كريتر نت – العرب
اللوبي السعودي في الولايات المتحدة وضع على رأس خطته التواصل بشكل مباشر مع أعضاء الكونغرس، ومع المسؤولين في الولايات الداخلية، وتقديم بيانات وتفاصيل عن التطورات التي يشهدها البلد الخليجي، والفرص التي تمنحها رؤية 2030، التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للاقتصاد الأميركي، يضاف إلى ذلك تبديد الغضب من حرب اليمن وقضية الأسلحة وقضية جمال خاشقجي.
ووقفت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود سفيرة السعودية لدى واشنطن، في موقف محرج بسبب الغضب من وقوف الرياض وراء انهيار أسعار النفط بعد حرب الأسعار التي اندلعت بينها وبين روسيا في مارس 2020، وذلك في قلب أزمة كورونا التي هزت العالم، ما ترك شركات النفط والغاز الأميركية في أزمة.
ومع انخفاض أسعار النفط، وجه أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون من الولايات المنتجة للنفط غضبهم مباشرة إلى السعودية، متسائلين عن أرباح النفط الصخري في بلادهم الذي تعرض إلى انتكاسة جديدة بسبب قرار الرياض إغراق السوق ما قد يؤدي إلى تهاوي الأسعار.
ومن أجل معالجة مخاوفهم، وافقت السفيرة ريما بنت بندر آل سعود على التحدث مع مجموعة منهم في مؤتمر عبر الهاتف يوم 18 مارس ووجدت نفسها على الفور واقفة أمام خط الهجوم، حيث انتقدها أعضاء مجلس الشيوخ بسبب دور بلادها في خفض أسعار النفط العالمية.
وقد صرح السناتور تيد كروز “تكساس غاضبة”. وعندما حاولت السفيرة الرد، رد عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ألاسكا دان سوليفان “مع كل الاحترام الواجب، لا أريد أن أسمع أي نقاط نقاش منك حتى تسمعي منا جميعا، أعتقد أن هناك 11 أو 12 عضوا يشاركون في المكالمة”.
تعامل اللوبي السعودي
بن فريمان: تبريرات اللوبي السعودي حول سوق النفط لم تلق آذانا صاغية
كان اللوبي السعودي في واشنطن متقلبا بالمثل في رد فعله على الغضب في الكابيتول هيل. كانت شركة هوغانلوفيلز، إحدى أكبر شركات الضغط السعودية بواشنطن، رائدة في استجابتها، حيث أرسلت بريدا إلكترونيا إلى الموظفين في مكاتب أكثر من 30 عضوا في الكونغرس مفادها “السعودية لم ولن تسعى إلى الإضرار عمدا بمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة”.
ومع ذلك، يقول بن فريمان هو، مدير مبادرة شفافية التأثير الأجنبي في مركز السياسة الدولية ومؤلف تقرير عن اللوبي السعودي ، يبدو أن جهود اللوبي لم تلق آذانا صاغية، حيث ظل بعض صانعي السياسة الأكثر تعرضا للضغط في واشنطن غاضبين من الرياض بسبب خفضها أسعار النفط.
وحتى بعد أن اتصل به أعضاء جماعات الضغط في هوغانلوفيلز شخصيا أكثر من مرة، دعا السناتور سوليفان إدارة ترامب إلى فرض رسوم جمركية على واردات النفط السعودية.
وهدد أعضاء جمهوريون آخرون في مجلس الشيوخ، كانوا قد دعموا سابقا مبيعات أسلحة بالمليارات من الدولارات إلى المملكة، بقلب التحالف الأميركي بأكمله مع السعودية رأسا على عقب. وحذر عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نورث داكوتا، كيفن كرامر من أن “الخطوات التالية للمملكة ستحدد ما إذا كانت شراكتنا الإستراتيجية ستدوم أم لا”.
وبحسب بريان شتاينر وليلى ريازي، وهما باحثان في تأثير الشفافية الأجنبية بمركز السياسة الدولية، يضاف النزاع على النفط إلى سلسلة التحديات التي يواجهها اللوبي السعودي في واشنطن في السنوات الأخيرة، بدءا من الحرب في اليمن إلى قضية خاشقجي، ويعتقدان أن كل تلك العناصر كانت كافية للكونغرس لإدارة ظهره للرياض.
وليس من المستغرب، في سلسلة من مشاريع القوانين من الحزبين التي أقرها مجلسا النواب والشيوخ، أن يكون الكونغرس قد ضغطلإنهاء الدعم العسكري الأميركي للسعودية في اليمن ووقف مبيعات الأسلحة لها.
