كريتر نت – متابعات
أثارت زيارة سلطان عمان، هيثم بن طارق إلى السعودية، في الأيام الماضية، وهي الأولى منذ توليه السلطة في مسقط، تساؤلات عدة حول انعكاساتها على ملف الحرب في اليمن.
زيارة السلطان هيثم إلى المملكة، مثلت منعطفا جديدا في العلاقات بين البلدين، فهي الزيارة الخارجية الأولى لابن طارق، وأيضا، الأولى لسلطان عمان منذ العام 2010.
ويرى مراقبون أنه ما من شك، أن الزيارة سيكون لها ارتدادات على الوضع في اليمن، ذلك أن النزاع في هذا البلد الذي يشترك بحدود مع عمان والسعودية، بات من النزاعات الأكثر قلقا وخطورة في حسابات الدولتين.
وتشير الزيارة إلى أن علاقة بين مسقط والرياض بدأت تأخذ منحى مغايرا تماما عما كان سابقا، في وقت خرجت الخلافات بين السعودية والإمارات وبشكل غير معهود، فهل تنبئ تلك الزيارة، بتوجيه بوصلة البلدين الجارين لليمن، نحو بلورة رؤى متطابقة حول تعقيدات المشهد فيه، أم إن الأولوية لمصالحهما على حساب مصلحة اليمنيين؟
“ضرورة استراتيجية”
ويرى الأكاديمي والباحث العماني في الشؤون الاستراتيجية، عبدالله الغيلاني أن زيارة السلطان هيثم بن طارق للسعودية في الحادي عشر من تموز/ يوليو 2021، جاءت لتشكل منعطفا في تاريخ العلاقة بين البلدين، فهي الزيارة الخارجية الأولى للسلطان هيثم، وهي الأولى لسلطان عمان منذ العام 2010.
وقال في حديث خاص لـ”عربي21″: الأهم من تلك الاعتبارات البروتوكولية، أن جملة من التوترات الاستراتيجية قد تراكمت بين الرياض ومسقط حول عدد من القضايا المفصلية الإقليمية، في طليعتها الأزمة اليمنية، والخطر الإيراني (وفق التصنيف السعودي)، ثم الأزمة الخليجية التي كشفت حالة التصدع الداخلي في منظومة التعاون، وتباينت فيها اصطفافات دول المجلس.
وتابع: “ولم يكن خافيا ميل السلطنة إلى السردية القطرية في النزاع، وإن أعلنت الحياد كموقف رسمي”. وأشار الأكاديمي العماني إلى أن الأزمة اليمنية مثلت دوما موطن التماس الأكثر حدة بين مسقط والرياض، خاصة أن السلطنة أبت الانخراط في العملية العسكرية التي تقودها السعودية منذ العام 2015، ولم تقطع مع الحوثيين، بل وفرت لهم قناة اتصال بالعالم الخارجي وتحولت مسقط إلى قنطرة عبور إلى صنعاء.
وردا على سؤال: هل يمكن أن تشكل الزيارة انعطافة في علاقة الدولتين، ومن ثم في مآلات القضية اليمنية؟ قال الباحث العماني: نعم، إذا خلُصت الدولتان إلى مرئيات مشتركة تمثل الحد الأدنى من التوافق على مصالحهما العليا، وليس مصلحة اليمن فحسب.
وأردف: “ليس لنا أن نزعم أن رؤى الدولتين إزاء اليمن متطابقة، بل هي متباينة”، مؤكدا أن الإكراهات على الأرض تفرض عليهما ضرورة المسارعة إلى بلورة مشروع عماني-سعودي مشترك، يحفظ مصالح الدولتين العليا ويخرج اليمن من حالة الانهيار الإنساني والتمزق السياسي التي يتجرع مراراتها منذ أن سطا الحوثيون على السلطة وأسقطوا الدولة.
وأوضح الباحث العماني في الشؤون الاستراتيجية، أن “الأزمة اليمنية بتداعياتها الجيوسياسية تقع في قلب الأمن القومي السعودي والعماني، فالتماس الجغرافي والتداخل القبلي والتماهي الثقافي، كلها اعتبارات بالغة الخطر في الحسابات الجيواستراتيجية العمانية-السعودية”.
ومضى قائلا؛ “إن الشراكة التجارية الكبرى التي بشرت بها الزيارة السلطانية للمملكة، ليس لها أن تبلغ مقاصدها ما لم تلتق الدولتان على مخرج سياسي للأزمة اليمنية، لافتا إلى أن إفرازات تلك الأزمة الإنسانية والسياسية ستبقى عامل تنغيص يعيق مساعي الدولتين نحو شراكة اقتصادية عالية العوائد”.
