كريتر نت – باريس
أحرج مقال ثان وضعه عسكريون فرنسيون للتوقيع ولقي استجابة غير منتظرة الحكومة الفرنسية التي سارعت للتنديد بما جاء فيه. وينتقد العسكريون الفرنسيون، وبينهم من هم في الخدمة الآن، قصور إستراتيجية حكومتهم في مواجهة الإرهاب الإسلامي.
وبعد نشر مقال أول أثار جدلا كبيرا في فرنسا ويواجه بعض موقعيه عقوبات، أصدرت مجلّة “فالور أكتويل” المحافظة المتشددة مقالا جديدا “من أجل بقاء بلادنا”، كتبه هذه المرة عسكريون في الخدمة لم يفصحوا عن أسمائهم وانتقدوا فيه تعامل حكومة بلادهم مع المتطرفين الإسلاميين و” تقديم تنازلات” لهم على الأراضي الفرنسية بينما تتم محاربتهم في الخارج.
و حصد النص في منتصف النهار أي بعد ساعات قليلة على نشره نحو 110 آلاف توقيع، ما يؤشر على أن عددا كبيرا من الفرنسيين يتبنون ما جاء فيه.
وكتب أصحاب المقال معرّفين عن أنفسهم “نحن من أطلقت عليهم الصحف اسم ‘جيل النار’. رجال ونساء، عسكريون قيد الخدمة من جميع القوات وجميع الرتب العسكرية، من جميع التوجهات، نحن نحب بلادنا. هذا هو إنجازنا الوحيد. وإن كان لا يمكننا طبقا للتنظيمات التعبير عن رأينا مكشوفي الوجه، فلا يسعنا كذلك لزوم الصمت”.
وكتبوا “سواء في أفغانستان أو مالي أو أفريقيا الوسطى أو مواقع أخرى، واجه عدد منّا نيران العدو. وبعضنا خسر فيها رفاقا ضحّوا بحياتهم للقضاء على النزعة الإسلامية التي تقدمون لها تنازلات على أرضنا”.
وأكدوا “عرفنا جميعا تقريبا عملية ‘سانتينيل”’ التي تم نشرها غداة اعتداءات 7 و8 و9 يناير 2015 للتصدي للخطر الإرهابي في فرنسا.
وتابعوا “شاهدنا خلالها بعيوننا في الضواحي المهملة الترتيبات مع الجانحين. تعرضنا لمحاولات استغلال من عدة مجموعات دينية لا تعني لها فرنسا شيئا عدا كونها موضع سخرية وازدراء، بل حتى كراهية”.
وجاء في المقال الموجه إلى الرئيس إيمانويل ماكرون والوزراء والنواب وكبار الموظفين “تحركوا (…) الأمر لا يتعلّق هذه المرة بمشاعر رهن الطلب أو صيغ مبتذلة أو أصداء إعلامية. ليس المطلوب تمديد ولاياتكم أو الفوز بولايات أخرى. بل ما هو على المحك هو بقاء بلادنا، بلادكم”.
وأوضح أصحاب المقال أنهم “انتسبوا مؤخرا إلى السلك” العسكري ولا يمكنهم “طبقا للتنظيمات” إبداء رأيهم “مكشوفي الوجه”.
وعلق وزير الداخلية جيرالد دارمانان الإثنين على المقال فندد بـ”مناورة فظّة”، منتقدا افتقار أصحاب النص إلى “الشجاعة”. وقال ساخرا “إنهم أشخاص مجهولو الهوية. هل هذه شجاعة ألاّ يفصحوا عن هوياتهم؟”.
وأضاف “كم هو غريب ذاك المجتمع الشجاع الذي يعطي الكلام لأشخاص لا يكشفون هوياتهم. وكأننا على شبكات التواصل”.
