كريتر نت – العرب
فتحت الزيارة التي قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى الدوحة الخميس ولقاؤه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني صفحة جديدة من العلاقة بين البلدين التي غلب عليها التوتر منذ يونيو 2017 إلى حدود قمة المصالحة الخليجية بمدينة العلا السعودية في بداية العام الحالي.
واعتبرت أوساط خليجية أن زيارة الشيخ طحنون إلى الدوحة نتيجة لحراك إقليمي يسير نحو التهدئة والمصالحة وتجاوز الخلافات، لافتة إلى أن هذه الخطوة جاءت دون وساطة من أي جهة، ما يظهر أنها جزء من رؤية إماراتية أشمل تقوم على تعميق التواصل مع خصوم الأمس، وهو ما كشفت عنه قبل أيام زيارة الشيخ طحنون إلى أنقرة ولقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقالت وكالة الأنباء القطرية إنّه تم خلال لقاء الشيخ تميم بالشيخ طحنون “استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تنميتها وتعزيزها في مختلف المجالات، إضافة إلى مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك”.
أنور قرقاش: نطوي صفحة خلاف وننظر إلى المستقبل بايجابية
ومن جهتها أكّدت وكالة أنباء الإمارات أنّه تم خلال اللقاء “بحث تعزيز التعاون بين البلدين خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والمشاريع الاستثمارية الحيوية التي تخدم عملية البناء والتنمية والتقدم وتحقق المصالح المشتركة للبلدين”.
وكتب أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات في تغريدة على تويتر “بناء جسور التعاون والازدهار مع الأشقاء والأصدقاء عنوان المرحلة، وركيزة رئيسية من ركائز السياسة الإماراتية، نطوي صفحة خلاف وننظر إلى المستقبل بإيجابية”.
وأكّد قرقاش، وهو وزير دولة سابق للشؤون الخارجية، أنّ “زيارة الشيخ طحنون بن زايد إلى قطر ولقاءه بأميرها تنطلق من واقع أن المصير واحد والنجاح مشترك”.
ويعتقد متابعون للشأن الخليجي أن الزيارة التي أجراها الشيخ طحنون إلى الدوحة كانت خطوة منتظرة كتتويج لمسار المصالحة الخليجية الذي انطلق في قمة العلا في الخامس من يناير الماضي، مشيرين إلى أن الوضع الإقليمي أصبح ملائما الآن لتعزيز هذا المسار على مستوى رسمي إماراتي.
ولفت هؤلاء المتابعون إلى أن عناصر التوتر التي عرفتها المنطقة في السنوات الماضية قد تراجعت بشكل لافت، وهو ما أثّر على موقف الدوحة وجعلها توفر مناخا ملائما ساهم في قيام الشيخ طحنون بزيارة إلى قطر، ومن بين هذه العناصر تفكك مشروع الإسلام السياسي في المنطقة وآخر فصوله ما تشهده تونس اليوم، وهو أمر بدأ القطريون يقتنعون به ويتخذون مسافة من ممثلي هذا التيار في ظل تغير المزاج الإقليمي والدولي الذي صار يعتبر أن الحرب على الإرهاب تتطلب تفكيك نفوذ الجماعات الإسلامية التي وفرت له حاضنة فقهية وتربوية وسياسية.
وأدى هذا التطور إلى تراجع نفوذ “الحرس القديم” في الدوحة، وهو الذي كان يقف وراء تغذية الخلافات مع دول الخليج، ويقوّي نفوذ الإسلاميين في الإعلام القطري ويفسح أمامهم المجال لمهاجمة الأنظمة الإقليمية ويعيق دعوات التهدئة ومساعي الوساطة الخليجية – الخليجية.
لكن الآن تغير الأمر، وأظهرت الدوحة قدرتها على تحييد ورقة الإسلاميين الهاربين من بلدانهم الأصلية ومنعها من أن تكون عنصر توتير أو عائقا أمام تقاربها مع دور مصر
كما أظهرت حيادا واضحا في الموضوع التونسي، ومكّنها ذلك من أن تحد من رهان حركة النهضة الإسلامية على الدعم القطري في صراعها مع الرئيس قيس سعيد، حيث لم تبادر الدوحة إلى إنقاذ حكومة هشام المشيشي بالدعم المالي ولا بتوفير ملايين الجرعات من اللقاح كما كان يأمل الإسلاميون ويروجون له، ما ساهم في سقوط حكومة المشيشي ومن ورائها نفوذ حركة النهضة.
ومن العوامل المساعدة على ترسيخ مسار التهدئة الذي مهد لقيام الشيخ طحنون بزيارة إلى الدوحة الصدمات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تلقاها الرئيس التركي، واقتناعه بأن طموحه أكبر من إمكانياته وإمكانيات القوى المتحالفة معه، ما جعله يلجأ باستمرار إلى طلب فتح قنوات التواصل مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، على أن يوفر ذلك مدخلا لإخراج الاقتصاد التركي من الأزمة الحادة التي يعيشها، وهي نتيجة لخطاب شعبوي أطلقه أردوغان وقاد إلى خسارة الاستثمارات الخليجية السخية.
ويقول المراقبون إن الأزمات المختلفة التي عاشتها تركيا جعلت أردوغان ينظر إلى زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي لأنقرة الأسبوع الماضي من الجانب الاستثماري فقط، حيث قال إن الإماراتيين “لديهم هدف استثمار جدي جدا، (يتمثل في) خطة استثمارية”، مضيفا “أعتقد أن الإمارات ستقوم باستثمارات جادة في بلدنا خلال وقت قصير جدا”.
ويوم الأربعاء قال سيد بصر شعيب، الرئيس التنفيذي لشركة العالمية القابضة في أبوظبي، إن الشركة تبحث عن فرص استثمار في تركيا في قطاعات تشمل الرعاية الصحية والصناعة وتصنيع الأغذية.
ويرى المراقبون أن التطورات المختلفة التي يعيشها الشرق الأوسط تدفع نحو إدراك إقليمي وإماراتي على وجه الخصوص لمخاطر الوضع الحالي بعد تخلي الولايات المتحدة عن دورها في تقديم ضمانات لأمن المنطقة، ما يستدعي بناء علاقات جديدة تعطي الأولوية للأمن القومي لمختلف الدول.
ويشعر الخليجيون بأن المنطقة مهددة وأن الخلافات إنما تصب في صالح دولة بمشاريع خطرة ألا وهي إيران، وهذا أحد أسرار توجه قمة العلا نحو مصالحة خليجية شاملة تتغاضى عن الخلافات والحسابات المحدودة لبعض الأطراف.