التدخل الصيني والروسي في شؤون أميركا أوسع من تدخلها في شؤونهما
رفيق خوري
صعود الصين هو الهاجس الأكبر للولايات المتحدة الأميركية. الرئيس باراك أوباما عمل على التوجه شرقاً ضمن إستراتيجية “المحور”. حذّره الخبراء من الوقوع في “فخ ثيوسيديدس”، أي حرب قوة كبرى على قوة صاعدة منافسة، فلجأ إلى تطويق الصين بترتيب اتفاق تجاري واقتصادي بين 12 دولة آسيوية وأميركا. الرئيس دونالد ترمب خرج من الاتفاق وحاول التفاهم مع الزعيم شي جينبينغ، ثم بدأ حرباً تجارية مع بكين التي ردت بتزعم اتفاق أسيوي بديل وخطة “الحزام والطريق” موسعة نفوذها إلى أوروبا وأفريقيا. الرئيس جو بايدن وصف الزعيم الصيني بأنه “قاسٍ جداً وليس في شخصه ذرة من الديمقراطية”. وقال في خطابه الأول عن السياسة الخارجية: “سنتصدى لانتهاكات الصين الاقتصادية، وسنواجه عملها القهري الشرس في مواصلة الهجوم على حقوق الإنسان والملكية الفكرية، لكننا مستعدون للعمل معها عندما يكون ذلك في مصلحة أميركا”. لا بل إنه اختار شعار “الصبر الاستراتيجي” مع الصين، وهو الشعار الذي اختارته إيران مع أميركا.
لكن اللعبة معقدة جداً. فالصين ليست الاتحاد السوفياتي الذي تعلمت من أخطائه، وإن قال ميكسين باي في “فورين أفيرز” إنها “ترتكب بعض أخطائه مثل مركزة السلطة التي ستضعف الرئيس شي في النهاية”. والصراع معها ليس نسخة ثانية من الحرب الباردة. فهي لاعب كبير داخل النظام العالمي، لا خارجه كما كانت موسكو السوفياتية. وهي، كما قال الدبلوماسي ومدير الاستخبارات المركزية الجديد وليم بيرنز في كتاب “القناة الخلفية” ظاهرة فريدة “تحدياتها كبيرة لنا واحتواؤها غير ممكن لأنها مندمجة في الاقتصاد العالمي”. لا بل إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن اعترف بأن “موقف الصين اليوم أقوى وموقفنا أضعف بسبب سياسات ترمب، ونحتاج إلى التمهل وإعادة تركيز أنفسنا في موقع أقوى قبل التفاوض معها”. والكل يعرف أن بكين تستثمر تريليونات الدولارات في أميركا، وأن التبادل التجاري السنوي بينهما يتجاوز ستمئة مليار دولار. وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس حذّر شي من “حرب باردة جديدة” تؤذي الجميع، ودافع عن “العولمة والتعددية” في العالم، من دون التخلي عن الأحادية في الداخل. وهو قدّم للعالم نموذج رأسمالية سوق يديرها حزب شيوعي يضم 93 مليون عضو. فضلاً عن أن الحزب الشيوعي الصيني لا يبحث عن صنع ثورات شيوعية في العالم، وأن الصين التي صارت قوة بحرية وبرية معاً بعدما كانت برية فحسب لا تزال قلقة.
والمواقف من الصين في أميركا متنوعة. مستشار الأمن القومي جايك سوليفان يرى وجوب الجمع بين “عناصر المنافسة والتعاون” في السياسة نحو الصين. ميرا روب هوبر مستشارة الشؤون الصينية في التخطيط السياسي في الخارجية الأميركية تقول إن اللعبة مع الصين “يجب أن لا تكون لعبة صفرية”. ميشال فلورنوي التي كانت بين الأسماء المرشحة لتولي وزارة الدفاع اعتبرت أن ردع الصين عن غزو تايوان أو فرض الحصار عليها يتطلب أن تكون لدى القوات الأميركية “القدرة على تهديد ذي صدقية بإغراق السفن والغواصات والسفن التجارية في بحر الصين خلال 72 ساعة”. وفي الكونغرس توجهات عدائية جداً للصين، وتحذيرات من خطرها لأنها صارت دولة توتاليتارية ديجيتالية تزداد نفوذاً في الخارج واستبداداً في الداخل. وعلى العكس، فإن في الكونغرس من يختصرون سياسة الصين بأنها لا تبحث عن صدامات أو عداوات بل عن فرص أعمال.
وبين الكلام الكبير والكلام الواقعي، يرى بوني غلاسر من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن أنه “إذا استمرت الصين في الضغط الاقتصادي العسكري على تايوان، فإن بايدن لن يقف مكتّف اليدين، لكنه لن يستخدم مسألة تايوان وجهاً لوجه مع شي لجعله يبدو ضعيفاً”.
أيام الخلاف الصيني- السوفياتي في عزّ الحرب الباردة، مدّ ماوتسي تونغ رأس خيط التقطه نيكسون وكيسينجر، وكان الانفتاح الأميركي على بكين وإقامة نوع من “الثنائية” الصينية- الأميركية في مواجهة موسكو. كان عنوان اللعبة الأميركية في المثلث الصيني- الأميركي- السوفياتي هو المثل الصيني القائل: “الوقوف على التلة العالية ومراقبة القتال بين نمرين”. وعنوان اللعبة الصينية: “دع البرابرة يقاتل بعضهم بعضاً”.
اليوم، تبدو اللعبة مختلفة: “ثنائية صينية- روسية” في مواجهة أحادية أميركية. والتدخل الصيني والروسي في شؤون أميركا أوسع من تدخلها في شؤونهما. بايدن أعلن عودة أميركا إلى العالم وقيادته. والسؤال هو: إلى أي حد يستطيع بايدن وقف الانحدار الأميركي و”ضبط” يقظة الصين وعودة روسيا؟
نقلا” عن أندبندنت عربية