هشام النجار
هل توظّف تنظيمات إسلامية استدارة تركيا للمصالحة مع مصر ؟
هشام النجار
توحي الخطوة التي اتخذتها السلطات التركية حيال قنوات فضائية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين تبث من إسطنبول أن فصائل التيار الإسلامي المقيمة في تركيا تعمل بتوجيهات مباشرة من الأجهزة الأمنية التركية.
لذلك توقفت منابرها الإعلامية عن التحريض وتوجيه انتقادات للأوضاع في مصر فور صدور الأمر لها بذلك. وعكست الخطوة أيضا تسابق قادة فصائل التيار الإسلامي لاستغلال الاستدارة التركية للمصالحة مع مصر إذ أن لهم تصوراتهم الخاصة لإعادة إنتاج تنظيمات الإسلام السياسي بعد فشلها وتبني خطاب جديد ومواقف مختلفة.
تتسابق بعض تنظيمات الإسلام السياسي لتلحق بمشهد الاستدارة التركية الجديدة في المنطقة، مستغلة غصن الزيتون الذي رفعته أنقرة مؤخرا باتجاه مصر ودول الخليج، وهو ما مثل اختبارا لتوجهات أنقرة التي يرتاب البعض في تخليها فعليا عن ركائز وأدوات نفوذها وأهدافها التوسعية ممثلة في الجماعات الإسلامية أم لا؟
ووجدت تلك التنظيمات في إشارات تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر فرصة سانحة لتفكيك العديد من المشكلات التي تواجهها، بما أن أنقرة والقاهرة تمتلكان مفاتيح حلها، وفي مقدمتها ملف الهاربين للخارج والمطلوبين على ذمة قضايا وملف المحبوسين في مصر، لذا سارع قادة تنظيم الإخوان إلى طرح مطالبهم مقابل إظهار المرونة في ضبط أداء القنوات الإخوانية.
وأبدت الجماعة الإسلامية عزما على التطوير منتقدة شروط الإخوان المسبقة، بالنظر إلى تخوف قادتها من دفع المزيد من فواتير التحالف مع الإخوان، والتوجس من تحولات الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث يتخوف البعض من أن تكون أكبر من استراحة محارب أو مناورة تكتيكية.
وأوحت الخطوة التي اتخذتها السلطات التركية حيال قنوات فضائية تابعة لجماعة الإخوان وأخرى مقربة منها تبث من إسطنبول بأن مختلف فصائل التيار الإسلامي المقيمة في تركيا تعمل بتوجيهات مباشرة من أجهزتها الأمنية، وما كانت لتنشط دعائيا ضد النظام المصري وبعض الحكومات العربية طوال السنوات الماضية إلا بأوامر منها، لذلك توقفت منابرها الإعلامية عن التحريض وتوجيه انتقادات للأوضاع في مصر فور صدور الأمر لها بذلك.
ويراهن قادة التيار الإسلامي على أن النظام التركي يرغب في إبقاء فصائله رهن إدارة وتوجيهات السلطات، ويعد هذا الخيار أفضل من التخلي عنها.
وعكس تسابق قادة فصائل التيار الإسلامي على استغلال الاستدارة التركية صوب التقارب وطلب المصالحة مع مصر تصوراتهم الخاصة بشأن تلك الخطوة، والتي تتمحور حول فهمها من جهة كونها محاولة لإعادة إنتاج تنظيمات الإسلام السياسي بعد فشلها، وتبني خطاب جديد ومواقف مختلفة.
رهانات الإسلاميين
قبول إبراهيم منير الوساطة التركية لحل أزمة الإخوان مع القاهرة يكشف التنسيق بين أنقرة والجماعة
وكشف خروج إبراهيم منير الذي يدير مشهد جماعة الإخوان من لندن معلنا عقب الخطوة التركية قبوله بوساطة تركية لحل أزمة الجماعة مع القاهرة رؤية للتطورات الأخيرة من زاوية لا تستبعد التنسيق بين الأجهزة التركية والجماعة لتحقيق مصالح مشتركة، لأن أهداف المرحلة السابقة بات تحقيقها مستحيلا بنفس الأساليب ولغة الخطاب القديمة.
ويرتكز طرح الإخوان الآن على التأكيد بأن التقارب بين أنقرة والقاهرة لن يكون ثمنه التضحية بالجماعة، وتركيا لن تمضي في تقديم تنازلات مؤلمة أكثر من ضبط الخطاب الإعلامي الإخواني في أراضيها، ما يعني أنها لن تقدم على تسليم قادة من الجماعة مطلوبين للعدالة في مصر.
كذلك الالتزام بما أعلنته تركيا بشأن ضبط أداء وخطاب القنوات التابعة والموالية للجماعة التي تبث من إسطنبول والقبول بأنقرة كوسيط مفترض لتقريب وجهات النظر مع النظام المصري.
