كريتر نت – عدن
تباينت ردود الأفعال حول اقتحام متظاهرين في مدينة عدن، الثلاثاء، البوابات الرئيسية للقصر الرئاسي في منطقة معاشيق الذي تتخذ منه الحكومة اليمنية المنبثقة عن اتفاق الرياض مقرا لها.
فبينما وصفت مصادر مقرّبة من المجلس الانتقالي الجنوبي المظاهرات بأنها احتجاجات شعبية جاءت كردة فعل على تردي الأوضاع المعيشية وانهيار قطاع الخدمات، اتهم ناشطون وإعلاميون مقربون من الحكومة المجلس بالوقوف خلف المظاهرة التي رفعت شعارات مناوئة للحكومة على خلفية الأوضاع المعيشية والخدمية التي تعيشها العاصمة اليمنية المؤقتة.
وتمكّن المتظاهرون من الوصول إلى قصر المعاشيق وبقوا فيه لوقت قصير قبل أن يغادروا من دون مواجهات مع عناصر الأمن.
وأكد مسؤول حكومي أن القوات اليمنية والسعودية الموجودة في محيط القصر قامت بإدخال أعضاء الحكومة ومن بينهم رئيس الوزراء معين عبدالملك إلى مبنى قريب منعت الاقتراب منه.
مارتن غريفيث: نقص الموارد يحول دون تحسين الخدمات ودفع الرواتب لموظفي الحكومة
وتؤكد عودة التوتر إلى عدن على هشاشة حالة الاصطفاف التي خلقها اتفاق الرياض في ظل انعدام الثقة بين الطرفين الموقعين على الاتفاق وتصاعد الحسابات السياسية مع بروز مؤشرات على دفع المجتمع الدولي باتجاه إغلاق ملف الحرب في اليمن، وعقد جولات جديدة من المشاورات النهائية التي يصر المجلس الانتقالي الجنوبي على المشاركة فيها كطرف سياسي ممثل للجنوب.
وجاءت مظاهرات عدن بعد يوم واحد من احتجاجات مشابهة شهدتها محافظة حضرموت، وتخللها إطلاق نار على المتظاهرين في مدينة سيئون من قبل قوات المنطقة العسكرية الأولى التي تتهم عادة من قبل المجلس الانتقالي بالولاء لجماعة الإخوان.
ويعتبر مراقبون للشأن اليمني أن تفاقم الأوضاع المعيشية والخدمية في المناطق المحررة وتصاعد حالة الغضب الشعبي أزالا الخط الفاصل بين الاحتجاجات المطلبية والسياسية.
وفي إشارة لتردي الوضع المعيشي والخدمي في المحافظات المحررة قال المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي الثلاثاء إن “الوضع لايزال صعبًا في عدن والمحافظات المجاورة”.
وأضاف أن “تحسين الخدمات الأساسية، بما يتضمن القدرة على الحصول على الكهرباء وضمان دفع الرواتب لموظفي الحكومة وضمان الأمن واستقرار الاقتصاد سيتطلب المزيد من الموارد التي تعاني أصلا من نقص في الوقت الحالي”.
وترك رئيس الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد سعيد بن بريك الباب مواربا أمام أيّ خطوات تصعيدية قد يقدم عليها المجلس الانتقالي خلال الفترة القادمة، مع عودة التوتر بين المجلس والحكومة الشرعية.
وقال بن بريك “الخطة (ج) أبين ولحج اليوم وغدا سنقلب الطاولة ولا مجال للمراوغة والبيان رقم (1) من ساحة التحرير بخور مكسر سيكون بعد فترة وجيزة لاحقاً، وشعب الجنوب ملتف حول قيادته في المجلس الانقالي
وينشط تيار موال لقطر من داخل الحكومة اليمنية للتحريض على المجلس الانتقالي والتشكيك في اتفاق الرياض بوصفة شرعنة لوجود المجلس السياسي كطرف شريك في الحكومة، في الوقت الذي تواجه قيادات المجلس انتقادات شعبية جنوبية تستنكر ما تصفه بعجز تلك القيادات عن انتقاد أداء الحكومة وتردي الخدمات واستمرار الارتفاع في سعر صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني إلى جانب استشراء الفساد.
وتشير مصادر سياسية يمينة مطلعة إلى استثمار التيار الجنوبي المدعوم من قطر بقيادة حسن باعوم للاحتجاجات الجنوبية ومحاولة تصويرها كحراك جنوبي شعبي معاد للتحالف العربي بقيادة السعودية.
وفيما يبدو أنه رد على هذا التيار وكشف لدوره علق نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك على التظاهرات التي شهدتها عدد من مدن جنوب اليمن بالقول “من يستغل اعتصام الشعب ومطالبه العادلة ليصف السعودية والإمارات بالعدوان والاحتلال والناهبين إنما يحقق للحوثيين ما يريدون. هذا لم يكن في جبهات القتال عندما عززنا الله بالسعودية والإمارات، أقولها بكل وضوح أيّ شخص يتهم السعودية والإمارات بالعدوان إنما يستهدف الجنوب والقوات الجنوبية”.
