كريتر نت – العرب
تشكل قرية ييرور التي تضم “شارع الخليج”، سُمي على اسم الآلاف من العمال، نموذجا عن الذين يغادرون ولاية كيرالا جنوب الهند كل عام للعمل بالشرق الأوسط. وفي أكبر هجرة عكسية منذ أكثر من خمسة عقود، عاد العمال من الخليج إلى ولاية كيرالا الساحلية،بسبب الجائحة التي أدت إلى تضاؤل أحلام تحقيق الثروات في الخارج والنهوض بمستواهم المعيشي الأسري.
وحيث كان من المفترض أن يعودوا إلى ديارهم أثرياء، حاملين الذهب والنظارات الشمسية والملابس والأموال لشراء المنازل، فقد عادوا الآن بخفّي حُنيْن، ومن بين هؤلاء العامل بمصنع الآلات سودهيش كومار، الذي أُجبر على العودة إلى العمل اليدوي في ييرور لتغطية نفقاته، وكذلك المصرفي السابق بينوج كوتابان الذي بدأ تربية الكلاب في عاصمة الولاية ثيروفانانثابورام.
ويقول إيرودايا راجان الأستاذ في مركز دراسات التنمية الذي درس أنماط الهجرة في ولاية كيرالا الواقعة في أقصى جنوب الهند “قبل الجائحة، كانوا أبطالا، والآن لا يملكون شيئا”. وأضاف “هذه هي المرة الأولى التي يعودون فيها مفلسين وينتهي بهم الأمر إلى الاقتراض وبيع الأصول”.
وتعد ولاية كيرالا إحدى الولايات التي ترسل أكبر عدد من العمال إلى الخليج، حيث ترسل ما يقرب من 2.5 مليون من أصل 6 ملايين هندي يعيشون بها. وتلقت حوالي 19 في المئة من 78.6 مليار دولار تم تحويلها إلى الهند من عمال في الخارج في عام 2018، وهي أعلى حصيلة ولاية في الدولة التي تعد أكبر متلق للتحويلات في العالم.
وتظهر البيانات الرسمية أن أكثر من 1.1 مليون شخص عادوا في الأشهر العشرة الماضية، فقد 70 في المئة منهم وظائفهم كعمال منازل وبنائين ونوادل وطهاة وغير ذلك، وقد أدى ذلك إلى قلب حياتهم وأسرهم وتوقفت الأعمال التي تعتمد على الهجرة بين الهند والخليج.
وقد أمضى كومار 22 عاما في الشرق الأوسط، وكان يعمل في مجال تشغيل الآلات لمعالجة مياه الصرف الصحي في مطار جدة في السعودية حيث كان يحصل على ثلاثة أضعاف متوسط أجر ولاية كيرالا.
وفي مارس العام الماضي عاد إلى منزله لفترة وجيزة، كما اعتقد ولكن تم إيقاف الرحلات الجوية في محاولة لاحتواء فايروس كورونا المستجد. والآن، وهو أب لطفلين، يقسم وقته بين العمل في المزرعة والعمل في مقلع الحجارة في قرية يبلغ عدد سكانها 13 ألف نسمة.
إيرودايا راجان: العمال عادوا مفلسين، ولجأوا للاقتراض وبيع ممتلكاتهم
وقال كومار لوكالة رويترز “خططت لحياتي عندما غادرت قبل 22 عاما. كانت لدي أحلام أي رجل عادي، منزل وتعليم جيد لأولادي”. ويضيف “لا أخجل من القيام بالأشغال الشاقة، لكن ما الذي أتى بي إلى هنا؟ ما الخطأ الذي ارتكبته؟”.
واضطر كومار إلى بيع سيارته وأرضه الزراعية لسداد قرض لمنزله المكون من أربع غرف نوم في “شارع الخليج”. وهو الآن يكسب 400 روبية (5.5 دولار) يوميا مقارنة بنحو 20 ألف روبية شهريا ثابتة في جدة مع إمكانية توفر عمل إضافي.
وخلال حرب الخليج قبل ثلاثة عقود والأزمة المالية لعام 2008، أُجبر العديد من العمال على العودة إلى ولاية كيرالا، لكن هذه المرة كانت الأعداد أعلى بكثير بينما سوق العمل أصبح أضيق من المعتاد.
ووفقا لبيان الحكومة الهندية، جذبت مبادرة وطنية توظف العائدين أكثر من 30 ألف عامل، نحو 80 في المئة منهم كانوا يعملون في البحرين والكويت وقطر والسعودية والإمارات وسلطنة عمان.
وعلى سبيل المثال، لم تكن شمنا خان التي تورمت ساقها اليمنى بشدة بسبب مرض الاستسقاء اللمفاوي، بحاجة أبدا إلى العمل لأن زوجها شافير كان يرسل ما يكفي من المال إلى المنزل من وظيفته في مركز تسوق في قطر. وقد حوّل الزوجان منزلهما المبني من الطين إلى خرسان، وزوداه بالبلاط وبنيا حماما داخليا، وكانت الأموال تكفي لعلاج ساق شامنا.
لكن بعد أن عاد شافير عاطلا عن العمل في مارس، سجلت شامنا في خطة الوظائف الريفية الهندية مقابل 300 روبية يوميا والتي تضمن 100 يوم عمل على الأقل في قريتهم مثل شق الطرق وحفر الآبار والخنادق في المزارع. وتقول شامنا وهي تحفر خندقا في مزرعة المطاط بالقرية “أنا سعيدة بالعمل لأنني أستطيع إعالة عائلتي، لكن ساقي معرضة للعدوى”.
ويشعر شافير، الذي يعمل في المحجر، بالقلق بسبب شعوره بحالة من عدم اليقين بشأن مستقبله، وأيضا بشأن قروضه غير المدفوعة وصحة شامنا. وقال شافير “لا يوجد عمل آخر هنا”.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، يعمل أكثر من 90 في المئة من العمال المهاجرين الهنود، معظمهم من العمال ذوي المهارات المتواضعة، في منطقة الخليج وجنوب شرق آسيا، وكان يتم توظيفهم وتوصيلهم بوكالات التوظيف وشركات السفر التي توفق بين العمال وأرباب العمل، ثم يتم حجز أماكن لهم على متن الرحلات الجوية وهو عمل مرهق كان يقوم به أجيمون ماك لمدة 14 عاما في عاصمة ولاية كيرالا.
وقال ماك، الذي انتقل إلى تجارة الأسماك وافتتح مؤخرا متجرا في ثيروفانانثابورام، “كانت التذاكر هي عملي الرئيسي، كان هذا شغفي وكنت مشغولا دائما. وأثناء الإغلاق، تراجع كل شيء إلى الصفر”.
كما اتخذ المصرفي السابق بينوج كوتابان مسارا جديدا بعد عودته من أبوظبي العام الماضي بعد تسريح العمال الذي قامت به شركة الخدمات المالية الخاصة به وقرر تحويل شغفه إلى تربية الكلاب. وقال “ما كنت لأفعل هذا أبدا لولا الوباء”.
ومع وجود خطط لفتح متجر لإكسسوارات الحيوانات الأليفة وحديقة للكلاب، ليست لديه خطط للعودة إلى الخليج، لكنّ آخرين يعدون الأيام حتى يتمكنوا من العودة. وقد بدأ كومار في الاتصال بالوكالات التي تبحث عن عمل في الخليج. وقال “لقد ضاعت مدخراتي والآن يبدو المستقبل قاتما. لم أعد أفكر في تحقيق ربح. أفكر فقط في العيش بسلام على مدار اليوم”.