كريتر نت – بيروت
دخلت العلاقات اللبنانية – الخليجية أزمة خطيرة يتوقع أن تكون لها انعكاسات في غاية السوء على العلاقات بين الجانبين وعلى اللبنانيين العاملين في الخليج.
وتعتبر الأزمة الأولى من نوعها منذ استقلال لبنان عام 1943، وهي تطرح مصير المواطنين اللبنانيين العاملين في دول الخليج البالغ عددهم نصف مليون مواطن من بينهم 300 ألف في السعودية وحدها.
وتسبّبت في الأزمة تصريحات مهينة لدول الخليج ومجتمعاتها وجّهها وزير الخارجية في الحكومة اللبنانية المستقيلة شربل وهبة المحسوب على رئيس الجمهوريّة ميشال عون وصهره جبران باسيل رئيس التيّار الوطني الحر.
وطالب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح مبارك الحجرف وزير الخارجية اللبناني بإصدار اعتذار رسمي لدول المجلس “نظير ما بدر منه من إساءات غير مقبولة على الإطلاق”.
سمير جعجع: وهبة صار وزير خارجية حزب الله بدلَ أن يكون وزير خارجية لبنان
ورأى سياسيون لبنانيون أنّ صدور بيان عن رئاسة الجمهورية اللبنانية لم يوجه أي انتقاد للوزير وهبة مكتفيا بتوضيح أن ما قاله “رأي شخصي” يشكل غطاء لوزير الخارجية.
وقال بيان صادر من المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية إن “ما صدر عن وزير الخارجية (…) يعبر عن رأيه الشخصي، ولا يعكس في أي حال من الأحوال موقف الدولة اللبنانية ورئيسها العماد ميشال عون الحريص على رفض ما يسيء إلى الدول الشقيقة والصديقة عموما، والمملكة العربية السعودية ودول الخليج خصوصا”.
يذكر أن شربل وهبة أمضى 13 عاما من حياته الدبلوماسية سفيرا للبنان في فنزويلا حيث كان على علاقة وثيقة بنائب رئيس الجمهورية السابق طارق العيسمي، وهو من أصل سوري، وفرضت عليه عقوبات أميركية بسبب علاقاته القويّة بحزب الله.
وكان وهبة ظهر في برنامج تلفزيوني على فضائية “الحرّة” التابعة للحكومة الأميركية ودافع بقوّة عن حزب الله وسلاحه بعدما هاجم المحلّل السياسي السعودي سلمان الأنصاري المشارك في البرنامج الحزبَ واتهمه بالهيمنة على القرار اللبناني.
وانتقل وزير الخارجية اللبناني بعد ذلك إلى اتهام دول الخليج العربي بأنّها وراء دخول داعش إلى سوريا والعراق. ولوحظ أنّه لم يسمّ تلك الدول بالاسم مكتفيا بوصفها بـ”دول المحبّة”، لكنه انتقل بعد ذلك إلى ازدراء “البدو” وهو ما اعتبره المسؤولون الخليجيون إهانة لمجتمعات دولهم.
وفي حين أجمع السياسيون اللبنانيون، وفي مقدّمتهم رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري، على إدانة كلام وزير الخارجية استدعت وزارة الخارجيّة السعودية السفير اللبناني في الرياض وسلّمته رسالة شديدة اللهجة تستنكر الكلام الصادر عن شربل وهبة الذي ليس في الأصل سوى أستاذ مدرسة استطاع الالتحاق بوزارة الخارجية وصولا إلى موقع سفير محسوب مباشرة على ميشال عون.
واعتبر المكتب الإعلامي للحريري في بيان أن كلام وهبة “لا يمت للعمل الدبلوماسي بأي صلة، وهو يشكل جولة من جولات العبث والتهور بالسياسة الخارجية التي اعتمدها وزراء العهد، وتسببت بأوخم العواقب على لبنان ومصالح أبنائه في البلدان العربية”.
