الوصول إلى مستقبل أكثر خضرة.
في ما يلي بعض الأمثلة الرائعة لابتكارات واختراعات مستدامة يمكن أن تساهم في تغيير مصير العالم، وتمهد الطريق لأسلوب حياة أكثر استدامة.
عالم خال من الهباب
يتيح هذا الابتكار تحويل المواد الملوثة للهواء إلى مجوهرات. الشخص الذي يقف خلف هذا الابتكار هو دان روسغارد، الذي قام بتصميم “مكنسة كهربائية” لجمع الهباب. الاختراع عبارة عن برج بارتفاع 7 أمتار يقوم بامتصاص الهواء الملوث، وينظفه من خلال عملية تأيّن، قبل أن يطلقه إلى الفضاء مرة أخرى.
ويستطيع البرج في ذروة أدائه أن ينظف 30 ألف متر مكعب من الهواء في الساعة. ولا يتوقف الأمر عند تنظيف الهواء، بل يمكنك أن تتزين بحلي مصنوعة من جزيئات هباب الدخان المضغوط التي تم جمعها في البرج. وبشرائك قطعة صغيرة من هذه الحلي تكون قد ساهمت، دون أن تدري، بتنظيف ألف متر مربع من الهواء.
حظي المشروع باهتمام كبير منذ اللحظة الأولى للإطلاق، حيث فاز بعدة جوائز على المستوى العالمي، وسارعت دول مثل كوريا الجنوبية والصين وهولندا والمكسيك وبولندا لبناء أبراج مماثلة.
الأبنية الخضراء
مبادرة المباني الخضراء (GBI) هي جهد دولي لإنشاء مبان مستدامة ذات كفاءة في استخدام الموارد. وتوفر المبادرة برنامج شهادة للمباني التجارية التي تلتزم برؤيتها الصديقة للبيئة. والهدف وضع معيار لأفضل الممارسات لتلك المباني على المستوى العالمي، بالإضافة إلى توفير أدوات لتقييم متطلبات الاستدامة من قبل طرف ثالث.
نحل آلي
مشروع “بي – درويد” هو واحد من عدة جهود حاول القائمون عليها حل مشكلة تناقص أعداد النحل بابتكار نحل آلي يمكنه تلقيح المحاصيل بشكل فعال لا يقل كفاءة عن النحل الطبيعي.
يهدف القائمون على الابتكار إلى المساعدة في تعزيز أعداد النحل الطبيعي من خلال إعطاء مهام تلقيح منخفضة الكلفة وعالية الأداء للنحل الآلي. ويتكون المشروع، الذي قام بابتكاره باحثون في جامعة وارسو، من منصة لإدارة أسراب من روبوتات النحل المستقلة وشبه المستقلة، قادرة على تحديد المحاصيل وتلقيحها بشكل فعال.
نباتات وسط الصحراء
ابتكار من تصميم تاجر الزهور الهولندي بيتر هوف، أطلق عليه اسم “غروسيس ووتربوكس”، يمكن بواسطته زراعة المحاصيل وسط الصحراء وبكفاءة عالية، ويتألف من “دلو ذكي” مصنوع من ورق معاد تدويره، يمكنه إنبات البذور واحتضان الشتلات والنباتات، يتطلب 10 في المئة فقط من الماء الذي يحتاج إليه استنبات نفس النباتات في الظروف التقليدية، ويمكن الاستفادة من تطبيق هذه التقنية في أكثر المناخات جفافا وقسوة على الأرض.
بلاستيك مستدام
تم تطوير الابتكار من قبل شركة “نيولايت تكنولوجي” التي سبق لها أن فازت بالعديد من الجوائز لابتكارات مستدامة. استطاعت الشركة أن تصنع البلاستيك من انبعاثات الكربون في الهواء، والاستفادة منه في استخدامات عديدة.
واتصفت جميع مراحل التصنيع بمراعاتها للبيئة والتأكد من الحفاظ على مبدأ الاستدامة. وذلك على العكس من البلاستيك المصنع من اللدائن. وأهم ما في الابتكار أن كلفة التصنيع لا تتجاوز كلفة البلاستيك التقليدي.
