– كتب : أحمد مهدي سالم
خلال يومين كنت قد عكفت على قراءة كتاب ” مستخدمات العمل الزراعي،وأهم المناطق الزراعية في دلتا أبين ” الذي أهدانيه صاحبه ومؤلِّفه الزميل الباحث الكاتب خالد صالح البديلي..والكتاب صادر حديثاً له بعد كتابه الأول عن تاريخ الحصن الذي صدر قبل بضعة شهور..كتاب غني بالمعلومات الزراعية والحقلية والحيوانية والتفاهمات القبلية المرتبطة بالزراعة سيما أن أرض دلتا أبين.. شجاعة بالخير والعطاء الدفّاق الذي جذب إليها الناس من كل مكان،وأعجبتهم العيشة وحلوا وتناسلوا والتصقوا بهذي الأرض الطيبة المعطاءة..
الكتاب يتناول معظم الاشياء المرتبطة بالزراعة،وبعطي تعريفاً لها ،ويرفق بها صوراً ملونة مثلاً عندما يتحدث في البداية عن الأدوات الزراعية يذكر الفأس والحجنة والمبخش،والشريم والماهي والمنخل والفزّاعة وغيرها يقدم لها لتعريفات مختصرة مع الصور المرفقة..ليسهل على القارئ متابعته..كما يشير إلى أسماء المدن والقرى الزراعية وما يرتبط بها من وديان أو سواقٍ،أو نازعات وغيرها مع ذكر طبيعة المحاصيل التي تزرع..وكذا يشير إلى أصحاب الزراعة مثل أشهر مالكي لضماد” الحراثة على ثورين “، ومن أول من أدخل المكائن الحرّاثة، وأشهر اللبّاجين وغيرهم..
وعرّج الكاتب خالد البديلي إلىكل ما له علاقة بالزراعة من غناء أو أشعار أو مقولات..وهو يتحدث عن المحاصيل والسبول والشرّاح ..يذكر قصة الشاعر الرائع عمر عبدالله نسير والفنان محمد محسن عطروش في رائعتهما ” سبولة”..
يقول في تقديمه للإنسان بتدرجاته في الزراعة : مزارع رعوي،فلاح،كولي،مخبِّز( مهمة إحضار الطعام )،ذراة،جناة،الشارح ويقول عنه :
” حاس الحقل ويكون مؤقت( مؤقّتاً) في الحقول التي تزرع المحاصيل الموسمية ودائم ( دائماً ) في المزارع التي تزرع الخضار والفواكه ،وليس الحق في التصرف إلا بإذن من المالك ،وقد عاتب الشاعر عمر عبدالله نسير الشارح عتاباً رقيقاً عندما امتنع عن إعطائه السبولة التي لم يذق طعهما منذ عام حين قال :
واشارح حرام لو شليت من دهلك سبولة
والطير حلال يتهنا ليه با
تسمحوا له
طير السماء بايرضي فضوله
مهما شرحته لازم با يحوش” ..وبعد كلامه عن البتول والضمد يستشهد كذلك بأغنية أخرى لنسير وعطروش الجميلين حيث تذكر مفردات وأدوات العمل اليدوية المستخدمة في حراثة و زراعة الأرض كقوله في قصيدة وأغنية البتول :
كيه سير بالباكر…شوف أرضنا وافر
شل الهيج هو والسبط.. وأنا بعدك بالزلام
حل الصدق ما شي نبط…عادت لأيامي الحياة
أغا أغا
…
مع تأكيد الباحث أن ظهور المكائن الحرّاثة واستخدامها على نطاق واسع إلا أن الضمد بقي كوسيلة حرث لا يُستغنى عنها .
ويقول عطروش في ختام أغنيته :
جيراننا بالعمل
حد قشب أرضه بالباكر
وحد سرّح مكين.
( هنا باتيس ..أرض التعاون )
يعرف الكاتب الدلتا بأنها ” هي المساحة الواقعة بين وادي وحسان،والمكونة من الرواسب الطينية لهذين الواديين ،ويتميز بخصوبة أراضيه المنتجة للكثير من المحاصيل كالحبوب والسمسم والفول السوداني والموز والخضار فضلاً عن القطن الذي اشتهر به قديماً،وتبلغ مساحته الصالحة للزراعة ( 67197 ) فداناً.
المساحة المروية بالسيول على وادي بنا = 43000 فداناً
المساحة المروية بالسيول على وادي حسان = 12000
المروي بالآبار الجوفية = 12197 “.
أهم مناطق الدلتا الزراعية مناطق داخل السلطنة اليافعية ،ومناطق داخل السلطنة الفضلية..
