كتب : د. ياسين سعيد نعمان
تائهون في الفجوة الهائلة ما بين العناوين الضخمة المبهرة ، والمحتويات المتواضعة والهزيلة .
كم هي الأحلام التي ابتلعتها هذه الفجوة التي أخذت تتسع لتغدو بحجم الخيبة التي غلفت حياتنا وأضفت عليها لون المأساة .
لهذه لحالة الغرائبية التي ابتليت بها مجتمعات كثيرة مظاهر متعددة شملت الانسان وكل ما ينسب إليه من قول وفعل ، حتى أن التعبير عن الظاهرة غدا جزءاً من الموروث الثقافي الذي تتناقله الأجيال التي وقعت بلدانها ضحية العناوين الضخمة التي غطت وتغطي على تواضع وركاكة واقع الحال .
كثيرة هي العناوين التي تثير الاعجاب والدهشة .. ترى ” العنوان” بأم عينيك فخماً يدير البصر .. تتوقف أمامه برهة من الزمن ، تتطلع فيه وتتأوه إعجاباً ، فتمضي بمشاعر فيها كثير من الفخر والاعجاب بما صنعته يد الانسان من معجزة ، ثم يرتد إليك بصرك حسرة بعد أن تطلع على ” المحتوى” ، تزول عنك الدهشة وتكتشف أنك أمام مجرد عنوان لا يجسد غير وهم التطلع إلى خلود غير متجذر في الواقع ، ولا صلة له بالحقيقة .
” عناوين” تعود في الأساس إلى ما يصيب المجتمع من خديعة ، مرده إلى حالة الارتكاس في براثن التخلف التي أصابتها ، مما جعل الطموح حالة من توهم مجرد للنهوض، يتقلب في خيال مطلق ، لا يستند على تصميم وارادة ينقلانه إلى الواقع . لا وظيفة له غير تعمية وعي الناس بحاجتهم إلى تدارك ما يصيب حياتهم من تدهور ، وتأهيلهم ، من ثم ، للتعاطي مع متطلبات حياتهم بواقعية ، وإعادة بناء جسورها مع المستقبل خطوة خطوة .
يكمن تخلفنا في أننا أدمنا العناوين ، تفاعلنا معها ، وتوقفنا عندها مبهورين يوهجها ، ولم نلتفت إلى المحتوى الركيك الذي صنع واقعنا المتخلف . والذين تفننوا في الخداع هم من حول الحياة إلى مجرد عناوين ، وارادوا تمرير مشاريعهم المرتجلة من خلالها .
لنلقي نظرة إلى ما يحيط بنا من عناوين مبهرة ونتمعن في محتوياتها المتواضعة والركيكة لنكتشف حجم الهوة بين الخيال والواقع ، وهي الهوة التي تفصلنا عن العالم .
كان 22 مايو عنواناً ضخماً ومبهراًً، لكن هناك من أعادوا صياغة محتواه ، وكانوا من الركاكة والخداع أن أفرغوه وفشلوا في الارتقاء به إلى مسوى العنوان ، فبقي المحتوى تجسيداً لركاكة من صادر العنوان بقوة السلاح وأعاد صياغته على مقاسه . وقس على ذلك كثيراً مما أصاب اليمن من خذلان كان سببه هذه الفجوة بين العنوان والمحتوى في ظروف أخرى وتجارب مختلفة .
من صفحة الكاتب في ال فيسبوك