خالد هدوي
أثارت تصريحات لوّح فيها رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني، الأربعاء، باللجوء إلى “أبناء الحركة” لمواجهة الاحتجاجات الآخذة في التوسع والانتشار، ردود فعل غاضبة لدى السياسيين واتهامات للحركة ذات الخلفية الإخوانية بأنها لم تغادر بعد مربع ثقافة الدولة الموازية والجهاز السري (الأمني والعسكري) واللجوء إلى الميليشيات لفرض سيطرتها على البلاد بعد فشلها في الحكم طيلة عشر سنوات.
وقال الهاروني، وهو من الموالين لرئيس الحركة راشد الغنوشي، إن “أبناء النهضة سيكونون في الميدان لحماية أمن التونسيين وممتلكاتهم الخاصة والعامة وحقوقهم ومعالجة المطالب المشروعة ومساندة القوات الأمنية في التصدّي للمخربين”.
حاتم المليكي: النهضة تتصرف بمنطق الجماعة والجهاز السري والميليشيات
وتابع رئيس شورى النهضة “قمنا بتوجيه الدعوة لمناضلينا ومناضلاتنا لحماية دولتهم وإعانة شعبهم حتى لا يتركوا الغاضبين يخرّبون ما بناه الشعب التونسي ودولتهم الشرعية”، مشددا على أن “دعاة الانفجار، والثورة الثانية، وثورة الجياع لم ينجحوا في ذلك”.
وطالبت شخصيات سياسية وحقوقية وإعلامية الجهات الرسمية (رئيس الحكومة، ووزير الداخلية، ورئيس الجمهورية) بالتحرك السريع لإعلان رفض هذه التصريحات التي تتنافى مع القانون والدستور وتهدد وحدة المؤسسات.
واعتبر النائب بالبرلمان حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب” أن “موقف الهاروني مخالف للدستور والقانون، والتصريح يوضّح أن النهضة ما زالت تتصرف بمنطق الجماعة والجهاز السري ومواجهة المجتمع بالميليشيات”.
وطالب المليكي رئاسة الحكومة والبرلمان بالتنديد بهذا الموقف الذي يهدد أمن التونسيين واستقرارهم، محذرا من أنه إذا “تحركت ميليشيات النهضة فستكون هناك تداعيات خطيرة، وحينها يجب تدخّل الجيش التونسي”.
وسعى القيادي في الحركة محمد القوماني إلى تطويق تأثيرات تصريح الهاروني، إلا أنه سقط في نفس المطبّ، حين قال إن “على القوى المدنية دعم قوات الأمن”، وإن “حركة النهضة موجودة في كامل البلاد، ومن واجب شباب الحركة حماية الممتلكات الخاصة والعامة والمساعدة بما يقدرون”.
ويقول معارضون للنهضة إن هذه التصريحات تكشف عن حقيقة الإسلاميين وثقافتهم المعادية للدولة المدنية ومؤسساتها، وخاصة المؤسسة الأمنية والجيش، وهما المؤسستان اللتان تثيران مخاوف هؤلاء باعتبارهما “غير مضمونتين”، أي لا يمكن التأثير فيهما واختراقهما وتطويعهما لخدمة أجندات الحركة الإسلامية.
ويشير هؤلاء إلى أن تجارب الإسلاميين العرب تظهر كيف أن بعض الفصائل والمجموعات تسعى لخلق أجهزة أمنية وعسكرية موازية لتنفيذ خططها، وهو ما يهدد بصراع دموي مع المؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية، وقد حصل هذا في أكثر من دولة خاصة في مصر وسوريا.
سعيدة قراش: الدولة هي من تحمي التونسيين لا ميليشيات الأحزاب وروابطها
وعلّقت سعيدة قراش المستشارة السابقة للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي على تصريح الهاروني، مؤكدة أن “الدولة هي من تحمي التونسيين لا ميليشيات الأحزاب وروابطها”.
وتكشف تصريحات الهاروني وجود قلق كبير لدى حركة النهضة من الاحتجاجات الشبابية الآخذة في الانتشار، والتي يرفع البعض منها شعارات ضد النهضة كطرف رئيسي في الحكومة، وضد قيادات من الحركة، وخاصة رئيسها الغنوشي الذي يصفه بعض المحتجين بأنه الحاكم الفعلي للبلاد، وأن عليه تحمل مسؤولية فشل منظومة الحكم.
ويرى محتجون أن التلويح بالنزول إلى الشارع ليس هدفه الدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة، كما جاء في تصريح الهاروني، ولكنه يخفي مخاوف من تحول الاحتجاجات إلى ثورة تطيح بالحكومة والبرلمان، ما يقود النهضة إلى خسارة سيطرتها على الدولة من بوابة نظام حكم هجين فشل في أن يجلب أيّ مكاسب للتونسيين.
نبيل الرابحي: موقف الهاروني يدل على انهيار منظومة الحكم وتخبط النهضة
وكشفت منظمات غير حكومية تونسية، الخميس، أن قوات الأمن أوقفت ألف شخص خلال الاضطرابات الليلية التي جدت في البلاد في الأيام الأخيرة.
واعتبر المحلل السياسي نبيل الرابحي “أن موقف الهاروني يدل على انهيار منظومة الحكم الحالية وتخبط النهضة”، مشددا على أن الحركة الإسلامية إن غامرت وأخرجت ميليشياتها إلى الشارع فستكون قد دقت آخر مسمار في نعش السلطة التي تسيطر عليها”.
وأضاف الرابحي، في تصريح لـ”العرب”، أن النهضة، وهي تلوّح باللجوء إلى الميليشيات، تريد أن تدافع عن نفوذها في السلطة، خصوصا بعد تراجع عدد ناخبيها من مليون إلى 600 ألف ناخب في الانتخابات الأخيرة، وأن “المسألة وجودية بالأساس”.
ولا يخفى على المراقبين الارتباك الذي خلّفته الاحتجاجات لدى الأحزاب الداعمة للحكومة ولرئيسها هشام المشيشي، الذي اكتفى في آخر ظهور إعلامي له بتأكيد تفهّمه لمطالب المحتجّين دون تقديم وعود واضحة لتحقيق تلك المطالب.
وينظر بعض ممثّلي تلك الأحزاب إلى الاحتجاجات ضمن أفق نظرية المؤامرة، ما يعني تشجيع التعاطي الأمني لحل الأزمة وتحميل المؤسسة الأمنية مسؤولية المواجهة بدل البحث عن حلول سياسية.
وقال بسام الطريفي، ممثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الخميس، إن “هناك ألف موقوف بطريقة عشوائية”.
وتابع في مؤتمر صحافي نظمته نحو عشر جمعيات حقوقية “تم توقيف العديد من الذين لم يشاركوا في الاحتجاجات، ووقعت مداهمات داخل بيوتهم”. وأضاف أن “أكثر من النصف يتعرضون للمعاملة المهينة والقاسية داخل مراكز الأمن”.
المصدر : العرب اللندنية