ولحسن حظ اللوبي السعودي، كان لديه الرئيس دونالد ترامب، الذي تمت استمالته من قبل أفراد الأسرة الحاكمة في السعودية بأكثر الطرق شخصية، كشبكة أمان لاستخدام حق النقض ضد هذه القوانين.
ومع ذلك، وفي 2020، عندما اجتاحت أزمة كورونا الولايات المتحدة، كان من الواضح أن احتمالات إعادة انتخاب ترامب ضعيفة، وكذلك ضمان الحماية للسعودية من إجراءات الكونغرس الغاضب.
ما بعد ترامب
ما مصير العلاقات الأميركية السعودية في فترة حكم بايدن
السؤال الذي يُطرح الآن: ماذا ستفعل السعودية التي تمتلك الكثير من أموال الضغط ولكن بنفوذ متضائل في واشنطن في ظل رئاسة جو بايدن والكونغرس الديمقراطي؟
فمنذ أن أصبحت سفيرة في فبراير 2019، وجدت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان نفسها تقضي المزيد من الوقت مع أشخاص خارج بيلتواي (ولايات الحزام الداخلية)، لاسيما في الولايات التي اشتهرت بعلاقاتها العميقة مع السعودية. ومن ماين إلى آيوا إلى ألاسكا، بدأت السفيرة السعودية حملة تودد إلى “ماين ستريت أميركا”.
وفي يوليو الماضي، تحدثت في لقاء افتراضي استضافته شراكة دي موين الكبرى ومجلس التجارة الدولية في دي موين وهيئة التنمية الاقتصادية في ولاية أيوا. وكان من بين الحضور العديد من قادة الأعمال المحليين البارزين مثل كريغ هيل من مكتب مزرعة آيوا وجاي بايرز، الرئيس التنفيذي لشراكة دي موين الكبرى.
منذ أن باتت الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة لدى واشنطن في فبراير 2019، وجدت نفسها تقضي وقتا أطول مع أشخاص خارج بيلتواي لاسيما في الدول التي اشتهرت بعلاقاتها العميقة مع السعودية. ومن ماين إلى آيوا إلى ألاسكا، بدأت حملة تودد إلى “ماين ستريت أميركا”
وتضمن اللقاء أيضا بعض النجوم المتواضعين، حيث ألقى هول ديلانو روزفلت كلمة، وهو حفيد الرئيس فرانكلين دي روزفلت، والرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال الأميركي السعودي.
وكان من المنطقي أن يكون التركيز الرئيسي لخطاب السفيرة الأميرة ريما بنت بندر على “أهمية العلاقة التي استمرت 75 عاما بين السعودية والولايات المتحدة”. كما سلطت الضوء على التغييرات الرئيسية التي تجري في بلدها، وذلك بفضل “رؤية 2030” التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتهدف إلى تحديث وتنويع الاقتصاد القائم على النفط في المملكة.
وسرعان ما أصبحت مثل هذه اللقاءات التي تقدمها السفيرة نموذجا، من ذلك لقاؤها بلجنة التوجيه والشبكات النسائية التابعة لغرفة التجارة في ولاية آيوا.
ولم تكن ولاية أيوا فقط مركز الاهتمام السعودي. فقد بدأت السفيرة بإلقاء خطابات مماثلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وفي يوليو 2020، تحدثت السفيرة في لقاء افتراضي استضافه مجلس الشؤون العالمية في ماين، وحضره أكثر من 70 عضوا من مجتمع الأعمال في الولاية وعضو الكونغرس الديمقراطي السابق مايك ميشود.
وفي أوائل أكتوبر الماضي، خاطبت السفيرة مرة أخرى قمة وايومنغ العالمية للتكنولوجيا وأكثر من 80 من رجال الأعمال والسياسيين، وكان من بينهم الحاكم مارك جوردونوسينثيالوميس، التي تم انتخابها في مجلس الشيوخ في الشهر التالي. وفي الشهر ذاته تحدثت الأميرة إلى أكثر من 50 من قادة الأعمال المحليين في مجلس الشؤون العالمية في ألاسكا.
وركزت الأميرة ريما في كل لقاءاتها على أهمية خطة رؤية 2030 لولي العهد، ومدى أهمية تقوية العلاقة المستمرة منذ عقود بين الدولتين. وكان لكل من هذه اللقاءات شيء واحد مشترك: لقد تم تنظيمها جميعا والترويج لها من قبل وكلاء أجانب مسجلين في السعودية.