و صرّح ضابط رفيع في هيئة الأركان العامة أن “تذكيرا حازما سيصدر عن القيادة حول احترام واجب التحفّظ” لأن “البعد عن السياسة هو مصدر مصداقيتنا والتلاحم هو مصدر قوّتنا”.
وتابع الضابط الرفيع “من الممكن أن تكون لدينا قناعات شخصية لكن الجيوش خارج إطار السياسة وولاؤها مطلق للرئيس المنتخب، وهي خاضعة لقائد الجيوش”، مشددا على ضرورة تحلّي الخارجين من السلك العسكري بحسّ المسؤولية.
فرنسوا بيلامي: توصيف العسكريين للوضع في فرنسا دقيق للغاية
وكانت المجلة نشرت في 21 أبريل مقالا أثار صدمة ناشد فيه “نحو عشرين جنرالاً ومئة ضابط رفيعي المستوى وأكثر من ألف عسكري آخرين” الرئيس ماكرون الدفاع عن الحس الوطني، مبدين “استعدادهم لدعم السياسات التي تأخذ في الاعتبار الحفاظ على الأمة”.
وأثار ذلك المقال جدلا حادا داخل الطبقة السياسية، فندد البعض بنص أشبه بدعوة إلى التمرد، فيما حيّا آخرون انتفاضة ستنقذ البلاد.
وأدان حينها رئيس الوزراء جان كاستيكس ما اعتبره مبادرة “تخالف كل مبادئنا الجمهورية”، واتّهم التجمّع الوطني الذي دعا الموقّعين إلى دعمه، بالسعي لاستعادة مكانة سياسية مفقودة.
لكن بعضا من اليمينيين جددوا الإثنين تأييدهم للمقال الجديد واعتبروا أن توصيفه “دقيق”، وفق النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي فرنسوا – كزافييه بيلامي.
ومن جهته اعتبر النائب عن “الجمهوريين” جوليان أوبير أن المقال هو “جرس إنذار جدي”.
وفي المقابل، تساءل الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند في تصريح لإذاعة فرانس إنتر “كيف يمكن لأحدهم أن يشيع اعتقادا بأن الجيش سيتأثر بتلك المشاعر وبنية التشكيك بمبادئ الجمهورية”.
ويرى مراقبون أن أهمية المقالين تكمن في أنهما صارا يعكسان وجهة نظر شعبية سائدة وأن الضجة التي أثيرت تعبر عن غليان سياسي واجتماعي أكثر مما تتحدث عن موقف الجيش من التطرف الإسلامي.
ورغم المجهودات الحكومية في محاربة التطرف الإسلامي وحواضنه الأيدولوجية والتي باتت أكثر صرامة على إثر ذبح المدرس صامويل باتي على يد إسلامي من أصول شيشانية ما زالت شريحة كبيرة من السياسيين وقادة الرأي في فرنسا تنظر إلى هذه الإجراءات على أنها ليست كافية وأن غاياتها الأساسية انتخابية بحتة بالنسبة إلى الرئيس ماكرون، فيما تتبنى زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان هذه الفرضية بقوة.
ويطالب هؤلاء بتحييد “المعركة الوطنية ضد الإرهاب” عن الأجندات السياسية والحسابات الانتخابية، مشيرين إلى أن التطرف الإسلامي يهدد علمانية فرنسا وديمقراطيتها في الصميم. وتشهد فرنسا عمليات إرهابية بشكل دوري يشنها إسلاميون ممن يصنفون “ذئابًا منفردة”، حيث تمكن تنظيما القاعدة وداعش من تجنيد المئات من الفرنسيين عاد الكثير منهم إلى فرنسا بعد تراجع حدة القتال إثر انهيار تنظيم داعش في العراق وسوريا.
ويمثل الجهاديون العائدون من بؤر التوتر عنصر قلق كبير لدى أجهزة الاستخبارات الفرنسية كما السياسيين المنقسمين بشأن كيفية التعامل معهم.
المصدر : العرب اللندنية