كريتر نت – BBC عربية
يعيش المصريون العاملون في قنوات المعارضة، التي تبث من تركيا، حالة من الترقب والقلق بعد إعلان أنقرة نيتها إرسال وفد رسمي رفيع المستوى يضم نائب وزير الخارجية التركي إلى القاهرة، لإطلاق مفاوضات تهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
ويأتي ذلك بعد نحو ثمانية أعوام من القطيعة التي سببها دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، بعد لجوء قياداتها إلى إسطنبول إثر الإطاحة بحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي عام 2013.
ويتساءل هؤلاء هل ستغلق تركيا هذه القنوات وتطرد العاملين فيها أم أنها سترحلهم أو تسلمهم لبلدهم؟ ورغم استبعاد العديد من المسؤولين الأتراك مثل هذه السيناريوهات لكن القلق لا يزال يساور بعض هؤلاء.
ويقول موظف مصري بارز في قناة “مكملين” المصرية المعارضة، التي تبث من تركيا، أن مسؤولين كبارا يتبعون جهات سيادية تركية، قد أبلغوا مدراء ثلاث قنوات تلفزيونية معارضة تبث من إسطنبول، أنه “لم يعد مسموحاً لهم توجيه أي نوع من الانتقادات لا عبر نشراتهم ولا من خلال برامجهم للرئيس السيسي أو للحكومة المصرية أو للسياسة المصرية”.
يقول ذلك الموظف لبي بي سي نيوز عربي، والذي اشترط عدم ذكر اسمه، إن الخبر وقع كالصاعقة على قطاع واسع من العاملين في قنوات (وطن – مكملين – الشرق)، وهم في معظمهم معارضون لحكم السيسي، وينتمون لتيارات بعضها إسلامية وأخرى ليبرالية، لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال تم بالفعل تحقيق تقدم في ملف تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة.
وأكد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن وفداً رسمياً تركياً سيتوجه إلى مصر في الأسبوع الأول من شهر مايو/ أيار المقبل، وذلك بناء على دعوة رسمية وجهتها القاهرة.
وقال الموظف في قناة “مكملين” إن المسؤولين الأتراك رفضوا بحث أي مقترحات بشأن إمكانية التوصل إلى مقاربات أو صياغات تمكن تلك القنوات من التحرك بنوع من المرونة في التعبير عن رفضها لسياسات مصر الرسمية، والتي “من أجلها تركوا أرضهم وذهبوا إلى تركيا” بعد الإطاحة بمرسي عام 2013.
وشهد ذلك العام بداية توتر العلاقات المصرية التركية، واستدعاء أنقرة سفيرها في القاهرة، وهو ما ردت عليه مصر بالمثل، وصولا إلى اعتبار الطرفين سفير كل منهما لدى الآخر شخصاً غير مرغوب به، إلا أن سفارتي البلدين لم تغلقا أبوابهما، واستمرت بالعمل بمستوى تمثيل منخفض طوال الأعوام الثمانية الماضية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي التركي، علي أوزتورك، إن “التقارب المصري التركي لم يتحقق بعد” لكن لديهما رغبة مشتركة، وأشار إلى أن تقارير كثيرة تحدثت عن اجتماعات استضافتها دول أوروبية بين ممثلين عن جهازي الاستخبارات التركي والمصري، قبل أن يبادر الرئيس التركي بالإعلان عن وجود اتصالات أمنية بين البلدين.
ويضيف أوزتورك إن حل الخلافات القائمة بين البلدين ليس أمراً مستحيلاً، فصيغ توافقية كثيرة طُرحت للتوصل إلى مقاربات، بعضها تمت الموافقة عليها من بينها تهدئة الخطاب الإعلامي في البلدين، وعدم الوقوف في وجه بعضهم البعض في المحافل والمنصات الدولية، ثم التوافق بشأن دفع الأمور قدماً في ليبيا وصولاً لإجراء انتخابات عامة نهاية العام الحالي.
