كريتر نت – العرب
أطلقت السعودية حملة علاقات عامة واسعة في الداخل الأميركي، بعيدا عن العاصمة واشنطن حيث النفوذ السياسي المعادي، شملت مختلف مكونات المجتمع من رجال أعمال وأكاديميين ووسائل إعلام من أجل حشد الدعم لعلاقات المصالح بين البلدين، وذلك كرد فعل عملي على موقف الإدارة الأميركية الجديدة تجاه المملكة ودورها الإقليمي.
لكنّ أوساطا سعودية تحذر من أن الأساليب القديمة لحملات الدعاية قد لا تغير صورة المملكة لدى الرأي العام الأميركي، وتدعو إلى البحث عن صيغ جديدة تتماشى مع الضغوط المتعددة التي تلاقيها بلادهم في العلاقة مع إدارة جو بايدن.
وتقوم هذه الحملة على إظهار أهمية السعودية للاقتصاد الأميركي ولمصالح الأميركيين من حيث توفير الوظائف وتنشيط الاقتصاد. كما تعمل على إبراز طريق الإصلاحات الذي تسلكه المملكة في بعده الاجتماعي، خاصة ما تعلق بتحسين أوضاع المرأة.
واستأجرت السفارة السعودية في واشنطن شركة ضغط وعلاقات عامة مقرها في قلب أميركا وخارج العاصمة واشنطن. وتم التعاقد مع مجموعة لارسون شاناهان سليفكا (أل أس 2 غروب) بولاية آيوا مقابل 126500 دولار أميركي شهريًا للوصول إلى وسائل الإعلام المحلية ومجموعات الأعمال والنساء ومجالس الشؤون العالمية في الولايات النائية.
الأميرة ريما بنت بندر تأمل أن تكون أميركا الوسطى سلاحها السري
ومن أبرز الوجوه التي تطرحها مجموعة “أل أس 2 غروب” للترويج لهذه الحملة سفيرة السعودية في الولايات المتحدة الأميرة ريما بنت بندر، أول مبعوثة خارجية للمملكة، والتي نشأت في الولايات المتحدة حين كان والدها الأمير بندر بن سلطان سفيرا في واشنطن لمدة 22 عامًا.
وتعمل الأميرة ريما منذ فترة طويلة في مجال الترويج للرياضة النسائية، وتأمل في إقناع محاوريها بأن السعودية مصدر قوة للولايات المتحدة خاصة بعد أن شرعت في تبني إصلاحات اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، بما فيها إصدار قوانين لتطوير حقوق المرأة.
وتأمل الأميرة ريما في أن تكون أميركا الوسطى هي سلاحها السري.
وحثت أوساط سعودية على عدم المبالغة في التفاؤل بشأن هذه الحملة ونتائجها، محذرة من اعتماد نفس الأساليب التي تم اعتمادها في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته.
وحققت المملكة نتائج لافتة في حملات ضغط “لوبيينغ” وعلاقات عامة ناجحة قبل أربعين عاماً، عندما حشدت مواردها للتأثير في صنع السياسة العامة الأميركية تجاه عقد صفقة الـ”أف 15″ و”الأواكس”، على الرغم من المعارضة الشديدة وقتها من مجموعات ضغط علاقات عامة داعمة لإسرائيل.
ودخلت السعودية هذه الصفقات على خلفية اتهامات بأنها المستفيد من الصعود الأول لأسعار النفط عام 1973 في حرب أكتوبر والثاني عامي 1979 و1980 بسبب الثورة الإيرانية والحرب العراقية – الإيرانية.
واستخدمت السعودية وقتها تقريباً ذات الأساليب التقليدية المستخدمة اليوم عبر التعاقد مع وكلاء وشركات ضغط وعلاقات عامة رائدة ولها سمعتها وتجاربها للقيام بإجراءات تشمل الإعلام الشعبي، والوصول إلى رجال الأعمال والاتحادات والمسؤولين الحكوميين ووسائل الإعلام وأعضاء الكونغرس.
ويعتقد باحث سعودي في العلاقات العامة الدولية أن استخدام الأساليب التقليدية قد لا يحقق ذات النتائج الإيجابية وهذا يعود إلى عامل مهم يتم إغفاله ويتمثل في أن صورة المملكة اليوم لدى الرأي العام الأميركي ليست هي ذاتها صورتها قبل ثلاثين سنة.
وقال الباحث، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ”العرب” إن المملكة حينذاك لم تتعرض إلى حملات دعائية مضللة قاسية ومخطط لها تضرب صورتها ومصداقيتها، كما هو الحال بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وحتى اليوم.
وتعمل على هذه الحملات تيارات يسارية، بالإضافة إلى النظام الإيراني والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والقوى المتحالفة معهم، وبعضها خليجي، وتمتلك شبكة وسائل إعلام وأدوات ضغط قوية ومؤثرة موجهة للرأي العام الغربي، والأميركي على وجه الخصوص، وتتحدث بلغتهم، واستطاعت كسب ثقة مهمة لديهم.
ويلفت الباحث إلى أنه في الوقت الذي تشتد فيه الحملات على المملكة يكتفي الحضور السعودي باستخدام ذات الأساليب الكلاسيكية قصيرة المدى المتمثلة في التعاقد مع وكلاء وشركات ضغط وعلاقات عامة لإبراز الجوانب الإيجابية والحديث عن أهمية المملكة الاقتصادية وتسليط الضوء على قصص النجاح التي تخرج من المملكة، كموضوعات تمكين المرأة والانفتاح الثقافي والاجتماعي ونيوم وغيره من المشاريع الجميلة والجبارة.
وحث على القيام بدراسة عميقة على صورة المملكة كيف كانت وأين أصبحت وكيف تغيرت ولماذا، والتعامل معها عبر خطط استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار ذلك كله، بالإضافة إلى العوامل المؤثرة والتطورات السياسية والثقافية والاقتصادية وأمن الطاقة ونحوه، وأن يتم ذلك “على أسس معرفية وخبرات جيدة، وأن تتوفر لديها الأدوات والوسائل المناسبة التي يستند إليها كأساس ولو بالحد الأدنى، ثم يأتي دور بيوت الخبرة في العلاقات العامة والضغط الأجنبية في مرحلة لاحقة”.
وقام مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض هذا الشهر بدعم مجموعة “أل أس 2 غروب” بتقرير مكون من 32 صفحة بعنوان “العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية: أكثر من الأسلحة والنفط”.
ويسلط التقرير الضوء على استثمارات المملكة في الولايات المتحدة والمعاملات التجارية والهدايا التي منحت للجامعات وشراء سندات الخزانة الأميركية، وذلك بهدف إظهار وزن السعودية ودورها في الاقتصاد الأميركي، وأنها دولة مهمة لمصالح واشنطن، ما يعني أن توتير العلاقة معها يضر بالأميركيين مثلما يضر بها.
وأشار التقرير إلى أن الصادرات الأميركية إلى السعودية في عام 2019 بلغت 24 مليار دولار، منها 3.1 مليار دولار مبيعات أسلحة، دعّمت 165 ألف وظيفة في الولايات المتحدة، وأن الشركات الأميركية تعمل في مشاريع سعودية بقيمة 700 مليار دولار.
وذكر التقرير أن المملكة كانت تمتلك 134.4 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية وحوالي 13 مليار دولار من الأسهم الأميركية في نهاية عام 2020، بينما بلغ إجمالي الاستثمار الأميركي في السعودية في عام 2019 حوالي 11 مليار دولار.
كما روّج التقرير لفرص الاستثمار المستقبلية أمام الشركات الأميركية في قطاعات واعدة مثل الترفيه.