كريتر نت – متابعات خاصة
أعلنت الحكومة اللبنانية امس الثلاثاء، رفضها القاطع لتصريح وزير إعلامها جورج قرداحي الذي وصف فيها الحرب اليمنية بالعبثية والحوثيين في موقف الدفاع عن النفس ضد عدوان خارجي.
وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في تغريدة لمكتب مجلس الوزراء على تويتر إن المقابلة التي أجريت مع الوزير قرداحي قبل توليه منصب وزير الإعلام.
واعتبر هذه التصريحات مرفوضة ولا تعبر عن موقف الحكومة اطلاقا، وفي وجه التحديد ما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب، وبوجه الخصوص السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار إلى أن حكومته حريصة على نسج أفضل العلاقات مع السعودية، وتدين أي تدخل في شؤونها الداخلية من أي جهة أو طرف.
وفي المقابل، وجه وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك سفير بلده في بيروت بتسليم الخارجية اللبنانية رسالة استنكار على التصريحات الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن الحرب الذي تمزق البلد العربي لسبع سنوات.
وعلى نفس المسار أعلن وزير الإعلام اللبناني، جورح قرداحي، مساء الثلاثاء، أنه لم يقصد الإساءة للسعودية أو الإمارات، معتبرا أن حديثه عن ضرورة توقف حرب اليمن “العبثية والمؤذية” يعكس “محبة” للرياض وأبو ظبي.
ومنذ الصباح، تصاعد حديث عن أزمة جديدة بين السعودية ولبنان، إثر انتشار مقابلة لقرداحي، ضمن برنامج “برلمان شعب” (من إنتاج قناة الجزيرة) بث، الإثنين، اعتبر خلاله أن الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم ضد ما قال إنها “اعتداءات السعودية والإمارات”.
وقال قرداحي، عبر حسابه بـ”تويتر”: “منذ صباح اليوم، وبعض وسائل الإعلام اللبنانية والعربية، وبعض المواقع الإلكترونية تتداول مقطعا من مقابلة أجريتها مع قناة الجزيرة أونلاين، في برنامج “برلمان الشباب”، وورد فيها كلام لي عن حرب اليمن”.
واعتبر أن “الجهات التي تقف وراء هذه الحملة اصبحت معروفة، وهي التي تتهمني منذ تشكيل الحكومة (في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي) بأني آت لقمع الإعلام”.
وأوضح أن “هذه المقابلة أجريت في 5 أغسطس/ آب الماضي، أي قبل شهر من تعييني وزيرا في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي”.
وتابع قرداحي: “لم أقصد ولا بأي شكلٍ من الأشكال، الإساءة للمملكة العربية السعودية أو الامارات اللتين أكنّ لقيادتيهما ولشعبيهما كل الحب والوفاء”.
وأردف: “ما قلته بأن حرب اليمن أصبحت حربا عبثية يجب أن تتوقف، قلته عن قناعة ليس دفاعا عن اليمن، ولكن أيضاً محبةً بالسعودية والإمارات وضناً بمصالحهما”.
واستطرد: “عسى أن يكون كلامي، والضجة التي أثيرت حوله، سبباً بإيقاف هذه الحرب المؤذية لليمن ولكل من السعودية والإمارات”.
ومنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ تحالف، تقوده الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
وفور انتشار المقابلة، قالت وسائل إعلام لبنانية إن أزمة دبلوماسية جديدة تلوح بالأفق بين لبنان والسعودية.
ونقلت قناة “أم تي في” عن مصادر سعودية لم تسمها: “نحن أمام أزمة دبلوماسية حادة بسبب تصريحات قرداحي”.
وبينما لم يصدر تعقيب عن السفير السعودي لدى بيروت، وليد بخاري، اكتفى عبر حسابه في “تويتر” بإعادة نشر أخبار تتحدث عن أزمة دبلوماسية جديدة مع لبنان.
وتاريخيا، كانت تسود علاقات مميزة بين الرياض وبيروت، لكنها باتت تشهد توترات من آن إلى آخر.
ففي مايو/ أيار الماضي، طلب وزير الخارجية اللبنانية آنذاك، شربل وهبة، إعفاءه من مهامه، إثر تصريحات اعتبرها البعض مسيئة للسعودية ودول الخليج.
