كتب : حسن فحص
هل يمكن إخراج الاتصال الذي قام به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان برئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية من سياق التهنئة بذكرى 34 لتأسيس الحركة، وربطه بالأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة، ربطاً لا يكون تعسفياً، أو يصدر عن افتئات يحاول لَيَّ عنق الحقيقة وتعبئتها في مندرجات قد تكون بعيدة الصوابية أو الإنصاف.
يقول عبد اللهيان في اتصاله مع هنية، إن “حماس جزء من الحركات السباقة في مجال المقاومة من أجل تحرير فلسطين، وتلعب دوراً بارزاً في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه الثابتة”، مضيفاً أن “الجمهورية الإسلامية تؤكد استمرار دعمها للشعب والمقاومة الفلسطينية حتى تحرير القدس وفلسطين”.
الاتصال الإيراني مع “حماس”، والإصرار على علنيته، وإن كان يتزامن مع احتفالية هذه الحركة بالذكرى التي أقامتها في قطاع غزة تحت شعار تحرير كامل التراب الفلسطيني، فإنه يتزامن أيضاً ويأتي مكملاً للبيان الذي أصدرته “حماس” والفصائل الفلسطينية في القطاع قبل أسبوع عن نيتها “عقد اجتماع لمناقشة إنهاء التهدئة مع الاحتلال، والبدء بخطوات التصعيد بموافقة جميع الفصائل”.
وأضاف البيان “إن لم يحدث أي تقدم عبر رفع الحصار وإعادة الإعمار، فالمنطقة مقبلة على تصعيد”. واكتفى بالإشارة إلى أحد جوانب هذا التصعيد بأن الحركة “تتهيأ للتحرك شعبياً إذا لم تستجب الأطراف والمجتمع الدولي لمطالب كسر الحصار… حتى نهاية العام الجاري” في إطار الضغط والتصعيد المتدرج.
هذا التلويح الحمساوي بالعودة إلى التصعيد، دفع الحكومة الإسرائيلية للتحرك سريعاً باتجاه العاصمة المصرية القاهرة التي زارها وزير الخارجية يائير لبيد في الوقت نفسه الذي صدر به بيان “حماس”، لبحث “تطورات الوضع في غزة والملف الإيراني”، لجهة أن “حماس” أشارت في بيانها إلى أنها “سلمت القيادة المصرية ورقة سياسية متكاملة بشأن مستقبل العمل الفلسطيني تتضمن رؤية الحركة لأهم القضايا الداخلية والخارجية”.
أما لماذا هذا الاتصال الإيراني مع “حماس” في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، والكلام عن تنسيق ودعم بين الطرفين لإعادة تحرير كامل التراب الفلسطيني؟ خصوصاً أن الطرفين يؤكدان في خطابهما السياسي التحول الذي حصل في المعادلة العسكرية والاستراتيجية بعد معركة الأيام الإحدى عشرة التي حملت اسم “سيف القدس” والتي طالت فيها صواريخ “حماس” العمق الإسرائيلي في القدس وتل أبيب.
لا شك أن التحرك الذي قامت به الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة بالتزامن مع انطلاق الجولة السابعة للمفاوضات النووية بين إيران والخماسية الدولية ومعها الولايات المتحدة في فيينا، رفع من مستوى القلق الإسرائيلي من إمكانية حصول توافق أو اتفاق بين هذه الأطراف مع النظام الإيراني تعترف بموجبه بالمستويات التي وصل إليها البرنامج النووي مقابل ضوابط متشددة وقاسية في الرقابة والتفتيش والأهداف، وأن تنتهي الأمور إلى إلغاء جميع العقوبات أو غالبيتها من دون أن تكون مشروطة بالهواجس الإقليمية، خصوصاً الإسرائيلية، ببحث مصادر هذه الهواجس وأسباب القلق المتمثلة في البرنامج الصاروخي وتفريعاته من سلاح الطيران المسير، إضافة إلى النفوذ الإقليمي والتدخل في شؤون دول المنطقة واتهامها بزعزعة الاستقرار.
خصوصاً أن بيان “حماس” حول التهدئة تزامن أيضاً مع الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى واشنطن والحديث عن تفاهمات متقدمة مع نظيره الأميركي لويد أوستن حول إمكانية اللجوء إلى عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية في حال فشلت المفاوضات، وإصداره الأوامر من واشنطن لقيادة وزارته برفع متسوى التأهب في المرحلة المقبلة.