سالم ثابت العولقي: انتفاضة عدن ضد عجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في اتفاق الرياض
وعزا عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي سالم ثابت العولقي الأحداث التي شهدتها مدينتا عدن وسيئون شمال حضرموت إلى تراكمات من المعاناة الشعبية وتردي الأوضاع المعيشية والخدمية وسياسات العقاب الجماعي التي انتهجتها منظومة الفساد في مدن الجنوب المحرّرة.
وقال العولقي في تصريح لـ”العرب”، “سبق وأن حذرنا من انتفاضة شعبية في ظل عجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في اتفاق الرياض، وخاصة ما يتعلق بصرف المرتبات وتحسين الخدمات”.
وأكد على أن الأمور زادت سوءا وتعقيدا عما كانت عليه قبل عودة الحكومة إلى عدن.
ولفت عضو هيئة رئاسة الانتقالي إلى “عدم فاعلية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمجابهة الاستحقاقات المطلوبة منها ما تسبب في انهيار شبه كلي للخدمات وارتفاع العملة الأجنبية مقابل العملة المحلية، وهو ما ضاعف من معاناة المجتمع واتساع رقعة الفقر في مقابل تغول الفساد”.
وعن موقف الرسمي إزاء هذه الاحتجاجات التي بلغت مستوى تصعيديا بعد اقتحام عدد من المتظاهرين للبوابات الرئيسية لقصر معاشيق قال العولقي “الواجب الأخلاقي والإنساني يفرض على المجلس الانتقالي الجنوبي الانحياز إلى صف الشعب وتأييد مطالبه والوقوف معه مع حرصه على منع أيّ محاولات لاختراق الاحتجاجات الشعبية وتوظيفها بعيدا عن هدفها”.
وأدان العولقي “ما تعرض له الشبان المحتجون من قمع واستخدام مفرط للقوة ضدهم من قبل قوات المنطقة العسكرية الأولى في سيئون معتبرا ذلك انتهاكاً صارخا لحق التعبير”.
وفي المقابل أتهم خصوم المجلس الانتقالي الجنوبي بالوقوف خلف المظاهرات التي شهدتها مدينة عدن، واعتبر ناشطون وإعلاميون من حزب الإصلاح (العدو التقليدي للانتقالي)، وآخرون محسوبون على الحكومة أن المظاهرات مدفوعة من قبل الانتقالي بهدف خلط الأوراق في هذا التوقيت الذي تشهد فيها محافظات مأرب وتعز وحجّة مواجهات بين القوات الحكومية والميليشيات الحوثية.
رماح الجبري: اقتحام بوابات قصر معاشيق كشف أن الحكومة مكشوفة الظهر أمنيا
وقال الصحافي والباحث السياسي اليمني رماح الجبري إن “مطالب المحتجين حق مكفول وفقا للقانون اليمني بما فيها حقهم في التظاهر، إلا أن اقتحام بوابات قصر معاشيق كشف أن الحكومة مكشوفة الظهر أمنيا وهو ما يؤكد على أهمية استكمال تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض”.
ووصف الجبري المقرّب من الحكومة اليمنية اتفاق الرياض بأنه “جسر العبور للجميع إلى حكومة قوية وشراكة حقيقية بين جميع الأطراف بما فيها المجلس الانتقالي” الذي قال إنه “مطالب بتنفيذ الاتفاق بشكل واقعي لتتمكن الحكومة من تقديم خدمة ملموسة للمواطن بما فيها ضبط الأمن ومواجهة التحديات”.
واعتبر أن التظاهرات في عدن ليست بعيدة عن مكوّن المجلس الانتقالي مشيرا إلى أنها “كما يبدو استجابة للبيان الصادر عن المتحدث باسم المجلس في التاسع من مارس الذي قال إن المجلس طالب الحكومة بموقف واضح من الأزمات والانهيار في الخدمات مؤكدا أن خياراتهم مفتوحة”.
وأضاف أن “إضعاف الحكومة ومحاولة الانقلاب على اتفاق الرياض لا يخدمان بدرجة أساسية سوى الميليشيا الحوثية وهو ما ظهر من خلال إشادتهم بعملية اقتحام قصر معاشيق ووصف مسؤول العلاقات الخارجية الحوثي للمتظاهرين بالثوار”.
وطالب الجبري مساندة الحكومة في هذه المرحلة من جميع الأطراف السياسية بمن فيهم التحالف لأن مرور شهرين على تشكيل الحكومة ليست كافية للحكم على أدائها لاسيما وأن التحديات كبيرة في مرحلة تخوض فيها الحكومة معركة وطنية ضد الميليشيا الحوثية في مختلف الجبهات.