كريتر نت – العرب
عادت روسيا لتطرح مبادرتها لأمن الخليج، مستغلة الفراغ الذي أحدثته الولايات المتحدة بخفض قواتها في المنطقة، وتخليها عن المواجهة مع إيران، وعزمها على العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، من دون أن توفر الضمانات الأمنية الكافية لحلفائها.
واستغل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد لقاء مع “ترويكا” خليجية برئاسة وزير خارجية البحرين عبداللطيف بن راشد الزياني.
واستهدف اللقاء عرض “نسخة معدلة” من المبادرة الروسية تتخلى قبل كل شيء عن تسمية الخليج بـ”الفارسي” كما ظهرت في النسخة الأولى، وتأخذ بعين الاعتبار التهديدات التي تشكلها الصواريخ الإيرانية، والمشاكل الإقليمية الأخرى، وتخلت عن الدعوة الفورية إلى انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة.
وقالت الخارجية الروسية في بيان إن الجانبين “بحثا مجمل المسائل المتعلقة بالتطوير اللاحق لعلاقات روسيا مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك عقد جلسة جديدة للحوار الاستراتيجي بين الجانبين على مستوى وزراء الخارجية”.
كيلي كرافت: ليست هناك حاجة إلى آلية أخرى لتعزيز أمن الخليج
وتعرض النسخة المعدلة من المبادرة التي سبق لروسيا أن طرحتها قبل عقدين من الزمن تبني إجراءات تدريجية لإحلال الثقة في العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران، وتوفير أطر ضامنة لتحاشي المواجهة العسكرية، فضلا عن الالتزام بقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واحترام السيادة وحرمة الحدود القائمة واحترام الوحدة الإقليمية لكل دولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتحريم استخدام القوة واللجوء إلى الحل السلمي للخلافات واحترام مصالح جميع الأطراف الإقليمية. وهي قواعد دأبت إيران على انتهاكها.
وتسعى المبادرة إلى البدء بمشاورات ثنائية ومتعددة الأطراف بمشاركة ممثلين عن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك لتوفير ما يمكن اعتباره “غطاء دوليا” للتوافقات التي يمكن التوصل إليها خلال تلك المشاورات. وتتضمن المبادرة نقاطا هي:
التخلي عن استخدام القوة واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها والالتزام بالتفاوض لتسوية الخلافات الحدودية.
الشفافية في تبادل المعلومات في المجال العسكري، وإجراء حوار حول العقائد العسكرية، وعقد اجتماعات دورية لوزراء الدفاع، وإنشاء خطوط اتصال ساخنة، والإحاطة بشأن المناورات العسكرية، وتبادل المعلومات المتعلقة بشراء الأسلحة، وعدم إقامة قواعد عسكرية أجنبية.
توقيع اتفاقيات بشأن الحد من الأسلحة وإنشاء مناطق منزوعة السلاح وحظر تكديس الأسلحة التقليدية المهددة للاستقرار بما في ذلك أسلحة الدفاع الصاروخي وخفض القوات المسلحة.
العمل على جعل الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
إبرام اتفاقيات بشأن مكافحة الإرهاب والاتجار غير المشروع بالأسلحة والهجرة غير القانونية والاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة.
وكان لافروف عرض نسخة مبادرته الأولى خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في أكتوبر الماضي. وكانت بدورها نسخة عن مبادرة قدمها المبعوث الروسي الخاص ميخائيل بوغدانوف في أواخر تسعينات القرن الماضي.
ودعا لافروف خلال ذلك الاجتماع إلى العمل على خطوات عملية لتأسيس “نظام فعّال للأمن الجماعي” في الخليج العربي لوقف التصعيد، مضيفاً بأن النظام سيكون بمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا وأميركا والصين وفرنسا وبريطانيا)، مع جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من الأطراف المعنية.
إلا أن المبادرة لم تلق القبول من جانب دول الخليج ولا من جانب الولايات المتحدة، كلّ لأسبابه الخاصة.
ورأت دول الخليج في المبادرة محاولة لإخراج إيران من دوائر العقوبات، من دون أن توفر سبيلا موثوقا لوقف تهديداتها لدول الخليج، ولا تدخلاتها الأخرى في شؤون العراق وسوريا ولبنان، فضلا عن استمرار دعمها لجماعة الحوثي في اليمن بكل ما تنطوي عليه من هجمات متواصلة ضد السعودية.
أما الولايات المتحدة فقد رأت في المبادرة محاولة من جانب روسيا لاحتلال موطئ قدم استراتيجي في منطقة الخليج، تحت غطاء مشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وقالت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن في ذلك الوقت كيلي كرافت إنه “ليست هناك حاجة إلى آلية أخرى لتعزيز أمن الخليج، وأعتقد أن الحل أسهل من ذلك بكثير، إذ يجب على هذا المجلس ببساطة أن يستجمع الشجاعة لمحاسبة إيران على التزاماتها الدولية الحالية، خاصة أنها لا تلتزم بنص ولا روح قرارات هذا المجلس”.
ومن الواضح الآن أن الولايات المتحدة نفسها لا تستجمع الشجاعة لمحاسبة إيران على اعتداءاتها المتواصلة ضد دول المنطقة.
المبادرة الروسية بمثابة رسالة إلى واشنطن التي لا تريد توفير الأمن، ولا تريد لدول المنطقة أن تبحث عنه بوسائلها الخاصة
وعلى الرغم من أن صيغة المبادرة الروسية الأولى كانت تستهدف حماية إيران أيام كانت احتمالات اندلاع حرب ضدها عالية، إلا أن النسخة الجديدة من المبادرة تستغل الفراغ الأمني الذي تتركه الولايات المتحدة، لتحقيق هدف رئيسي هو أن تكون روسيا بمثابة “العرّاب” للأمن الإقليمي.
ومن المرجح أن تعود الولايات المتحدة إلى رفض المبادرة، ولكن من دون أن تقول لحلفائها في الخليج ما هي البدائل المتاحة لأمنهم.
ولئن لجأت السعودية إلى المضي قدما في مشاورات ثنائية مباشرة مع إيران، على أعتاب قيام الولايات المتحدة بسحب بطاريات باتريوت وثاد من السعودية وخفض وجودها العسكري في مياه الخليج، فإن الثقة المتراجعة بإدارة الرئيس جو بايدن وبقدرتها على الالتزام بتعهداتها الأمنية، تترك دول المنطقة أمام فرصة وحيدة هي البحث عن بدائل تكفل توفير الضمانات، حتى تتمكن من بناء نظامها الدفاعي الخاص الذي تستغني به عن حلفاء لا تجدر الثقة بهم.
وقال الخارجية الروسية عقب اللقاء مع الترويكا الخليجية إن الطرفين أكدا على “أهمية تعزيز التنسيق بين روسيا والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من أجل استقرار الوضع ومنع التصعيد في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية”.
وكانت تلك بمثابة رسالة إلى واشنطن التي لا تريد توفير الأمن، ولا تريد لدول المنطقة أن تبحث عنه بوسائلها الخاصة، ولا تنسق خطواتها مع حلفائها.