جماعات الضغط
على الرغم من المظاهر، فإن مثل هذه الأحداث لم تكن نتاج تخطيط دقيق من قبل الدبلوماسيين السعوديين أو السفيرة نفسها. لقد فعل السعوديون ما تفعله العديد من الحكومات الأجنبية هنا لجعل رسالتهم مسموعة. لقد استأجروا جماعات ضغط وشركات علاقات عامة.
وفي هذه الحالة، كانت هناك إحدى شركات الضغط مسؤولة إلى حد كبير عن الطريقة التي ينشر بها السعوديون الخبر بعيدا عن بيلتواي: وهي مجموعة لارسون شاناهانسليفكا.
وتصف مجموعة لارسون شاناهانسليفكا نفسها بأنها “شركة علاقات عامة وشؤون حكومية وشؤون عامة وتسويق من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) يقع مقرها الرئيسي في دي موين بولاية أيوا. وتضم مجموعة مهمة من العملاء، بما في ذلك وولمارت، وفورد موتور كمباني”.
ومع ذلك، لم تذكر شركة الضغط على موقعها على الإنترنت حجم العمل غير العادي الذي قامت به لتعزيز حضور السعوديين على مستوى الداخل الأميركي منذ توقيع عقد مع المملكة في نوفمبر 2019 بقيمة 126.500 دولار شهريا.
وفي إيداعات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، أفادت شركة الضغط هذه بإجراء أكثر من 1600 نشاط سياسي نيابة عن السعوديين أكثر من جميع الشركات الأخرى العاملة للسعوديين مجتمعة في عام 2020.
وعلى عكس شركات العلاقات العامة الأخرى التي تمارس الضغط من أجل السعودية، فإن عمل هذه المجموعة تم بشكل حصري تقريبا خارج واشنطن العاصمة.
ووصلت شركة الضغط إلى مجموعة واسعة من المؤثرين على مستوى الدولة والمحليين نيابة عن العائلة المالكة السعودية، بما في ذلك الشركات الصغيرة والسياسيون المحليون والشركات غير الربحية ووسائل الإعلام الخاصة بالبلدات الصغيرة والمعابد اليهودية وحتى طلاب المدارس الثانوية.
وسواء أدرك أي من هؤلاء الأميركيين ذلك أم لا، فقد تم التأثير عليهم في حملة لمنح السعوديين نفوذا على المستوى الأميركي وتمهيد الطريق لحملة إعادة تأهيل للعلاقات العامة السعودية في واشنطن العاصمة نفسها.
التوجه إلى الكونغرس
ليلى ريازي: حرب اليمن ومقتل خاشقجي دفعا الكونغرس لمناكفة الرياض
هناك نمط بسيط إلى حد ما للطريقة التي كان اللوبي السعودي يعمل بها لجذب الموقف الرسمي الأميركي. فقد أطلقت مجموعة لارسون شاناهانسليفكا حملة محلية، بما في ذلك المئات من المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني إلى المشرعين بالولاية وغرف التجارة وأساتذة الجامعات والشركات الصغيرة وأي شيء تقريبا أو أي شخص يمكنك تخيله بينهما.
وبعض هذه العلاقات خلقت فرصا للحظات إعلامية مؤثرة، على سبيل المثال، عندما أجرى المتحدث باسم السفارة السعودية فهد ناظر وهو وكيل سعودي سابق مسجل في قانون تسجيل الوكلاء الأجانب مقابلات مع إذاعة ساوث داكوتا العامة في أكتوبر الماضي وبرنامج ميشيغان الكبير في فبراير الماضي.
وأدت أنشطة الضغط الأخرى إلى إطلاق أحداث توعية سعودية مهمة، مثل مناقشات زوم في مراكز أبحاث فكرية، أو منتديات الأعمال، أو حتى الحوارات بين الأديان.
وعلى سبيل المثال، عندما ألقت السفيرة السعودية كلمة رئيسية في قمة وايومنغ العالمية للتكنولوجيا السنوية، قدم جون تيمتي، الذي يقود شبكة الأعمال التي تستضيف المنتدى، الأميرة ريما بنت بندر وأدار النفاش، وهو دور تم ترتيبه، على الأرجح، في سياق مكالمات ورسائل البريد الإلكتروني لمجموعة لارسون شاناهانسليفكا خلال الأسبوعين السابقين.
وبعد خمسة أيام، وأثناء مخاطبة لجنة التوجيه والشبكات النسائية بغرفة التجارة في سيوكسلاند، تم تقديم السفيرة من قبل ليندا كالين مديرة مركز مراقبة السموم في آيوا، وهي عضو اتصال آخر بمجموعة لارسون شاناهانسليفكا. وبهذه الطريقة، تواصل شركة الضغط بشكل فعال تحويل رواد الأعمال المحليين ومسؤولي الصحة العامة إلى سفراء مجتمعيين للمملكة.
