عماد الدين الجبوري
على إيقاع الشد الإعلامي المتصاعد بالتصريحات الرسمية الإسرائيلية في اقتراب حربها ضد إيران لمنعها من امتلاك القنبلة النووية، وخطورتها البالغة في منطقة الشرق الأوسط خاصة والعالم عامة، مع أن إيران ثاني دولة مسلمة، بعد تركيا، اعترفت بالكيان الإسرائيلي عام 1953، وإن النظام السياسي الحالي الذي رفع شعار تحرير القدس، لم يرم إسرائيل بحصوة واحدة منذ عام 1979، بل ما يجري على أرض الواقع قضم إسرائيل وإيران للأراضي العربية، وعملهما المضاد لأمة العرب.
وعلى سبيل الذكر لا الحصر، خلال عام 2021 فقط، ارتكبت الفصائل المسلحة المدعومة من إيران سلسلة من القتل الطائفي والتخريب المناطقي في العراق وسوريا واليمن. كما اعتقلت إسرائيل، وفق التقرير السنوي لمؤسسة الأسرى وحقوق الإنسان الصادر في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قرابة 8 آلاف فلسطيني، بينهم أكثر من 1300 طفل و184 امرأة، وأن عدد المعتقلين المرضى نحو 600 معتقل. كما وصل عدد الشهداء الذين قتلتهم إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية إلى 227 شهيداً، بينهم 27 من النساء.
في أي حال، تواصل إسرائيل نهجها الحربي باستهداف إيران، وفي مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي في 28 من الشهر الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بما يلي: “إن حكومته بنت استراتيجية عملية للتعامل مع ما سمّاه الخطر الإيراني لا تقتصر على المشروع النووي وحسب”. مؤكداً أن “طهران أحاطت بلاده بمئات آلاف الصواريخ على مدى 30 عاماً، وهذا ما يجب إعادته إلى الوراء”. كما جدد تصريحه بأن “على إسرائيل منع إيران من الوصول إلى سلاح نووي”.
وبعد 48 ساعة من كلام بينيت، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد للجنة الشؤون الخارجية والدفاع، إن إسرائيل مستعدة للعمل بمفردها ضد إيران إذا توجب الأمر، مع إقراره بتفضيل “العمل وفق تعاون دولي، لكن إذا لزم الأمر سنتصرف بمفردنا”.
بيد أن تقرير العمليات العسكرية لعام 2021، أشار بوضوح إلى أن الجيش الإسرائيلي ليس له القدرة على شن هجوم على إيران من دون الاستعداد لمعركة في الدائرة الأولى، على جبهات لبنان وسوريا وقطاع غزة. كما ذكر التقرير أن الجيش لن يتمكّن من ضرب منشأة فوردو النووية الإيرانية، فيما يمتلك الأسلحة اللازمة لاستهداف أخرى، مثل منشأة نطنز وسط إيران.
وجاء في التقرير أيضاً، أن إسرائيل سارعت إلى الحصول على مشتريات في مجال الصواريخ الاعتراضية لبطاريات الدفاع الجوي، والذخائر اللازمة للقوات الجوية وتعزيز جاهزية القوات البرية، لمواجهة المعارك على جبهات عدة.
وعلى الرغم من ذلك، فقد عدّ التقرير أن التحدي الرئيس للجيش ومنظومة الدفاع في إسرائيل “هو المحور الشيعي المتطرف، من إيران عبر العراق وصولاً إلى تموضعه في لبنان وسوريا، ثم يأتي التهديد على الساحة الفلسطينية”.
وإذا توقع التقرير أن تحصل إيران على قنبلة نووية خلال عامين، فإن تقارير استخبارية إسرائيلية، نشرتها هيئة البث الإسرائيلية في نهاية العام الماضي، حذرت أن إيران باتت على بعد 8 أسابيع من امتلاك المادة الانشطارية لتطوير قنبلة نووية. وأكدت أن طهران باتت قادرة على إنتاج كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة. وبحسب التقديرات، فإن 25 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بدرجة 90 في المئة تُعدّ كمية كافية لإنتاج قنبلة نووية خلال فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر.
بالمقابل، نشر الحرس الثوري الإيراني شريطاً مصوراً يظهر محاكاة لاختراق القبة الحديدية الإسرائيلية خلال المناورة العسكرية الواسعة جنوب البلاد تحت مسمى “الرسول الأعظم”، اختبرت خلالها صواريخ باليستية، وشملت اختبارات صاروخية من البر والبحر وتمارين للقوات البرية والبحرية.
وفي تغريدة على “تويتر” نشرتها وكالة تسنيم الإيرانية، قال عنيد حاجي زاده قائد القوات الجوفضائية في فيلق الحرس الثوري، إن تمرين المحاكاة نجح في كسر القبة الحديدية.
وعقب اختتام هذه المناورات العسكرية للحرس الثوري، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إن “أي تحرك عدواني ضد بلادنا سيقابل برد شامل وواسع وحازم، وسيغير المعادلات الاستراتيجية في المنطقة”.
وعلى ضوء ذلك، قال أفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، “إن الجيش سيعد خططاً عسكرية ضد إيران”. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي في 26 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن كوخافي وجّه بتسريع الاستعدادات لهجوم محتمل ضد إيران. وفي ندوة عقدها “معهد دراسات الأمن القومي” في تل أبيب، أكد كوخافي أن إسرائيل لا تسعى إلى الحرب، لكنها ستعد الخطط العملية اللازمة. كما أنه وصف إيران بأنها مشكلة عالمية، لأنها تريد تحقيق قوة نووية واستخدامها.
وعلى الجملة، نفهم من الحماوة الإسرائيلية بحربها المزعومة ضد إيران، أنها لا تعدو عن حزمة من التصريحات والمقابلات الإعلامية المدروسة مسبقاً، وغالباً ما تطغو عليها مفردات الحروف المستقبلية، بالاستعداد والتهيؤ جهاراً نهاراً بالهجوم الجوي المرتقب لضرب منشآت نووية ومواقع عسكرية داخل العمق الإيراني، وهذا الوضع يزيد من الريبة بل ومن السخرية أيضاً، فالاستعداد للحرب بهذا المستوى الفعّال، يتطلب السرية والكتمان لإرباك العدو لا اللغو في كلام إعلامي أقرب إلى الحشد الاستعراضي من حقيقة شن الحرب نفسها.
فلا نتوقع من إسرائيل أن تشن تلك الحرب التي تدعيها ضد إيران. وبذلك، لا يوجد رد فعل إيراني عليها غير الميدان الإعلامي ذاته، إنها لعبة شد أعصاب متقدمة تنتهي واقعياً بامتلاك إيران لسلاح نووي محدود، وتكون دول المشرق العربي محصورة بين مطرقة الصهيونية وسندان الصفوية
نقلاً عن أندبندنت عربية