كتب : أ. مريم العفيف
لا شك أن التطور الذي يشهده العالم اليوم ليس بمنأى عن واقع الحال لمجتمع من مجتمعات دول العالم الثالث بل على الأغلب أكثر هذه البلدان تأثرًا من جراء تلك التطورات في إدارة الحروب بعامة والحروب النفسية بخاصة ، كما أن الإعلام يعد أداة أساسية لتحقيق أهداف الحرب النفسية إذ يأخذ دور الموجه ، والانتصار في الحرب النفسية يعد انتصاراً كاملاً لأنه يقلب الموازين كأنما به يجرد الأطراف الأخرى من أي سلاح مهما كانت قوته .
الحرب النفسية هي اكثر خطورة من الحرب العسكرية لأنها تستخدم وسائل متعددة ، إذ توجه تأثيرها على أعصاب الناس ومعنوياتهم ووجدانهم ، وفوق ذلك كله فإنها تكون في الغالب مقنعة بحيث لا ينتبه الناس إلى أهدافها ، ومن ثم لا يحتاطون لها. فالفرد يدرك خطر القنابل والمدافع ويحمي نفسه منها . ولكن الحرب النفسية تتسلل إلى نفس الفرد دون أن يدري . وكذلك فان جبهتها أكثر شمولًا واتساعًا من الحرب العسكرية لأنها تهاجم المدنيين والعسكريين على حد سواء.
الاشاعات هي أكثر دوامًا لأنها تستخدم في أوقات السلم والحرب معًا ، بل أنها تصوب هجماتها خارج الدولة الخصم نفسها حين توجه ذلك نحو الرأي العام العالمي. ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الحرب النفسية وكما يراها خبراء علم النفس العسكري هي استخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الإجراءات الإعلامية الموجهة إلى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها بطريقة تعين على تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة .
وإيمانًاً بأهمية الحرب النفسية ومدى خطورتها ارى ضرورة تسليط الضوء على هذا الموضوع المهم والفاعل من قبل الجهات المعنية بوضع برامج لتنمية الوعي النفسي للتصدي لآثار الحرب النفسية والوصول إلى تقديم بعض التوصيات المهمة عن طريق تقديم منظومة شاملة ومتكاملة للحرب النفسية وتأصيل لعمل واعٍ تسترشد به الجهات المعنية.
إن الحرب النفسية ليست قاصرة على وقت الحرب أو الطوارئ ، ولكنها سلاح يستخدم في الحرب والسلم معًا. ويمكن القول أن الهدف الأساسي من الحرب النفسية هو فرض الإرادة على العدو بهدف التحكم في أعماله باستخدام طرق غير عسكرية وغير اقتصادية. والحرب النفسية جزء أساسي من الحرب الشاملة ، ولذلك فهي تشن قبل الحرب وفي إثنائها وفي أعقابها. وهي لا تخضع لرقابة القانون ولا للتقاليد الحربية، بل إنها عملية مستمرة ، وهي وسيلة بعيدة المدى وليس من الضروري أن يظهر تأثيرها مباشرةً مثل المعارك الحربية ، بل إن نتائجها قد لا تظهر إلا بعد شهور او سنوات من تنفيذها .وفي الحرب النفسية يحاول الخصم التخفي وراء الدين أو الإعلام أو الأحداث أو الأصدقاء أو الفكاهات ، وما إلى ذلك . ومعنى ذلك أن الحرب النفسية ليست مباشرة وليست وجهاً لوجه .وتُعد الهزيمة حالة نفسية مداها الاقتناع بعدم جدوى المقاومة أي الاستسلام ، والتوقف عن الحرب . والحرب وسيلة من وسائل إقناع الخصم بالهزيمة فإذا اقتنع بالهزيمة وبعدم جدوى المقاومة تحقق الهدف من الحرب . وإذا أمكن إقناع الخصم بالهزيمة بوسيلة غير الحرب المسلحة لم يعد هناك داع لها .ومن هنا فإن العدو في الحرب يسعى إلى تحقيق هذا الهدف مستخدماً وسائل شتى منها الدبلوماسية والدهاء والعبقرية في الدعاية والإعلام إلى جانب قواته الجوية والبرية والبحرية ، وكذلك مخترعاته واكتشافاته العلمية والتكنولوجية . بل أنه يستخدم أيضا إمكانياته الاقتصادية، وفوق ذلك يستخدم ميكروباته وجراثيمه (الحرب البيولوجية) ، والقصد من كل هذه الوسائل هدف واحد هو إقناع الخصم بالهزيمة .