زجاج شمسي
قد يغطي الزجاج الشمسي منزلك في المستقبل القريب ويغير طريقة إنشاء المنازل والمباني التجارية. ويعمل باحثون في جامعة ميشيغان على تطوير هذا النوع من الزجاج، وهو مشروع هندسي مستدام أحدث الكثير من الضجة في السنوات الأخيرة.
تمامًا كما يوحي الاسم، سيكون الزجاج الشمسي قادرًا على التقاط وتخزين الطاقة الشمسية. وفقًا لفريق البحث، توجد في الولايات المتحدة 5 إلى 7 مليارات متر مربع من مساحة النوافذ القابلة للاستخدام، وهي كافية لتزويد 40 في المئة من احتياجات الطاقة الأميركية، وذلك باستخدام الزجاج الشمسي وحده.
تنظيف مياه البحر
عاشقا تزلج على الأمواج، هما أندرو تورتون وبيتي سيغلنسكي، ابتكرا صناديق قمامة “سي بين” أرادا تنظيف مياه البحر بواسطتها وتخليصه من المواد البلاستيكية والزيوت المتسربة من السفن، وتعيد هذه الصناديق تدفق المياه النظيفة إلى الخارج.
الصناديق مزودة بأكياس تلتقط الملوثات العائمة، بينما تقوم مضخة بامتصاص الماء عبر حاويات، وتمررها مرة أخرى بعد تنقيتها. وتحتاج هذه الصناديق إلى تفريغها مرة واحدة في الشهر، ويتوقع أن يكون لها تأثير كبير على مكافحة تلوث المياه في المنتجعات السياحية وفي الموانئ.
ويعتبر الابتكار نموذجا للهندسة المستدامة المرشحة للفوز.
أقمشة من تفل القهوة
ابتكرت شركة “إس كافيه” طريقة لتحويل القهوة المطحونة إلى منسوجات يمكن ارتداؤها، وهي أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأسرع في الإنتاج من الألياف الطبيعية التقليدية.
وتجف خيوط هذه الأقمشة الحاصلة على براءة اختراع أسرع بنسبة 200 في المئة من القطن، ويمكن إنتاجها بدرجات حرارة منخفضة وطاقة قليلة. إضافة إلى ذلك، تمتص خيوط النسيج الروائح بشكل طبيعي وتعكس الأشعة فوق البنفسجية، وذلك بفضل المسام الدقيقة التي يتميز بها النسيج.
عبوات نباتية
نجحت شركة تغليف وتعبئة في صنع قوارير نباتية من بلاستيك حيوي طبيعي بالكامل يمكن أن يكون بديلا للقوارير والعبوات البلاستيكية ويقدم حلا جذريا لمشكلة تلوث البيئة بالمواد البلاستيكية.
كل شيء في العبوات نباتي، من الغطاء إلى الغلاف، ومصنوع من مواد قابلة للتحلل بنسبة 100 في المئة. وقد استخدم المصنعون في ذلك مستخلصات قصب السكر.
ويتطلب قصب السكر كمية مياه أقل بكثير من المحاصيل الأخرى، كما أن تصنيع العبوة نفسها يستخدم طاقة أقل من التصنيع التقليدي.
صائد الغيوم
من الابتكارات الناجحة التي حصلت على الكثير من الإطراء تحويل الضباب إلى مياه شرب، حيث نجحت شركة “أكوالونيس” بتصميم ما أطلقت عليه اسم “صائد الغيوم”.
ويتيح الابتكار للأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية أو الجبلية بتحويل الضباب إلى مياه شرب آمنة. ويمكن أيضًا استخدام هذه المياه لري المحاصيل أو لتوسيع عمليات تشجير الغابات.
التصميم مصنوع من شبكة ثلاثية الأبعاد يمكنها تحمل سرعات الرياح العالية، مع الاحتفاظ بالمياه. وهو مطروح بأحجام متنوعة لتناسب الاحتياجات الفردية أو احتياجات قرية بأكملها.
ويأمل القائمون عليه وأنصار البيئة أن يعم استخدام الابتكار في جميع أنحاء العالم.
هذه قائمة مختصرة من بين العشرات من الابتكارات التي تتنافس على تقديم حلول لمشكلة التغيرات المناخية قبل أن يفقد العالم سيطرته عليها إلى الأبد.