كريتر نت – العين الإخبارية
فر آلاف النازحين بالمخيمات المتناثرة في أطراف مأرب شرقي اليمن إلى أودية وصحراء المحافظة، في أعقاب هجوم بري للحوثيين يدخل أسبوعه الثالث.
ولم يكتف الحوثيون المدعومون إيرانياً بتفجير المعارك الطاحنة في أكبر موطن للنازحين في اليمن، لكنهم تعمدوا قصف المخيمات وترويع المشردين خصوصاً ليلاً ضمن سياسة ممنهجة ترمي في المقام الأول إلى دفع النازحين للهرب نحو مدينة مأرب والبلدات اليمنية الداخلية جنوباً الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً.
وقالت نازحة تدعى رحمة حسن، كانت مع أطفالها الثلاثة تستوطن مخيم “ذنه” في مديرية صرواح، إن “عناصر مليشيات الحوثي شنوا هجمات ليلية متواصلة على المخيم، فيما أطلقوا في هجمات متفرقة قذائف “الهاون” المحظورة وصواريخ الكاتيوشا.
وتحدَّث آخر عن أن مليشيات الحوثي نصبت في مرتفعات جبلية تبعد نحو 7 كيلومترات على الأقل مدافع ومنصة الصواريخ وعمدت لتوجيهها صوب مخيم ذنه “لأيام عشان الرعب، إن لم يكن الموت ذاته، فضّلنا أن نهرب للعراء وتحت الأشجار على البقاء في مرمى النيران”.
ليست هنا المأساة، حيث تكون صرخات الأطفال والنساء أعلى من انفجارات القذائف والصواريخ، فالأكثر مرارة هو أن الكثير من هؤلاء النازحين يرتحلون للمرة الثالثة قسراً، ففي كل مرة كانوا قد اعتقدوا الوصول للمأوى الأخير يباغتهم الحوثيون ليشدوا الرحال مجدداً.
قال البعض إنهم نزحوا للمرة الأولى من ديارهم بمناطق سيطرة الحوثيين شمالاً، وحين لم يجدوا متسعاً في مخيمات مدينة مأرب، استوطنوا مخيمات حدودية مع صنعاء والجوف، لكن اجتياح الحوثيين لبلدات نهم والجوف العام الماضي، أوقعهم تحت كماشة نيران ففروا للمرة الثانية والثالثة وفي كل مرة يقتربون من مأرب تتكرر مآسي التشرد.
ومؤخراً عقب ضغط مليشيا الحوثي براً أو جواً عبر الصواريخ والطائرات المفخخة بدون طيار، فر الآلاف من مخيمات “الزور” و”ذنه” و”الصوابين” و”الهيال” و”فلج الملح” و”شعب جميلة” في مديرية صرواح على حدود صنعاء وآخرون نزحوا من مخيم “العطيف” ومديرية “رغوان” على حدود الجوف
وبحسب الحكومة فقد هاجمت مليشيات الحوثي بالقذائف والصواريخ، بما فيها الباليستية، 6 مخيمات للنازحين منذ بدء هجومهم الأخير في 7 فبراير/شباط الجاري، فيما يقترب أعداد الأسر التي فرت من هذه المخيمات من 1600 عائلة مشردة، بمعدل 9 آلاف شخص خلال 16 يوماً.
وتشير المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى أن هجوم مليشيات الحوثي في مديرية “صرواح” الجبلية قطع خدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم عن مخيمات النازحين وسكان قبائل “بني جبر”.
وتعتبر “صرواح” غرباً أكثر مديريات مأرب عرضة لخطر نقص المياه بصورة دورية بسبب غياب شبكات الري، فيما تسبب اشتعال المعارك في عدم قدرة المدنيين الوصول إلى آبار المياه، بحسب إفادات سكان محليون.
مأوى الأشجار
واستوطنت مئات الأسر التي فرت من أكثر من 10 محاور قتالية أشعلها الحوثيون شمال وغرب وجنوب مأرب، في بلدة “روضة جهم” الواقعة على مقربة من “سد مأرب” التاريخي وآخرون استقروا بمخيم “الميل”.
وتداول ناشطون صور مركبات حاملة لأثاث وأدوات المنازل قادمة من أطراف مأرب وأخرى لنازحين يفترشون الأشجار في الصحراء ويفتقرون وسائل النقل والتموين الطارئ للعيش.
وقال سكان محليون لـ”العين الإخبارية”، إنهم اضطروا لفتح منازلهم وتشاركوا السكن مع النازحين الذين وصلوا إلى مدينة مأرب ولم يجدوا متسعاً في المخيمات.
واتجه البعض صوب مدينة شبوة المجاورة في إشارة لمغادرة البعض حدود المحافظة باتجاه جنوب اليمن، إذ شوهد بالفعل تقاطر مستمر لمركبات تقل نازحين تعبر طريق “بيحان” على حدود المحافظتين النفطيتين.
ويوجد في مأرب، أكثر من 136 مخيماً وهو أكبر عدد من مخيمات المشردين داخلياً على مستوى اليمن منذ الانقلاب الحوثي أواخر 2014، إذ يشكلون الغالبية من 2.8 مليون شخص من تعداد المحافظة الأخير، وفقا لتقارير دولية.
ومع تصاعد القتال وضغط مليشيات الحوثي الشرس يتوقع شركاء العمل الإنساني الدوليين نزوح ما يقارب 75,000 إلى 150,000 أسرة صوب مأرب الوادي أو للمحافظات المجاورة حيث الصحراء شاسعة والخدمات الإنسانية المحدودة.
نداء إنساني
وأطلقت السلطات المحلية في مأرب، مؤخراً، نداءً إنسانياً للتدخل في وقف النزوح الجماعي وإمدادها بالاحتياجات الأساسية العاجلة للنازحين من مأوى ومواد غذائية ومياه.
وطالبت بضرورة تكثيف التدخلات السريعة، إذ عقدت لقاءً موسعاً مع المنظمات الأممية والدولية والإقليمية والمحلية العاملة في المجال الإنساني لتدارس خطط الاستجابة والتداعيات المحتملة لزيادة أعداد النزوح من مخيمات أخرى معرضة لخطر الاستهداف من قبل مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً.
وقال بيان للسلطات المحلية إنّها سجلت وفاة نازح من أبناء محافظة الحديدة في مخيم “الصوابين” واستهداف مليشيات الحوثي لمستشفى “الزور” والمركبات المدنية والطواقم الطبية التابعة للهلال الأحمر اليمني، بشكل متعمد ومتكرر.
وطالبت السلطات المجتمع الدولي وفي مقدمته الأمم المتحدة بموقف حازم ورادع لإيقاف إجرام مليشيا الحوثي في استهداف المخيمات والمستشفيات والطواقم الطبية ومحاسبة المتورطين وعدم إفلاتهم من العقاب، واعتبرتها أعمالاً “ترتقي إلى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية” بموجب القانون الدولي الإنساني.
كما دعت للضغط على المليشيات الحوثية لضمان حرية الحركة للسماح بالمرور الآمن للمدنيين بمن فيهم المشردون داخلياً والمهاجرون الذين يحاولون مغادرة مأرب، والسماح للمساعدات والعاملين بالإغاثة الوصول إلى المدنيين في المحافظة بكل الأوقات.