تعتمد الحرب النفسية في المحل الأول على معرفة طبائع الشعب الذي ستوجه إليه حملاتها ولذلك تسعى إلى دراسة عقائد وميول واتجاهات وأساليب تفكير هذا الشعب وذلك حتى يتسنى لها التأثير فيه والضرب على مواطن الضعف عنده، كما تلجأ أساليب الحرب النفسية إلى جمع المعلومات والأخبار التي تحدث فعلا ثم تستغلها أو تغيرها كلية ثم تنشرها وتؤولها تأويلاً مغرضاً يخدم أغراضها . كأن تثير الشعور بالهزيمة في نفوس الشعب أو تخفض من معنوياته أو تثبط من همته أو تجعله يتكالب ويتهافت على جمع المؤن والمواد الغذائية وتخزينها وذلك نتيجة لما تفشيه من أقوال عن احتمال حدوث مجاعات أو نضوب موارد الغذاء ، وليس من الضروري أن يكون للحرب النفسية أي سند من الحقيقة فقد تختلق أبواق العدو القصص والأساطير وتعمل على إذاعتها بين صفوف الشعب معتمدة في ذلك على عدم تحصين عقول أفراده ضدها فقد يذيع العدو عن نفسه أن له قوة لا تقهر أو أن لديه أسلحة فتاكة سرية .كما يعمل على إذاعة بيانات عسكرية عن وقوع معارك وإحرازه انتصارات باهرة فيها .وفي كل ذلك تعتمد الحرب النفسية على اقناع الناس بما تذيعه من اشاعات تحاول أن تقنع الناس بصحتها وأن تؤثر في نفوسهم وان توجه تفكيرهم لذلك ينبغي أن تقابل هذه الإشاعات بمزيد من الحيطة والحذر لأنها في الأغلب لا تكون بصورة مباشرة بل تكون دائما في صورة خفية مستترة. والحرب النفسية كما تم ذكره في البداية تستهدف النيل من نفوس ومعنويات الجنود والمقاتلين في ميدان القتال، كما تستهدف أبناء الشعب بمختلف فئاته من عمال وفلاحين ومثقفين وهي بذلك أكثر اتساعاً وشمولاً من ساحة القتال لذلك فان تأثيرها أكثر خطورة وأشد ضرراً كما أنها لا تعتمد على المواجهة الصريحة كما يحدث في المعارك العسكرية ولكنها تلجأ إلى أساليب خفية وملتوية ومقنعة غير معروفة بالنسبة لغالبية الشعب.وقد تؤدي حملات الحرب النفسية إلى بلبلة أفكار أفراد الشعب أو إلى شعورهم بعدم الثقة بالنفس والى ضعف الروح المعنوية وانخفاضها والشعور باليأس وعدم إحراز الانتصار والى انتشار نزعات استسلاميه وتيارات انهزامية .وفي كثير من الأحيان ما تؤدي الحرب النفسية إلى انعدام ثقة الشعب في الهيئة الحاكمة وعدم الثقة بقدرة القيادة السياسية والعسكرية ، والى عدم التفاف الشعب حول قادته، ولذلك كثيراً ما كانت تلجأ أساليب الحرب النفسية في الحرب العالمية الثانية إلى قول الحلفاء مثلا أنهم لا يعادون الشعب الألماني وانما يعادون هتلر وحده وليس ذلك إلا وسيلة من وسائل تصديع قوة الشعب الألماني في ذلك الوقت وإثارته نحو الانفضاض من حول قائده هتلر . هذه أمثلة لأهداف الحرب النفسية .
