مثلما بدأ صدام حسين، حياته كحاكم للعراق بحرب، انتهى وجوده بحرب، وما بين الحربين ظل الرئيس العراقي السابق واحدا من أكثر ألغاز التاريخ غموضا، ديكتاتور قاتل، أم حاكم شجاع، بين الوصفين تنقل صدام بين معارضيه ومؤيديه، وما زال هذا اللغز محيرا حتى الآن.
عشرون عاما جلسها صدام حسين على كرسي حكم واحدة من أكبر الدول العربية، بدأها بحرب مع جارته إيران عام 1980، وانتهت مسيرته بحرب بقيادة أمريكا وبريطانيا دمرت بلاده، وأوقعته أسيرا في يد أعدائه.
في مثل هذا اليوم (13 ديسمبر) من عام 2003 ألقت القوات الأمريكية القبض على صدام حسين في مزرعة قرب بلدة الدور القريبة من مسقط رأسه تكريت، كان الرئيس الذي سكن القصور مختبئًا في حفرة تحت الأرض، عملية أمنية نقلت على أغلب الفضائيات في العالم أطلقوا عليها اسم عملية “الفجر الأحمر”.
ظهر صدام مهزوما، مكسورا، مستسلما، بشعر منكوش، ولحية طويلة، ووجه منهك ظهر صدام حسين في مقطع أذاعه الجيش الأمريكي أثناء عملية فحص طبية للصيد الثمين.
صدمة كبيرة من هذا المشهد للرجل القوي الذي لم تضعف قبضته على الحكم رغم الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على بلاده، والفقر الذي انتشر بين شعبه، ومن قبلها لم تسقطه حرب الخليج الثانية، وبقي في السلطة وهو ما أصاب الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الأب بالاكتئاب.
لكنه الآن مقبوض عليه، يُفحص طبيا بشكل مهين أمام الكاميرات، والقوات الأمريكية تسيطر على كل الأراضي العراقية سوى بعض جيوب المقاومة، والجيش العراقي الذي كان يصنف كرابع قوة عسكرية في العالم، (هذا الترتيب كان عام 1989 وبقى يحتل هذه المرتبة حتى عام 1991)، بات مهزوما ضائعا يلملم شتاته، سقط العراق في يد الاحتلال الأمريكي.
كيف وصل صدام حسين إلى هذه المرحلة؟ هذا السؤال قليل الكلمات لا تكفي كتب للإجابة عليه، دراسات وأبحاث أعدت للإجابة عن هذا السؤال وحده، ربما بعض من سيرته يجيب عن جزء من هذا السؤال الكبير.
عاش صدام حياة قاسية، ولد في قرية العوجة التابعة لمدينة تكريت وسط العراق عام 1937، وأمضى صباه في بيت خاله خير الله طلفاح في بغداد، وتزوج ابنة خاله الذي عينه في ما بعد محافظا لبغداد عام 1979، كما عين صدام ابن خاله عدنان خير الله طلفاح في منصب وزير الدفاع عندما تولى رئاسة العراق عام 1979
انضم الشاب صدام إلى تنظيم حزب البعث، وفي عام 1959 شارك في محاولة اغتيال الزعيم العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم، وهرب إلى سوريا ثم إلى مصر حتى عام 1963 عندما عاد إلى العراق بعد انقلاب 8 فبراير/ شباط الذي أطاح بحكم عبد الكريم قاسم.
بزغ نجم صدام حسين مع “الثورة البيضاء” التي قادها حزب البعث في 17 يوليو/ تموز 1968، لتحويل العراق إلى دولة اشتراكية قومية، تمت الإطاحة بنظام حكم الرئيس عبد الرحمن عارف في العراق، وتولى حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة بقيادة أحمد حسن البكر، واختار صدام حسين نائبا له، لكن الثورة البيضاء لم تكن كذلك، إذ وفقا لشهادات كثيرة تم اغتيال عدد كبير من النظام السابق شملت عسكريين وسياسين، بالإضافة إلى عمليات اعتقال واسعة شملت كذلك عسكريين وسياسيين منهم عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء الأسبق وطاهر يحيى وعبد العزيز العقيلي، وغيرهم.
بعد عام أو أقل وصل صدام حسين إلى رأس السلطة حيث أصبح رئيسًا لبلاد الرافدين في 1979، بعد أن قام بحملة لتصفية معارضيه وخصومه في داخل حزب البعث، ثم عمليات اغتيال لأعضاء في الحزب، أشهرها ما حدث في قاعة “الخلد”.
وفي عام 1980 دخل صدام حربا مع إيران استمرت 8 سنوات، وقبل أن تمر الذكرى الثانية لانتهاء الحرب مع إيران غزا صدام الكويت في 2 أغسطس/ آب عام 1990، ما أدى إلى نشوب حرب الخليج الثانية عام 1991، التي لم تقتصر نتائج الحرب الجديدة على هزيمة الجيش العراقي بل امتدت إلى فرض حصار اقتصادي دولي أنهك البلاد وأفقر الشعب، زيادة على الفقر الذي سببته حرب إيران، وفرضت الدول الغربية حظرا على الطيران العراقي في الشمال والجنوب وبقي الحظر ساريا حتى دخول قوات التحالف في أبريل/ نيسان الماضي 2003 إلى الأراضي العراقية والإطاحة بحكم صدام.
ووضعت الأمم المتحدة اتفاق “النفط مقابل الغذاء” الذي سمح ببيع العراق بعضا من نفطه لشراء أغذية وأدوية، وبسبب الخلافات حول التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل بين العراق و مفتشي الأمم المتحدة، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا في ديسمبر/ كانون الأول عام 1998 هجوما صاروخيا على العراق.
بعد هزيمة الجيش العراقي في حرب الكويت، بدأت حركات احتجاجية في الشمال (الأكراد) والجنوب (الشيعة) فتعامل صدام معها بعنف شديد من خلال عمليات قمع قاسية، وعمل على تنفيذ عمليات تغيير ديموغرافي للسكان لإنهاء هذه الاحتجاجات، وبحسب مصادر مختلفة لجأ إلى عمليات تنكيل وقتل جماعي من بينها ما حصل في بلدة حلبجة الكردية، وإحداث تغييرات بيئية كبيرة لأغراض أمنية مثل عمليات تجفيف منطقة الأهوار في جنوب العراق.
هكذا أصبح العراق، الذي كان يعد أغنى الدول النامية، منهكا فقيرا محاصرا، و بذريعة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل بدأت الحرب على العراق في 20 مارس 2003، وبعد ثلاثة أسابيع فقط سقطت العراق وأصبحت الدولة التي تعد ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم محتلة وسط اعتراضات دولية، وقبض على صدام حسين، وحوكم في العراق مع مجموعة من أركان نظامه وقضت المحكمة عليه بالإعدام شنقا حتى الموت.
وبالفعل نفذ قرار المحكمة على صدام حسين حيث تم إعدامه فجر يوم عيد الأضحى، الذي وافق 30 كانون الأول/ ديسمبر 2006، وانتهى بذلك عصر صدام حسين غير أن ما دخل فيه العراق من دوامه لم يتمكن من الخروج منها حتى الآن.
المصدر : نوفستي