كنعان الحميري
منذ السابع من شهر فبراير (شباط) الماضي، شنت ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران أكبر هجوم لها مستهدفة مأرب اليمنية، في محاولة مستميتة للسيطرة على المحافظة، غير أنها لم تنجح في إحداث اختراق جوهري في أسوار المحافظة التاريخية والاستراتيجية.
واليوم وبعد أكثر من شهر منذ ذلك التاريخ، وصل إلى مأرب المتحدث باسم قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، العميد تركي المالكي، في زيارة تبيّن أهمية المعركة وتعزز التزام التحالف تجاه المنطقة المهمة للطرفين.
وتأتي زيارة المالكي التي التقى فيها محافظ المنطقة النفطية، سلطان العرادة أمام سد مأرب، لتعزز نفي الشرعية وداعميها المستمر للتقارير التي تحدثت عن سيطرة الميليشيات القادمة من صنعاء على منطقة السد وما جاورها.
وكان حسين العزي، نائب وزير خارجية الحوثيين في اليمن، قد قال إن الجماعة تمكنت من السيطرة على 10 مناطق في محافظة مأرب من أصل 14 منطقة تتكون منها المحافظة.
وأضاف في تصريح لشبكة “سي أن أن” في 4 مارس (آذار) الجاري أن “معظم مأرب الآن بأيدي الحوثي هناك 14 منطقة تتكون منها مأرب فقط اثنتان منها تحت سيطرة الحكومة بما فيها وسط المدينة ومنطقتان هما ساحة معركة وباقي المناطق تحت سيطرة الحوثي”.
أهمية توازي حجم التضحية
ويأتي التصعيد الحوثي غير المسبوق على مأرب نتيجة للأهمية السياسية والعسكرية التي تحظى بها المحافظة الصحراوية، ذات الأهمية بالنسبة للحكومة الشرعية، التي ترى في مأرب آخر قلاعها العسكرية والسياسية والاقتصادية في الشمال اليمني.
وعلى الرغم من الأثمان البشرية الباهظة التي دفعها الجانبان، إلا أن إحصاءات تشير إلى سقوط عشرات القتلى من الطرفين خلال الأيام الماضية، وهو ما يكشف أهمية المنطقة على المستويات كافة بالنسبة إلى الحوثي من جهة، والجيش ومعه قبائل وعشائر المحافظة ذات الطابع الاجتماعي التقليدي الذي تداعت لنصرة “أكبر قلاع الجمهورية اليمنية” كما تسمّيها الحكومة، من جهة أخرى.
كما أن احتواءها على معظم القوات العسكرية الموالية للحكومة الشرعية تفسر الإصرار الحوثي على اختراق جدرانها، إذ تضمّ مقر وزارة الدفاع ومركز القيادة والسيطرة وعدداً من المناطق العسكرية التي تتفرع منها ألوية قتالية مختلفة، منها المنطقة العسكرية الثالثة، التي تجمع مأرب وشبوة، إضافة إلى المنطقة العسكرية السابعة، كما يتمركز في مأرب فرع قيادة تحالف دعم الشرعية داخل اليمن، ومراكز تدريب قوات الجيش ومخازن الإمداد والتموين ومطار صافر الترابي الذي يستخدمه التحالف لإمداد الجيش بحاجاته من المؤن والعتاد.
النفط يستحق أن تسيل له الدماء
وكما هو معروف، فمأرب من أهم المحافظات الغنية بالنفط والغاز المسال الذي يعتمد عليه اليمنيون في مختلف أرجاء البلاد، والذي كان يصدّر إلى الخارج قبل الحرب، فيما الحوثيون يشترون الغاز المنزلي ووقود المركبات من هذه المحافظة الحيوية، الأمر الذي دفع القيادي الحوثي محمد البخيتي إلى الكشف عن هدف المیلیشیا من الھجوم الأخير، وهو رغبتھا الجامحة في الحصول على النفط، معتبراً أن “أميركا تحاصر السفن النفطية، ولیس هناك حل حالياً سوى الاستيلاء على مأرب”.
إلا أن الجماعة التي تسيطر على شمال اليمن استطاعت إحراز تقدم ميداني محدود من خلال السيطرة على معسكر كوفل ومواقع أخرى في الجهة الغربية لمأرب في مديرية صرواح.
مغامرة البلق
وسعت الميليشيا خلال الأيام الماضية للتسلل عبر وادي ذنة، الضفة الخلفية لبحيرة سد مأرب بنحو 50 عنصراً، سعياً إلى السيطرة على سلسلة جبال البلق شرق مأرب، بهدف قطع الإمداد وفصل مأرب إلى نصفين، إلا أنها بحسب بيانات صادرة عن الجيش اليمني، وقعت في كماشة كان ثمنها مصرع 35 قتيلاً وجرح آخرين، فيما سقط من جانب القوات الحكومية مدير قوات الأمن الخاصة بمأرب عبدالغني شعلان، وقائد عمليات القوات ذاتها العميد نوفل الحوري، إضافة إلى رئيس كتيبة الحماية في القوات الخاصة المقدم أمجد الصلوي،
وبعد أن نجحت القوات الحكومية في صد هجمات الحوثيين على جبل البلق، قامت بتعزيز قواتها في الجبل ومحيطه لتتصدى لهجمات أخرى شنتها قوات الحوثي على الجبل ذاته.