وإني اجد أن وسائل الحرب النفسية متباينة ولكي يتمكن الفرد من مقاومتها ودرء خطرها لا بد من دراسة هذه الوسائل والأساليب التي يلجأ إليها العدو في حملات الحرب النفسية التي
يشنها لفهمها وإدراك خطورتها و أن مسؤولية مقاومة الحرب النفسية تقع على كل فرد من أفراد المجتمع بعامٍة والشباب الجامع بخاصٍة ، وهو بحاجة للشباب خاصة لما لدورهم الطليعي في مواجهتها . الشباب هو دعامة المجتمع وعدته وهو صاحب المصلحة الحقيقية في حاضر المجتمع ومستقبله ، و لهم دور مهم في مقاومة الحرب النفسية وهم بحاجة ماسة لبرامج إرشادية وقائية لتنمية وعيهم النفسي بأساليب مقاومة الحرب النفسية .
وحتى نخرج من إطار التنظير فإننا نترك بعض التوصيات والمقترحات التي من شأنها أن تحقق مواجهة فعلية مانعة لأي محاولات للنيل من مجتمعنا عامة وخاصة وهي خلاصة لرسالتي العلمية في الماجستير التي قدمتها قبل أعوام في دراستي التجريبية التي كانت برنامج ارشادي وقائي لتنمية الوعي النفسي لإدراك أساليب الحرب النفسية بدورها كشفت عن جانب كبير للوعي النفسي في مجتمع الشباب حيث كانت عينة البحث طلبة جامعة عدن
نرجو أن تأخذها الجهات المعنية بعين الاعتبار لأنها تحقق واقعا مغايرا ولأن المجتمعات المتحضرة لا تعرف وجهتها إلا من مراكز الدراسات والبحوث التي تنشطها لتنقل آلية العمل واقعا ملموسا
التوصيات
1. التدريب على كيفية المساهمة في تحسين الوعي لدى الأفراد ضمن برامج سيكولوجية وتربوية وتعليمية للارتقاء بالفكر وتجنب المجتمع أي خطر من أي غزو ثقافي .
2. تنفيذ ورش عمل للبرامج الإرشادية بشكل تطبيقي لتنمية مهارات الوعي النفسي للمشاركين فيها .
3. تسليط الضوء إعلاميا على مثل هكذا برامج يقدمها متخصصين في المجال النفسي .
4. الاهتمام بعمل دورات تدريبية مكثفة حول تنمية الوعي النفسي الوعي لما لذلك من أثر إيجابي .
5. ضرورة تظافر الجهود بين المؤسسات في الدولة والأفراد للوعي بمفهومه الواسع لتشمل جوانب الحياة من الناحية النفسية .
6. ضرورة إعداد استراتيجية حضارية شاملة للوعي والوعي النفسي لتساهم في تنمية الوعي بكل ما يحتاجه الفرد إزاء الحرب النفسية
7. ضرورة التحديد الدقيق لما يعرضه من مفاهيم ومصطلحات وأفكار حتى لا تخلط الأمور ببعضها ، فينتج قصور في الفهم وعدم التمايز ما بين المفاهيم الإيجابية والسلبية .
8. تطوير وزيادة اهتمام المؤسسات التعليمية بالبرامج المختصة بتنمية الوعي لتعزيز الجوانب الإيجابية في الشخصية كتنمية الوعي بالذات
9. استفادة المرشدين التربويين من البرنامج الذي أعدته الباحثة في تنمية الوعي النفسي لإدراك أساليب الحرب النفسية
10. ضرورة تفعيل دور الجامعة في توفير السبل التي تنشط من الأنشطة والبرامج التي تحفز وتعزز تنمية الوعي النفسي .
المقترحات :
1. إجراء دراسات تتبعية لوعي الشباب بصفة عامة وطلبة الجامعة بصفة خاصة وبمتغيرات متنوعة لما تتميز به هذه الفئة من قدرات وقابلات مكن تطويرها واستثمارها
2. إجراء دراسات تتناول المقارنة بين الجنسين لدى طلبة المرحلة الجامعية في اليمن من حيث الوعي النفسي اتجاه الحرب النفسية .
3. عمل بحوث تجريبية تتناول المتغيرات الاجتماعية التي تؤثر في تنمية الوعي النفسي لدى طلاب المرحلة الجامعية كالحالة الاقتصادية والسكن في الريف أو المدينة .
4. إجراء دراسات مماثلة على مجتمعات مختلفة تبحث في متغير البحث الحالي على عينات أخرى ( طلاب المراحل التعليمية الأخرى كالثانوية العامة مثلا ) .