الوعد بالعمل لاستعادة الوحدة الوطنية في الداخل وسط انقسام خطير وصل حد العنف
رفيق خوري
الرئيس جو بايدن تمسك بالتقليد السائد منذ الرئيس فرانكلين روزفلت: تقديم حساب عما فعله في المئة يوم الأولى من رئاسته.
وهو بدا منذ اليوم الأول لوصوله البيت الأبيض مثل العائد إلى بيته. كان المكان أليفاً على مدى ثماني سنوات من نيابة الرئاسة، وأركان الإدارة جاهزين. كذلك الأفكار والقرارات العاجلة. ولم يكن إلغاء عدد من القرارات التي اتخذها سلفه دونالد ترمب سوى بداية سريعة. ولا كان ما أنجزه في مئة يوم قليلاً، سواء على الصعيد الداخلي أو على المستوى العالمي، من تسريع التلقيح ضد “كوفيد-19” إلى تمرير مشروع في الكونغرس لتنشيط الاقتصاد بإنفاق 1.9 تريليون دولار، على أمل الموافقة على مشروع آخر لتجديد البنية التحتية وضمان ملايين فرص العمل بمبلغ تريليوني دولار. ومن تطمين الحلفاء والأصدقاء إلى تجديد الالتزامات الأميركية التي هزّت الثقة بها سياسة “أميركا أولاً “وتصوير القوات الأميركية كأنها “قوة للإيجار” إلى التركيز على التحديات التي تشكّلها الصين وروسيا أولاً وإيران وكوريا الشمالية ثانياً.
لكن الامتحان الكبير ليس في مئة يوم بل في ألف يوم وأكثر في مادتين مهمتين: الأولى هي الوعد بالعمل لاستعادة الوحدة الوطنية في الداخل، وسط انقسام خطير وصل حدّ العنف. والثانية استعادة القيادة الأميركية في العالم والثقة الخارجية بثبات الالتزامات الأميركية.
وهذا امتحان لا يزال مفتوحاً. فالردّ الجمهوري، بحسب التقليد، على خطاب بايدن الأول أمام الكونغرس حمل كالعادة نقداً شديداً لما فعله في الداخل وتوصيفه بأنه “كارثي”. غير أنه تركّز على نقطة أساسية هي اتهام الرئيس بأنه عمل بالانفراد مع الديمقراطيين من دون خطوات عملية للتشاور مع الجمهوريين والسير على طريق الوحدة الوطنية التي شدد عليها في خطاب التنصيب.
والمسؤولية هنا ليست على عاتق بايدن بمقدار ما هي على عاتق الجمهوريين الذين مشوا في الصف خلف ترمب، مع أنه حرّض الغوغاء على مهاجمة الكونغرس وهو ما هدد حياة المجتمعين. لا فقط أعضاء الحزب الديمقراطي، وفي طليعتهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بل أيضاً أعضاء الحزب الجمهوري.
وكانت العين حمراء بالذات على مايك بنس، نائب ترمب الذي رفض طلب رئيسه الاعتراض على نتائج الانتخابات وزعيم الجمهوريين ميتش ماكونيل الذي هاجمه الرئيس السابق، لأنه اعترف بانتخاب بايدن.
لكن الكل أسرى وضع انقسامي ليس له حل سريع. ففي مقال نشرته “فورين أفيرز” ضمن محور عنوانه “انحدار وسقوط: هل تستطيع أميركا القيادة ثانية؟”، يرى جوناثان كيرشنر، أستاذ العلوم السياسية في كلية بوسطن “ظل ترمب الطويل” فوق أميركا و”نهاية الصدقية الأميركية”.
لماذا؟ يقول كيرشنر إن انتخاب ترمب في المرة الأولى عام 2016 بدا “صدفة أو ضربة حظ”. أما في انتخابات 2020، فإن فضائحه التي تكفي لإنهاء حياة أي سياسي في أميركا لم تؤثر فيه، إذ “انتخبه 74 مليوناً، أي أكثر بـ 8 ملايين من الانتخابات الماضية”. وهذا يعني “أن ترمب هو أميركا أو أقله قسم كبير منها”. وبكلام آخر، فإن المشكلة عميقة جداً في المجتمع الأميركي، وهناك “دور كبير للترمبية سواء عاد الرئيس السابق إلى البيت الأبيض أو لا”.
في المادة الثانية، كان بايدن واضحاً جداً. أعلن “أن أميركا عائدة إلى القيادة وإلى رأس الطاولة، لا فقط بمثال قوتنا بل أيضاً بقوة مثالنا”.
تحدث عن العودة إلى الدبلوماسية كسلاح أساسي. وركّز في خطاب المئة يوم على “وجود عسكري قوي في منطقة المحيطين الهندي والباسيفيكي على غرار أوروبا والحلف الأطلسي”. والهدف “ليس بدء أية مواجهة بل تجنب حصولها”. واعتبر أن بلاده في سباق مع الصين وروسيا ودول أخرى من أجل “الفوز بالقرن الحادي والعشرين”. والمسألة ليست بسيطة.
في المقابل، ترى جيسيكا ماتيوز، رئيسة وقفية كارنيغي للسلام العالمي سابقاً، أن “أميركا تغيرت والعالم تغير، والعودة إلى ما قبل ترمب مستحيلة”. ففي عالم معولم “سمعة أميركا ضعيفة، ولا ثقة بقيادتها في العالم”. وسياسة أميركا الخارجية “يجب إعادة صنعها، لا استعادتها”. أي أن المشكلة في المثال الأميركي.
والسؤال هو: أية فرصة لنجاح سياسة بايدن حول “مواجهة أخطار إيران وكوريا الشمالية بالدبلوماسية؟” هل يكفي الردع لتغيير المواقف؟ وكيف يطمئن العالم إلى ثبات الالتزامات الأميركية إذا كان كل رئيس يستطيع تغيير سياسة الرئيس الذي سبقه؟ جواب مارك ليونارد، مدير “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” هو “إذا كنت تعلم أنه مهما فعلت، فسيبقى فقط حتى الانتخابات المقبلة، فإنك تفكر باحتمالات عدة”.
ومعادلة التنافس والتعاون والمواجهة في الصراع تختلف اليوم عما كانت عليه أيام الحرب الباردة بين الجبارين.
نقلا” عن أندبندنت عربية