واتهمت السعودية، في 2017، جماعة “حزب الله” اللبنانية، حليف إيران، بأنها تسيطر على القرار السياسي والأمني في لبنان، فضلا عن تدخلها في حرب اليمن، بدعم جماعات تعمل ضد المملكة.
الأمور عند نقطة الصفر
الصحفي والمحلل السياسي محمد نمر، يرى في حديثه للأناضول، أن “تصريحات قرداحي تسببت بأزمة دبلوماسية مع أكثر من دولة خليجية، وعلى رأسها السعودية، خصوصا أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بدأ جولة الأربعاء على سفراء اليمن والكويت للوقوف عند هذا الحدث”.
ويعتبر نمر أن “حكومة ميقاتي تلقت ضربة شديدة من تصريحات قرداحي، ولن تهدأ الأزمة إلا بإقالته، كما حصل مع الوزير السابق شربل وهبة”.
ففي مايو/ أيار الماضي، طلب وزير الخارجية اللبنانية آنذاك، شربل وهبة، إعفاءه من مهامه، إثر تصريحات اعتبرها البعض “مسيئة” إلى السعودية ودول الخليج.
ويشدد نمر على أن “ميقاتي أمام امتحان لعلاقته مع الدول العربية، فإما أن يأخذ خيار إقالة قرداحي، وإما فهو يقول إن لبنان وحكومته سقطا في المحور الإيراني”.
ويذكّر بأن “السفير السعودي في لبنان كان قد بدأ جولة إيجابية على مرجعيات رسمية لبنانية، لكن ما حصل أمس أعاد الأمور إلى نقطة الصفر”.
وقبل انتشار الفيديو، كان بخاري زار، الثلاثاء، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، مؤكدا أن السعودية “حريصة على أمن واستقرار لبنان ومؤسساته، وعلى العيش المشترك الإسلامي المسيحي وتعزيزه، وعلى علاقاته الأخوية بين البلدين.
وقال بخاري إنه “لا شرعية لمشروع وخطاب الفتنة، ولا شرعية لمشروع يقفز فوق هوية لبنان العربي، مبديًا تعاطفه ومحبته للشعب اللبناني الذي يناضل من أجل حرية بلده وسيادته وعروبته”.
تضخيم لكلام قرداحي
بالمقابل، يعتبر المحلل السياسي قاسم قصير، أن “كلام قرداحي أتى قبل تسلمه الوزارة، وإنه لم يتكلم بشكل رسمي، كما أن لبنان يضمن حرية التعبير”.
ويرى أن “هناك تضخيم للحدث، علماً أن قرداحي قارب الأزمة بوجهة نظر موضوعية، معتبراً أن الشعب اليمني يدافع عن وجوده”.
ويضيف قصير: “ثمة حرص لبناني على تحسين العلاقة مع السعودية والإمارات، لذلك ممكن أن يتم التعاطي مع الموضوع من خلال إظهار التضامن مع السعودية أكثر من النظر بموضوعية مما يجري في اليمن”.
ويشير إلى أن “البعض يريد أن يستغل الحدث لتحسين علاقته بالسعودية، والبعض الآخر يريد أن يرد الجميل بعد دعم السعودية له بمكان ما، وهناك من يريد أن ينتقم من قرداحي لأنه يمثل جوا سياسيا معينا”.
حكومة لا تمتلك قرارها
وعن موقف السعودية من حكومة ميقاتي، يشير نمر إلى أن “الموقف السعودي من الحكومة هو أنها لا تمتلك قرارها السياسي، وكلام قرداحي أثبت للمملكة خيارها بعدم دعم الحكومة”.
ورداً على سؤال حول أن المقابلة قديمة، فما جدوى كل الجدل، يرى نمر أنه “كان من الأجدى أن يطلب قرداحي من القناة إما حذف هذه الفقرة من البرنامج، أو أن يصدر بيانا قبل بث المقابلة ليوضح فيه موقفه”.
لا تزال نهاية الأزمة الجديدة بين البلدين غير واضحة، في ظل محاولات رسمية للتهدئة وتأكيد الحرص على نسج أفضل العلاقات مع دول الخليج العربي.