وأهم مناطق الأول :
باتيس ،وهي” منطقة زراعية منذ القدم،وأصبحت صناعية في وقتنا الحاضر ،تتمتع بطبيعتها الخلابة،وموقعها الهام في رأس حوض دلتا أبين ،وهي مهبط السيل الأول لوادي بنا في الدلتا ،وفيها أخصب الأراضي على ضفتي الوادي ،وهي أيضاً بلدة سياحية يأتي إليها السيّاح من مختلف المناطق..ويرججع سبب تسميتها بهذا الاسم نسبة لرجل حضرمي من باتيس حضرموت ،وهو أول من سكن فيها ..”ويرتبط اسم باتيس بشيخها (بليل الرهوي )المشهود له بالكرم والجود والأخلاق العالية الحميدة ،وهو من كبار ملاك الأراضي الزراعية.والمناطق التي تتبع باتيس : شرق الوادي،اللكيدة،النبوة،فيجة باتيس،صبيبة،غرب الوادي كبث،امجبلة،المصانع،أُفر،الهيجة،حلمة،الرونة،فيجة حلمة،ميكلان،جول عبيد.
ثم مناطق الحصن والرواء وجعار،وما يرتبط بها من مناطق زراعية صغيرة وسواق ونازعات وكل ما ذُكر اختصاراً هو لمناطق الزراعية داخل السلطنة اليافعية سابقاً،والآن نتعرض إلى عدد من مناطق الفضلي سابقاً..وذكر الكاتب أن أهمها وأكثرها خصوبة هي : دهل أحمد،عمودية،الجول والمخزن،تيران،خبان،وعبرعثمان،الدرجاج،الميوح،يرامس،الطرية،المسيمير،الكود،الخاملة،وعفيني والديو،وجعولة.
ونكتفي بالإشارة إلى يرامس،وهي ” منطقة عامرة بالسكان،زاخرة بالإرث الحضاري،والزراعي،والموروث الثقافي،والاجتماعي،..تتمتع بطبيعة جميلة ومناظر بديعة وهدوء مبهر بسعر الإنسان معه بالدفء والراحة النفسية،..تقع على محاذاة وادي حسان من الجهة الغربية مباشرةً،ويحدها من الشرق بلاد النخعين( المحال وامصرة )،ومدينة لودر،ومم الغرب حلمة وباتيس،ومم الجنوب مدينة شقرة الساحلية،أمّا من الشمال سلب حمّة”.
يرامس أرضها خصبة للزراعة وللمراعي.. إنتاجها سخي وكبير،وفي مواسم الحصاد بوادي ( بر سالم ) تقام فيه مناسبات الأعراس و فيها يتبارى الشعراء في مساجلاتهم الشعرية بما تجيش به مشاعرهم وخواطرهم من وصف الحبيب تارةّ،ووصف الوادي الخصيب تارةً أخرى..قال عن يرامس الشاعر الدبيشي:
يرامس حن له قلبي وذكر السلى ذي كان
ونا ما بفرقه لو يسوا لي في السنة دكان
اشتهرت يرامس في السبعينيات بزراعة القطن،وعُممت بذرتها على مختلف مناطق الدلتا لجودة محصول القطن فيها..لكن بعد فيضانات سيول عام 1982 جرفت العديد من الأراضي والسواقي فانتقل كثير من أهلها وسكنوا مناطق جعار وزنجبار.
وتحدث الكاتب عن حلج القطن في محلج القطن في قرية الكود هذه المنطقة التي احتضنت أيضا مركز الأبحاث الزراعية كأول مركز بحثي في شبه الجزيرة العربية..مع حديثه المتدرج عن مراحل حلج القطن مرفقة بها الصور التوضيحية الدالة على نهضة زراعية سادت ثم بادت،وقبلها عرج على تأسيس لجنة أبين التي نظمت أحوال الزراعة في مناطق اليافعي والفضلي وساعدت على تحسين أوضاع المزارعين.
تحس بمتعة وانت تتجول بين صفحات الكتاب وكأنك تتجول بين البساتين الخضراء والأودية المتدفقة بمياه الخير،وأنت واقف على سد باتيس تتأمل المناظر الزراعية البديعة،وتحترم عزيمة وقدرات المزارع الأبيني وهو يبدع في نسج ونقش هذي اللوحة الزراعية الخضراء.
طفت في أجواء الكتاب ،وآفاق بيئة أبين الزراعية التي عشناها ،أو تعايشنا مع أجزاء وعناصر كثيرة منها..وأحسن الكاتب البديلي التعبير بالأسلوب السهل ،وفي حديثه عن المدن والمناطق والقرى الزراعية يعمل مقدمة تاريخية قصيرة ومركزة معرّفاً بها ثم يتكلم عن الأعمال الزراعية المختلفة المرتبطة بها مزيّناً مادته بالأشعار والأمثال متى ما كان هناك توافق..وتأتي الصور الملونة للزراعة أو للمعالم ذات العلاقة بها في هذي المنطقة أو تلك في تسلسل يحافظ على تتبع سياق أفكار المادة..ومؤاخذتنا عليه هي وجود أخطاء لغوية متفرقة بين صفحات الكتاب..وإن كانت هناك طبعة ثانية للكتاب عليه أن يتلافاها ليتسق ويتكامل مع الجهد الكبير الذي بذله في إعداده هذا الكتاب الذي يعد إضافة مهمة للمكتبة الزراعية الشحيحة في م/أبين،وجدير بالمهتمين والمثقفين الاطلاع عليه.