كريتر نت – العرب
تسعى قطر إلى ربح مكاسب إضافية من المصالحة من خلال إشراك حليفتها تركيا في المزايا التي ستوفرها هذه المصالحة، وهذا لا يتأتّى إلا من خلال “وساطة” لتسوية مخلفات الخلاف مع السعودية، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام عودة التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو ما تهدف إليه أنقرة.
وقالت أوساط خليجية إن عرض قطر القيام بوساطة بين تركيا والسعودية يهدف إلى إظهار أن الدوحة قد خرجت أكبر مستفيد من المصالحة، وأنها تريد أيضا أن تمكن أنقرة، كأحد أهم شركائها، من المكاسب التي حصلت عليها في قمة العلا، وهي مكاسب لم تكن لتتحقق لولا الدعم التركي.
وأعرب مطلق القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، عن استعداد بلاده للوساطة بين تركيا والسعودية وكذلك بين الأخيرة وإيران.
جاء ذلك خلال ندوة بعنوان “سياسة وتجربة دولة قطر في الوساطة وحل النزاعات”، نظمها معهد الدوحة للدراسات العليا (غير حكومي)، وفق مراسل وكالة الأناضول الرسمية التركية.
وردا على سؤال بشأن استعداد قطر للوساطة وتهدئة التوترات بين تركيا والسعودية وبين السعودية وإيران، أجاب القحطاني “هذا يرجع إلى مبدأ الموافقة كمبدأ أساسي في العلاقات الدولية”.
وأضاف “إذا رأت هاتان الدولتان أن يكون لدولة قطر دور في هذه الوساطة، ففي الإمكان القيام بهذا”.
مطلق القحطاني: إذا رأت السعودية وتركيا أن يكون لقطر دور في الوساطة، فسنقوم به
وتابع “من مصلحة الجميع أن تكون هناك علاقات ودية بين هذه الدول، خاصة بين دول أساسية ورئيسية، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران”.
ولئن كان من الصعب أن تفكر السعودية في تهدئة شاملة مع إيران لاعتبارات مختلفة فإن التقارب مع تركيا يمكن أن يتم، لكن على أي أساس؟ وهل ستفضي المصالحة بين أنقرة والرياض إلى حل المسائل الخلافية الحقيقية بينهما، بعيدا عن خطاب الدبلوماسية الذي يعتمد على المجاملة؟
ويقول متابعون للشأن الخليجي إن المصالحة بين الرياض وأنقرة لا تحتاج إلى وساطة من الدوحة، مشيرين إلى أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز سبق أن فتح الباب أمام التهدئة والحوار خلال اتصال أجراه عشية قمة العشرين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
واتفق أردوغان والملك سلمان على “إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتحسين العلاقات الثنائية والتغلب على المشكلات”، وفق ما نقله بيان للرئاسة التركية آنذاك.
ويرى هؤلاء المتابعون أن باب التهدئة ظل مواربا، ولم تشهد العلاقات بين البلدين أي تبادل للزيارات واللقاءات الرسمية، وأن كلا منهما ينتظر خطوة لبناء الثقة من الطرف الآخر، خاصة من جانب السعودية التي لا تستطيع أن تقفز على مخلفات قضية الصحافي جمال خاشقجي وحملات الإساءة التركية ضد السعودية، لافتين إلى أنه حتى لو قبلت الرياض بالتجاوز ونسيان الأمر فإن الشارع السعودي لا ينسى بسرعة تلك الحملات.
وكان السعوديون قد بادروا إلى تنظيم مقاطعة تلقائية على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تحولت إلى أمر واقع من خلال حث مسؤولين محليين في قطاعات التجارة والصناعة المواطنين على مقاطعة المنتجات الوافدة من تركيا أو التي تحمل علامة تثبت أنها صُنعت في تركيا، وهو أمر أزعج رجال الأعمال في تركيا.
وينظر المسؤولون الأتراك إلى السعودية على أنها جهة مالية واستثمارية كبرى تساعد على إخراج اقتصادهم من أزمته. في المقابل ينظر السعوديون إلى العلاقة مع أنقرة على أساس التكافؤ، أي القوة الاقتصادية والمالية مقابل المواقف، وهو ما لم يلتزم به الأتراك الذين عملوا على الوقوف ضد السعودية في ملفات كثيرة مثل الموقف من إيران واليمن، وخاصة مساعي أنقرة لإقامة تحالف إسلامي منافس للرياض من خلال قمة كوالالمبور.
وفي مقابل الخطاب العدائي الصادر عن أردوغان والإعلام التركي، ظلت الرياض تتعامل بهدوء مع هذا العداء وفق سياسة سعودية تاريخية تترفع عن المعارك الصغيرة.
وقبل الأزمة الأخيرة، جعل السعوديون تركيا وجهةً سياحية مفضلة، كما كانوا في طليعة حمْلة شراء العقارات التركية، وهو ما يسلّط الضوء على حاجة الأتراك إلى عودة سعودية عاجلة لإخراج اقتصادهم من حالة الركود.
ويطلق مسؤولون خليجيون مؤشرات على استعدادهم للتعاون مع تركيا وتسهيل عودة نسق التبادل التجاري مقابل إظهار أنقرة رغبتها في تعاون متين وتبديد مخاوف الخليجيين في ملفات سياسية إقليمية مثل ليبيا. لكن يبقى الأهم مراجعة أنقرة موقفها من جماعة الإخوان المسلمين الذين نقلوا جزءا كبيرا من أنشطتهم الحزبية والإعلامية ولقاءاتهم إلى إسطنبول.
ويقول مراقبون إن موضوع الإخوان المسلمين سيكون الاختبار الحقيقي لرغبة تركيا في دخول دائرة المصالحة، وهو عنصر رئيسي لدى الدول المعنية بالمصالحة (السعودية ومصر والإمارات)، مشيرين إلى أن الإشارات الإيجابية الخليجية والمصرية لا تعني إلغاء أسباب الخلاف مع تركيا دون ضمانات تركية واضحة.