ضحايا بالمثل
وفقد الطرفان في هذه المعارك عدداً من جنودهما وقادتهما البارزين بينهم قادة ألوية، منهم قائد اللواء (203) العميد محمد العسودي، وقائد لواء الصقور العميد أحمد الشرعبي، وقائد اللواء الثاني في القوات المشتركة العميد ناصر سعيد البرحتي، إضافة إلى القائد الميداني العميد الركن عبده علي الوافي، ورئيس عمليات المنطقة العسكرية الثالثة العميد ناجي علي حنشل، فضلاً عن سقوط عدد من الجنود ورجال القبائل.
وفي إحصاء نشره التحالف في 14 فبراير (شباط)، قال إنه قتل أكثر من 700 حوثي خلال أربعة أيام فقط، جراء غارات جوية ومعارك مع القوات الحكومية، فيما أعلن الجيش اليمني في 27 من الشهر ذاته، مقتل 350 حوثياً في مأرب خلال 30 ساعة فقط، إلا أن الحوثي نفى هذه الأرقام جملة وتفصيلاً.
في المقابل، رفع الحوثي جهده الباليستي والمسيرات تجاه الأراضي السعودية بشكل غير مسبوق، ليشكّل تهديداً دفع التحالف إلى إعلان حملة جوية جديدة قبل أيام.
وهذه الأرقام على الرغم من اختلاف الطرفين على دقتها، إلا أنها تعطي مؤشراً حول أهمية المعركة التي انطلقت منذ شهر، ولم تحقق نتائج نهائية حتى الآن.
ما هو الثمن؟
وأمام هذا العدد المهول من الضحايا والانعكاسات الإنسانية الكبيرة، التي ليس أقلها نزوح عشرات الآلاف من قراهم ومنازلهم، يبرز التساؤل عن المكاسب الميدانية التي جناها الحوثي في معاركه على مأرب، إذ يقول المحلل العسكري عبدالعزيز الهداشي، إن نتائج معارك مأرب بعد شهر يمكن إجمالها في حصول الحوثي على بعض الفوائد على الصعيدين العسكري والسياسي، التي لا تساوي ثمن التضحيات الكبيرة بمقاتليه.
فعلى الصعيد العسكري “تمكن من إحراز تقدم ميداني في بعض الجبهات، واستطاع السيطرة على معسكر كوفل بمديرية صرواح، كما تمكن من الوصول إلى جنوب سد مأرب عبر وادي ذنه، عبر كلفة بشرية كبيرة اضطر لدفعها قبل غريمه”.
ويضيف، “فشل الحوثي في السيطرة على مأرب، ولكنه حاصرها من الجهة الغربية في صرواح واستطاع الوصول إلى جبال البلق ومعسكر كوفل ومنطقة الزور، وتمكن من إخراج الجيش منها وباتت خطاً نارياً مشتعلاً لم يستطع أي طرف السيطرة عليها، أما بقية الجبهات فلم يحقق فيها أي إنجاز حقيقي حتى الآن”.
رسالة سياسية
وعبر المكتسبات النوعية التي حققها الحوثي، يقول الهداشي إن “أهم إنجاز بحث عنه هو تحقيق زخم إعلامي دولي بهدف إيصال رسالة للعالم مفادها أنه الطرف الأقوى والمبادر، وبالتالي ينظر إليه العالم على أنه شرعية حقيقية وقوة على الأرض، وأنه لولا الطيران العربي فسيجتاح اليمن كاملاً”.
وعلاوة على الزخم الإعلامي، يرى أن الحوثي “نجح في إيصال هذه الرسالة المهمة التي ربما تسكبه موقعاً جيداً في المفاوضات السياسية المقبلة، كونه المسيطر على 40 في المئة من الأرض اليمنية، و70 في المئة من السكان”.
وخلص المحلل العسكري إلى أن هذه المكاسب السياسية والإعلامية التي جناها الحوثي من هجومه على مأرب حتى الآن “تهيئ العالم للاعتراف به، خصوصاً إذا نجح في المحافظة على زخمه”.
واعتبر أن “الحوثي يرى أن قصف المدن السكانية اليمنية والسعودية يصب في مساعيه السياسية المستقبلية، ليتعامل معه العالم باعتباره الطرف الأقوى”.
وبالحديث عن العملية السياسية، حذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن، مارتن غريفيث، في رسالة بريدية بعثها مكتبه إلى “اندبندنت عربية”، من أن استمرار الهجوم على مأرب “يشكل تهديداً حقيقياً لأرواح المدنيين، وتهديداً حقيقياً لآفاق السلام في اليمن”، وكرر أنه “لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع”.
وأكد مواصلته العمل من أجل “خلق بيئة مؤاتية من شأنها إخراج اليمن واليمنيين من الحرب، وتخفيف معاناة الشعب اليمني، والعمل على اتفاق يؤدي إلى استئناف العملية الانتقالية السياسية التي تلبي الطلبات والتطلعات المرتكزة على المشاركة السياسية السلمية”، لكن هذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا توافرت الإرادة السياسية من قبل الأطراف لوقف العمليات العسكرية والتحاور، بحسب المكتب الأممي.
المصدر : أندبندنت عربية