وتبدو جماعة الإخوان حريصة على الدخول على خط المصالحة، وأنها تقبل التنازلات المقتصرة على وقف الخطاب التحريضي وبرامج الإساءة وحملات التشويه التي تشنها من الخارج ضد النظام المصري وإنهاء مظاهر الهجوم على الرموز والقيادات، في سياق ما يمكن اعتباره صفقة مفترضة خاصة بالإخوان.
ولم تتحرك الجماعة بمفردها في هذا الاتجاه، حيث أعلن عدد من القادة في حليفتها الجماعة الإسلامية قبولهم بالمصالحة التركية المصرية مع إبداء ما يشي بأن كيانهم على استعداد لمواكبة تلك المتغيرات عبر تقديم أنفسهم بشكل مختلف عما كانوا عليه بالماضي، ما يعني عزمهم على الاستفادة من التقارب نظير إجراء تغييرات تجعلهم
مقبولين في المرحلة التالية للمصالحة والتي تجمع بين تركيا ومصر التي ظلوا يناصبونها العداء.
وتنصل قادة الجماعة الإسلامية من عناوينهم وتوصيفاتهم القديمة، فلم يقدموا أنفسهم خلال بيان إعلان مباركتهم للمصالحة كونهم قادة لجماعة إسلامية، ولم يسموا قائدهم بوصفه رئيسا لمجلس شورى الجماعة، كما جرت العادة، إنما بوصفهم أعضاء بالهيئة العليا لحزب مصري سابق فضلا عن تسمية أسامة حافظ رئيس مجلس شورى الجماعة بوصفه رئيس مجلس حكماء هذا الحزب.
وكشفت تلك التفاصيل الدقيقة الغطاء عن خطط قادة الجماعة الإسلامية الهادفة لتجاوز فشل المرحلة الماضية التي تحالفوا فيها مع جماعة الإخوان عبر محاولة تأسيس حزب سياسي جديد بمرجعية إسلامية عوضا عن حزبهم القديم “البناء والتنمية” الذي صدر حكم قضائي بحظر نشاطه في مايو العام الماضي، وقدموا إشارات توحي بعزمهم إجراء تغييرات إصلاحية في كيانهم.
إصلاحات ومزايدات
دخول الإسلاميين على خط التقارب التركي المصري يؤشر لعدم رغبة النظام التركي فقدان ورقة جماعة الإخوان وحلفائها
وألمحت العناوين الجديدة التي استخدموها لإمكانية إقدامهم على الخطوة الصعبة التي تعنتوا في رفضها مسبقا، وهي تفكيك تنظيمهم الحركي والاستغناء عن الجماعة والاكتفاء بالعمل الحزبي في حال وافقت السلطات على تأسيسهم لحزب جديد.
وعزز بعض قادة الجماعة الإسلامية هذا الطرح بالترويج لآراء جديدة تمحورت حول ثبوت عدم جدوى تشكيل جماعات من نخب متدينة لتحقيق أهداف كبيرة بحجم تغيير الأنظمة وقيادة الأمة، وهذا يتطلب الانضواء داخل جموع الأمة لتحفيزها لتفرض بنفسها فعل التغيير، والترويج لآراء تنتقد مواقف وممارسات جماعة الإخوان وقادتها وتحملهم مسؤولية التسبب في الهزائم والانتكاسات التي حلت بعموم فصائل الحركة الإسلامية.
وزايد بعض قادة الجماعة الإسلامية على قادة الإخوان بهدف مغازلة القيادة التركية، كي لا تقدم أنقرة على تسليم قياداتها الهاربة والمطلوبين على خلفية قضايا إرهاب بمصر.
وبعد أن أبدى رئيس مجلس شورى الجماعة أسامة حافظ ترحيبه غير المشروط بالصلح المرتقب بين تركيا ومصر، انتقد عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة الهارب بتركيا منير ومساعيه لعرقلة التقارب بين أنقرة والقاهرة عبر طرحه لشروط خاصة بالجماعة مثل محاسبة المسؤولين عن الدم وحل أزمة المحبوسين، فضلا عن اتهامه لجماعة الإخوان بخيانة أردوغان وحزبه بمساندة حزب السعادة الإسلامي المحسوب على التيار الإسلامي في الانتخابات ضد العدالة والتنمية.
وكتب عبدالماجد على صفحته على “فيسبوك” أن الرئيس التركي يكاد ينفجر غيظا من تصرفات قيادات الإخوان في تركيا وتحديدا مجموعة محمود حسين التي ترتبط بعلاقات قوية مع حزب السعادة الذي ثبت تحالفه مع أحزاب المعارضة لإسقاط أردوغان في الانتخابات الماضية، ما أدى إلى سقوط عدد من مرشحي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية عام 2019 في أنقرة وإسطنبول وأنطاليا وأزمير.
نقطة ضعف
صراخ الإخوان مستمر
بيّنت التهدئة مع النظام المصري عبر إبداء العزم على التطوير وطرح إمكانية تفكيك التنظيم الحركي ومغازلة النظام التركي عبر المزايدة على قادة الإخوان وانتقاد مواقفهم، أن الجماعة الإسلامية تبعث برسائل مفادها أنها حريصة على أن تكون جزءا من حل المشكلة لا مصدرا لها، لتبدو أقرب للتماهي مع خط المصالحة بين الدولتين من جماعة الإخوان التي تصر على فرض شروطها، فضلا عن عدم إبداء أي مؤشر على التطوير لمواكبة المستجدات التي طرأت على الساحة.