وأوضح أوزتورك أن ما ذكر في بعض وسائل الاعلام عن تعهدات تركية بسحب قواتها والعناصر المسلحة الأجنبية التابعة لها من ليبيا، وعدم انشاء أي قواعد عسكرية على الأرض الليبية، قد يكون ممكناً إذا كان ثمن ذلك مجزيا بالنسبة لأنقرة.
مطالب متبادلة
المصادر الدبلوماسية أكدت لبي بي سي نيوز عربي، أن اتفاقا جرى بين البلدين على تشكيل لجان متخصصة أمنية وسياسية واقتصادية، لبحث ملفاتٍ طالب كل بلد بإدراجها.
ومن بين مطالب مصر تسليم المطلوبين من جماعة الإخوان الموجودين في تركيا، ولا سيما أن المطلب التركي بالإفراج عن الرئيس مرسي، بات لا معنى له بعد وفاته في محبسه في يونيو/ حزيران ٢٠١٩.
ويلفت بعض المراقبين إلى حقيقة حصول عدد كبير من العناصر المعارضة المصرية الموجودة في تركيا على الجنسية التركية، وهي من بين الأخطاء التي ارتكبتها السلطات المصرية، برفضها تجديد جوازات سفرهم التي غادروا بها مصر في عام 2013.
كما أن لجاناً أخرى ستبحث في سن تشريعات أو إصدار قرارات، تحظر على أي حزب أو جماعة ممارسة أنشطة تعادي مصر انطلاقا من تركيا، وكذلك ستفعل مصر.
ولكن لماذا؟
ويقول الكاتب والمحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، إن الطرفين لديهما مصلحة في إحراز تقدم في ملف تطبيع العلاقات بينهما. فمصر تحاول من خلال تقاربها مع تركيا أن تضغط على حلفائها الذين تنكروا لها في مشروع مد خط نقل الغاز البحري “إيست ميد” من شرق المتوسط وحتى أوروبا، والذي تم استبعاد مصر منه، موضحا أن التقارب مع تركيا قد يكون خطوة تكتيكية لإجبار هذا التكتل على وضع مصر ضمن حساباتهم في مشاريع الغاز.
ورأى رضوان أوغلو، أن تركيا تريد استخدام الورقة المصرية للضغط بقوة على جارتها اليونان للجلوس إلى طاولة التفاوض وتقديم تنازلات حقيقية، وحسم الملفات الخلافية في المتوسط وبحر إيجة.
آفاق واعدة
البلدان هما من أبرز القوى الإقليمية وتربطهما علاقات تاريخية عميقة، ويواجهان أزمات متشابهة برأي كثيرين، سواء الاقتصادية منها والانهيار الذي لحق بعملتيهما المحليتين في السنوات الأخيرة، أو البرود في علاقاتهما مع واشنطن ورفض الأخيرة بيعهما أحدث طائراتها المقاتلة من طراز F-35 في وقت تشهد علاقاتهما بموسكو دفئاً مقلقاً للغرب.
كما أن المخرج الوحيد لأزماتهما برأي مراقبين، يكمن في شرق البحر المتوسط، حيث الاحتياطات المهولة من الغاز، وتوقيع اتفاقيات ترسيم لمناطق الصلاحيات البحرية بين البلدين، وتوقيع اتفاقيات أكثر أهمية تتعلق بالتنقيب والتصدير والاستثمار تبعاً لإمكانيات تركيا وقدرات سفنها في البحث والتنقيب.
أخيراً فإن كثيرين هنا يرون أن التقارب المصري التركي، لن يعود بالضرر بأي شكل من الأشكال على البلدين، بقدر ما سيفتح نوافذ فرص للحديث عن تحالفات جديدة وفرص استثمار وقوة مؤثرة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها في منطقة شديدة التعقيد والحساسية والأهمية بكل المقاييس.