ومثل هذه الفرص التي يوفرها اللوبي ليست مجرد وسيلة للبيروقراطيين السعوديين للقاء قادة الأعمال المحليين، فهي توفر فرصة مثالية لجماعات الضغط المدعومة من السعودية لبدء إعادة بناء العلاقات في واشنطن التي تضررت جراء هبوط أسعار النفط، والحرب المدمرة في اليمن، ومقتل جمال خاشقجي.
ومع تزايد الضغوط على الرياض مع استلام بايدن للسلطة، تولت شركة هوغانلوفيلز، إحدى مجموعات الضغط الرئيسية للسعوديين في واشنطن، زمام الأمور.
وبالإضافة إلى تدوير الرواية السعودية حول الحرب في اليمن، تعمل هوغانلوفيلز على تحويل جهود مجموعة لارسون شاناهانسليفكا الحكومية والمحلية إلى رأس مال سياسي في الكونغرس.
ومن خلال تسليحها بملخصات من صفحة واحدة لمثل هذه الحوارات من ولاية ماين إلى ألاسكا، كانت شركة الضغط تروج لرؤية الدعم الأميركي الشعبي للعلاقة الأميركية السعودية داخل بيلتواي.وتبرز الملخصات التي ترسلها الشركة العديد من نفس الأشخاص الذين تتصل بهم مجموعة لارسون شاناهانسليفكا لأول مرة.
وتم تصميم رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بها لكل مكتب من مكاتب الكونغرس التي تتصل بها، مع ذكر القضايا وأصحاب المصلحة المحليين ذوي الصلة بأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب المقصودين.
وعلى سبيل المثال، أرسلت الشركة رسالة بريد إلكتروني إلى طاقم السناتور الجمهوري سوزان كولينز من ولاية ماين أشادت بمنتدى السفيرة السعودية في يوليو في مجلس الشؤون العالمية في تلك الولاية، ووصفت اهتمام السفيرة بمعرض فني سعودي معاصر عرضته كلية بيتس المحلية، وأشارت إلى مايك ميشود، عضو الكونغرس السابق، حضر الحفل.
السعودية تمتلك الكثير من أموال الضغط ولكن بنفوذ متضائل في واشنطن في ظل رئاسة بايدن والكونغرس الديمقراطي
وفي فبراير الماضي، بعد أن خاطبتالسفيرة السعودية مجلس الشؤون العالمية في هيوستن الكبرى، أرسلت شركة هوغانلوفيلز بريدا إلكترونيا إلى مكتب السناتور الجمهوري جون كورنين للتأكيد على ملاحظاتها حول التعاون الأميركي السعودي في مجال الطاقة والتكنولوجيا واستكشاف الفضاء في ولايته.
وبالطبع، لا بد من لفت النظر إلى توظيف اللوبي السعودي الورقة الاقتصادية الجذابة للمستثمرين ورجال الأعمال الأميركية، بالتركيز على اقتصاد المملكة المتنوع، من ذلك بيع الفرص الاقتصادية المستقبلية لمزارعي ولاية أيوا، ومصنعي ساوث داكوتا، وفرص السياحة المثيرة (على الرغم من الوباء)، فضلا عن توسيع حقوق المرأة كرد على التهم الجاهزة تجاه السعودية.
ومن خلال تجنيد أعضاء المجتمع الموثوق بهم في جميع أنحاء الولايات المتحدة للمساعدة في الترويج لأفضل صورة ممكنة للبلد الخليجي، يصعد اللوبي السعودي في اللايات المتحدة بشكل متزايد.
وفي الوقت الذي تدرس فيه إدارة بايدن والكونغرس مستقبل الشراكة الأميركية السعودية، وتلوح بمراجعة بعض عناصرها، لا ينبغي الاستهانة بقيمة هذا اللوبي وتأثيره بالرغم من الحملات المضادة بسبب حرب اليمن وقضية خاشقجي.
ونظرا لأن المشرعين ينظرون بشكل أكثر تشككا إلى الادعاءات القائلة إن المصالح الأمنية الأميركية والسعودية لا تزال متوافقة، فإن اللوبي السعودي يعد بمشاركة الأرباح المستقبلية في الوثائق ورسائل البريد الإلكتروني التي تشيد بالعلاقات التجارية التاريخية بين ميشيغان والسعودية أو تصف المملكة بأنها “الشريك المصدر الأسرع نموا لجنوب داكوتا”.