ويفترض هذا التوجه لدى قادة الفصائل الإسلامية التي ارتبطت خلال السنوات الماضية بمحور راديكالي قادته أنقرة أن الأخيرة لن تتعدى مساحة ممارسة ضغوط على تنظيمات الإسلام السياسي بهدف ضبط خطابها وممارساتها على الأرض إلى إدارة الظهر لتلك الجماعات أو الاستغناء بشكل نهائي عن خدماتها.
ويجادل قادة هذا التيار في أن أردوغان الذي يتحرك من منطلق طموحات جيوسياسية كبرى جعلته حاضرا في مناطق عدة بأفريقيا وأدخلته في صراعات وعلاقات مضطربة مع الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية ودول شرق البحر المتوسط، ليس من السهل أن يتخلى عن أدوات نفوذه بشكل يمنح الفرص للقوى المناهضة للتنظيم الدولي للإخوان وحلفائه داخل الإسلام السياسي وفصائل السلفية الجهادية للإجهاز بشكل كامل عليه وعلى حضوره بالمنطقة.
ودخول الإسلاميين على خط التقارب التركي المصري يؤشر لعدم رغبة النظام التركي فقدان ورقة جماعة الإخوان وحلفائها، حيث تظل جماعة الإخوان مصدر فائدة لنظام أردوغان لاستخدامها ورقة ضغط في الملفات محل الخلاف والشد والجذب مع الطرف المصري، وفي مقدمتها أزمات: ليبيا وغاز شرق المتوسط والحدود البحرية.
دخول الإسلاميين على خط التقارب التركي – المصري يؤشر لعدم رغبة نظام أنقرة في فقدان ورقة جماعة الإخوان وحلفائها
ومسارعة قادة الفصائل الإسلامية إلى طرح مبادرات وتقديم تنازلات تنطوي على رسائل مؤداها تناغم الاستدارة التركية مع تنازلات الإسلاميين، ويعكس ذلك انسجاما بين الطرفين في سياق واحد، مؤداه انتشال جماعة الإخوان من حالة الفشل والجمود الملازمة لها منذ سنوات وإنهاء عزلة تركيا الإقليمية وإيجاد حلول واقعية لأزماتها في العديد من ملفات المنطقة.
وتكمن نقطة الضعف الحقيقية في العروض التركية الأخيرة في أكثر من اتجاه صوب أوروبا والمنطقة العربية في براغماتيتها وعدم مسها جوهر القضايا والملفات، خاصة ملف دعم واحتضان فصائل الإسلام السياسي الذي من شأنه إعاقة تحقيق تقدم فعلي في ملف المصالحات التي تطرحها أنقرة، واحتمال عودة مجددا من قبل أردوغان لمغامراته الإسلامية بالخارج فور تحسن وضعه الداخلي وتجاوزه انتخابات 2023.
وبالرغم من الإشارات التي ظهرت وتنطوي على تقليص دعم أنقرة لجماعة الإخوان، خاصة ما يتعلق بتخفيض مستوى خطاب القنوات الفضائية ونقله من خانة الهجوم إلى المهنية والموضوعية، لم يُطرح ملف التنظيم الدولي للإخوان الذي يلتزم أردوغان بدعم نشاطاته في مختلف بلدان العالم، وهو إحدى أهم أدواته في ساحات نفوذه التوسعية، ما قد يمثل رئة بديلة يتنفس منها هذا الإعلام داخل إحدى الدول الأوروبية بدعم غير مباشر من أنقرة.
ولا يعني التخفيف من حدة الخطاب التخفيف من مستوى الطموحات، كما أن ظهور الإسلاميين عبر مبادراتهم وعروض تنازلاتهم في مشهد المصالحة يشي بأن الاستدارة التركية تكتيكية للوصول للهدف النهائي من طريق آخر بعد الفشل في تحقيقه بالأدوات الخشنة.
ولن تتحقق الأهداف التركية الحالية المتمثلة في صياغة سياسة خارجية مختلفة وإيجاد حلول واقعية لأزمتها في شرق المتوسط بالشكل الذي يؤمله البعض بتغييرات هامشية دون الدخول في صلب الملفات التي سممت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ومصر.
وما لم يكن الرئيس التركي مستعدا وقادرا على تفكيك ارتباطاته بالتنظيم الدولي للإخوان ومتخليا عن طموحه التوسعي الذي دفعه لتشكيل هذا التحالف الإسلامي الممتد من أوروبا مرورا بالشرق الأوسط إلى أفريقيا وبعض دول آسيا، فإن المصالحة لن تجري في ظل وجود أردوغان بالسلطة وستختفي لغتها لتفسح المجال لتوترات جديدة.
المصدر : العرب اللندنية