وعلى الرغم من الاعتقاد السائد لدى القيادة الإيرانية بعدم رغبة واشنطن بالذهاب إلى خيار عسكري ضد طهران في ظل الرؤية الجديدة للبيت الأبيض، والتي تسيطر عليها استراتيجية العمل على احتواء الطموحات الصينية، وإن أي حرب غير مدروسة وغير مبرمجة قد تبعدها عن هذا الهدف، خصوصاً وأن رؤية هذه الإدارة تتمركز حول مفهوم إنهاء الحروب المفتوحة والابتعاد عن الدخول في حرب جديدة. وهي رؤية تشكل نقطة التقاء بين سياسة الرئيس الحالي جو بايدن مع سلفه الجمهوري دونالد ترمب.
فإن حديث حركة “حماس” والفصائل المتحالفة معها في قطاع غزة عن إنهاء التهدئة، والتواصل الإيراني مع قيادتها، يحمل على الاعتقاد، بأن طهران تسعى لتوجيه رسائل أمنية وعسكرية إلى الحكومة الإسرائيلية رداً على رفع تل أبيب من مستوى تحركاتها السياسية بالتزامن مع رفع مستوى التهديد والتلويح بعمل عسكري ضدها، فضلاً عن جهودها لعرقلة المسار التفاوضي ودفع الدول المشاركة في جلسات التفاوض إلى تعقيد المشهد وتقييد طهران بكثير من الشروط والالتزامات التي لا تقف عند حدود الأنشطة النووية، بل تسعى للحصول منها على تنازلات في الملفات الإقليمية والمشروع الصاروخي الباليستي بما هو تهديد مباشر لأمن إسرائيل، سواء من داخل الأراضي الإيرانية، أو من مناطق انتشار حلفائها في المنقطة، خصوصاً الترسانة الكبيرة التي يمتلكها “حزب الله” اللبناني، إضافة إلى ما قامت به من تطوير مخزون “حماس” والفصائل الفلسطينية الأخرى من هذه الصواريخ.
ما تحاول طهران إيصاله للغريم الإسرائيلي ومعه الإدارة الأميركية، أن سياسة التهديد أو “العصا والجزرة” التي تمارس ضدها لن توصل إلى النتيجة المطلوبة وأن تفرض عليها تنازلات جوهرية، خصوصاً، وأن مثل هذه التنازلات قد تؤثر سلباً على موقف النظام وقيادته داخلياً، وقد تؤدي إلى نتائج لا يرغب بها أو تضعه أمام تحديات لا يريدها ليس أقلها انفجار الوضع الداخلي.
لذلك فإن الرسائل الإيرانية الأولى تحاول القول، إن طهران لا تعدم الأوراق التي تسمح لها بالرد على التهديد الإسرائيلي والعصا الأميركية. وإذا ما كان الطرفان يلوحان بالعمل العسكري لفرض المزيد من التنازلات، فان لديها ما يسمح بالرد بتهديد مقابل والتلويح باستخدام ما تملك من أوراق استثمرت فيها على مدى عقود.
أما الرسالة الأخطر في هذا السياق، فقد تكون على علاقة بمدى جدية هذه التهديدات، الشعور باقتراب موعد ترجمتها عملياً، وذهاب واشنطن وتل أبيب إلى خيار العمل العسكري وإنهاء المسار التفاوضي، وبالتالي فإن طهران ستلجأ إلى تحرك استباقي يمسح لها بإحداث نوع من الإلهاء أو فتح جبهة على الخاصرة الإسرائيلية تجبر تل أبيب على التخلي عن خيار الحرب أو العمل العسكري ضدها، وذلك اعتماداً على قراءة إيرانية بالآثار السلبية التي تركتها حرب “سيف القدس” على المؤسستين السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
فهل سيبقى مستوى التراشق بين الطرفين عند حدود الكلام الإعلامي والمواقف التصعيدية، أم أن هناك إمكانية للانتقال إلى حرب مفتوحة بين الطرفين؟
وهل ستتعامل طهران مع المخاوف الإقليمية بمستوى جديد من الجدية، أم أنها ستعمد إلى استعادة تجربة حرب لبنان عام 2006 وتفريغ شحنة التصعيد والتوتر بحرب بعيدة من أراضيها؟
نقلاً عن أندبندنت عربية