وقال سياسي لبناني إن رئيس الجمهورية وجد نفسه في وضع حرج في ضوء تصريحات وزير الخارجية وسيجد نفسه مضطرا إلى دفعه إلى الاستقالة بالتفاهم مع رئيس الوزراء المستقيل حسّان دياب.
وكان وهبة أصدر، بعد ساعات قليلة من تصريحه، بيانا قال فيه إنه “فوجئ بتفسيرات وتأويلات غير صحيحة لكلامه”.
ونفى أن “يكون تناول الأشقاء في دول الخليج”، وأضاف أنه “لم يتطرق إلى تسمية أي دولة”.
وتشير تصريحات وهبة إلى أن قسما من اللبنانيين، وهم شعب متحفظ بطبعه عندما يتعلق الأمر بمصالحه، صار يعتقد أن لا عودة للخليج إلى لبنان، وأن مصير لبنان إيرانيٌّ.
واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات من شأنها أن تدق الإسفين بين لبنان ودول الخليج في الوقت الذي تعيش فيه العلاقة بين الطرفين حالة من التوتر الصامت بسبب انحياز أغلب النخبة في لبنان إلى حزب الله ومن ورائه إيران، لافتين إلى أن هذا الاصطفاف لم يراع مصالح البلاد الخارجية والعلاقة مع الخليجيين وخاصة السعودية.
وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن الخليجيين، على المستوى الشعبي، باتوا ينظرون إلى لبنان على أنه لم يعد يستحق الدعم ولا الأموال ولا الاستثمارات الخليجية طالما أن مزاجه العام بات داعما لسلاح حزب الله ولإيران بالرغم من عدائها للسعودية وتهديدها الأمن القومي الخليجي في مناطق مختلفة بينها لبنان واليمن والبحرين وسوريا والعراق.
ولم تعد السعودية تتحمس للبنان ولا لدوائر لبنانية بعينها في معركة التوازن مع حزب الله وإيران، وهو ما بدا واضحا في تراجع ثقة الرياض في سعد الحريري والرهان عليه. كما أنها باتت تذكّر اللبنانيين، الذين يذهبون إليها بحثا عن الدعم، بفاتورة الدعم الكبيرة التي قدمتها في السابق دون نتائج.
وكان الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي قد ذكّر اللبنانيين بهذه المعادلة حين قال في يناير من العام الماضي “لطالما كنا الطرف البنّاء والمفيد، نحن نرسل السياح إلى لبنان، وإيران ترسل الإرهابيين، نحن نرسل رجال الأعمال، وإيران ترسل المستشارين العسكريين، نحن نبني الفنادق وقطاع السياحة ونخلق فرص العمل، وإيران تخلق الإرهاب”.
وفي الوقت الذي تخلّى فيه السعوديون عن فكرة تقديم دعم لدول صديقة لا يقترن بمواقف واضحة داعمة لسياستهم الخارجية، لا تزال شخصيات لبنانية تمد اليد طلبا للدعم السعودي لكنها بالتوازي تتحالف مع حزب الله وتدافع عن مواقفه وسياساته وتعادي من يعاديه.
واعتبر سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية أن “وهبة كان يفترض أن يكون وزير خارجية لبنان واللبنانيين فانتهى به الأمر بوزير خارجية حزب الله”.
وذكّر جعجع بأنه بعد حرب يوليو 2006 “هبّ السعوديون والخليجيون لمساعدة لبنان وساهموا بمليارات الدولارات من أجل إعادة إعمار ما هدمته حرب لم تأخذ الدولة اللبنانية قرارًا بها بل فُرضت عليها فرضا”، وبأن الخليجيين “قدموا للبنان المليارات من الدولارات في مشاريع بنى تحتية وإنمائية مختلفة، فضلا عن الودائع في مصرف لبنان المركزي”، ناهيك عن مئات الآلاف من اللبنانيين الذين “ما زالوا حتى اللحظة يعملون في السعودية ودول الخليج”.
المصدر : العرب اللندنية