وبحسب الغيلاني، فإن عمان والسعودية هما القوتان الأكبر في منظومة التعاون، وهما الأقدر على ضبط إيقاعات الأمن الجماعي الخليجي، وتلك ميزة تؤهلهما للاضطلاع بأدوار حاسمة في قضايا الأمن الإقليمي، وفي طليعتها الأزمة اليمنية التي تتموضع اليوم في قلب مهددات الأمن الإقليمي.
وزاد: “وقد أضحى حلها ضرورة استراتيجية خليجية، وليس مطلبا يمنيا فحسب”.
ويعتقد الأكاديمي والباحث العماني أن الزيارة السلطانية للمملكة أنهت عقدا من الجفاء المكتوم، وأسست لحقبة عمانية-سعودية عنوانها الالتقاء على مقاربات مشتركة لقضايا الأمن الإقليمي، سيما الأزمة اليمنية.
“حدث مهم وتوجس باق”
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي؛ إن زيارة السلطان طارق بن هيثم للسعودية، تعتبر حدثا مهما في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين، ويكفي أنها تمثل أول زيارة خارجية للسلطان طارق منذ أن تولى مقاليد الحكم في السلطنة، وفي ذلك ما يشير إلى الأولويات العمانية في العهد الجديد.
وأضاف في حديث خاص لـ”عربي21″، أن هذه الزيارة تطوي فترة من الجمود في العلاقات بين البلدين؛ إثر السلوك التراجيدي الذي ميز العهد الجديد في السعودية، خصوصا منذ أن أصبح الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد.
وهو السلوك الذي بدا عدوانيا ومتسقا بحسب التميمي، مع تطلعات ولي عهد أبوظبي، التي تمركزت حول المشروع الإقليمي بقيادة الكيان الإسرائيلي، وبلغ ذروة عدائيته بفرض الحصار على قطر والتخطيط لإنهائها من على الخارطة.
وأشار: “في تقديري أن التطور الذي بدا مفاجئا ومتسارعا في إطار استعادة العافية للعلاقات السعودية العمانية، يأتي في جزء منه تلبية للتوجهات الأمريكية في ظل الإدارة الجديدة، الذاهبة نحو التهدئة مع طهران”.
وهو أمر وضع السعودية في مأزق ازدادت وطأته، وفقا للكاتب اليمني، بفعل انصراف أبوظبي نحو تحقيق أهدافها الجيوسياسية في اليمن منفردة، رغم إعلانها انتهاء مهامها القتالية هناك.
وأوضح السياسي اليمني: “من المهم الإشارة إلى أن التطور الإيجابي المتسارع على مستوى العلاقات السعودية العمانية يلبي احتياجات سعودية ملحة لترتيب العلاقات مع إيران، والتحرك المشترك لإنهاء الحرب في اليمن”.
ولفت إلى أن الأولويات الاقتصادية برزت في بيان الزيارة، ومع ذلك سيتوقف الأثر الذي قد تحدثه الزيارة على الوضع في اليمن، على مدى التزام السعودية بهذا الصراع تأسيسا على المرجعيات والأسس المتفق عليها.
وبغير ذلك، يؤكد الكاتب التميمي أن التوجس سيبقى قائما بين البلدين، خصوصا إذا بقيت السياسة السعودية على حالها حيال محافظتي أرخبيل سقطرى والمهرة، في إشارة إلى الاوجد العسكري السعودي في الأرخبيل الواقع في المحيط الهندي والثانية الحدودية مع السلطنة.
واستطرد: “لقد تكرس مبدأ الحياد العماني بعد هذه الزيارة، وهذا يجعلنا أكثر ثقة بأن سلطنة عمان لن تضر المصالح اليمنية، ولن تبني مكاسبها على حساب هذه المصالح”.
واعتبر التميمي أنه سيكون من الخطأ التصرف بمستقبل اليمن خارج إرادة أبنائه ومصالح الشعب اليمني، سواء جاء ذلك من السعودية أو الإمارات أو إيران أو حتى سلطنة عمان.
وفي ختام زيارة سلطان عمان إلى السعودية، أصدرت الدولتان بيانا الاثنين الماضي، أكدتا فيه “تطابق وجهات نظرهما حول مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، قائم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، ومبادرة المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية، ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق”، بحسب البيان.