كريتر نت – العرب
قالت أوساط خليجية مطلعة إن الزيارة التي سيقوم بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن ولقاءه الرئيس جو بايدن سيكونان مهمّيْن للطرفين؛ فقطر تبحث عن اعتراف أميركي بدورها الإقليمي بقطع النظر عن الثمن الذي يمكن أن تدفعه، فيما تسعى الإدارة الأميركية لاستثمار علاقات الدوحة وإمكانياتها في تسهيل عقبات ضمن ملفات تحتاج إلى حياد ووساطة مثلما جرى الأمر مع حركة طالبان.
وأشارت هذه الأوساط الخليجية إلى أن واشنطن لا تهتم بالتوصيف الذي يمكن أن يطلق على الدور الذي تلعبه قطر، سواء أكان دور الوسيط أم دور الشريك، المهم بالنسبة إلى الأميركيين أن تنفذ الدوحة ما يريدونه من أدوار في ملفات ترى واشنطن أن القطريين هم الأقرب إليها، من ذلك العلاقة مع إيران التي تحتفظ قطر بعلاقات جيدة معها تساعد على إبلاغ الرسائل الأميركية وعروض التهدئة، خاصة ما تعلق منها بالملف النووي.
وتنظر طهران إلى الدوحة بالمنظار نفسه؛ إذ تعتبرها القناة الأقرب إليها، ليس فقط من ناحية إيصال الردود المتعلقة بعروض التفاوض إلى واشنطن، وإنما أيضا من ناحية إيصال رسائل إلى دول الخليج الأخرى، خاصة في ذروة التوتر الحالي بعد الهجمات الحوثية على مواقع حيوية في الإمارات والسعودية، وهو ما عكسته زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الخميس إلى طهران، حيث التقى نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان.
واللقاء هو الثاني بين الوزيرين القطري والإيراني هذا الشهر، بعدما التقيا خلال زيارة قام بها أمير عبداللهيان إلى الدوحة في الحادي عشر من يناير، وتخللها أيضا لقاؤه بأمير قطر.
وكان وزير الخارجية القطري قد قال في تصريحات سابقة إن بلاده تعمل على تخفيف حدة التوتر في المنطقة بالدعوة إلى العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني المبرم في عام 2015.
وأكد أمير عبداللهيان الاثنين أن طهران لا تستبعد تواصلا مباشرا مع واشنطن خلال المباحثات النووية في فيينا، في حال كان ذلك ضروريا لإبرام تفاهم “جيّد” بشأن إحياء الاتفاق.
وترى الأوساط الخليجية ذاتها أن إدارة بايدن تكرر أخطاء إدارات سابقة، وخاصة إدارة باراك أوباما الذي سعى عبر دول خليجية -مثل قطر وسلطنة عمان- للتقارب مع إيران والتوصل إلى اتفاق نووي مكنها من الحصول على امتيازات كثيرة على حساب حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة. وشددت هذه الأوساط على أن لا جدوى من وساطة مع إيران لا تأخذ بعين الاعتبار استقرار المنطقة ومطالب دول الجوار.
مساع لقياس مزاج الخليجيين تجاه الحوار الجديد مع إيران بشأن البرنامج النووي
لكن مراقبين يقولون إن بايدن خلال لقائه الشيخ تميم، المقرر يوم الاثنين القادم، سيسعى لقياس مزاج الخليجيين تجاه الحوار الجديد مع إيران بشأن النووي، خاصة في أعقاب هجمات الطائرات دون طيار والصواريخ البالستية التي أطلقها الحوثيون على الإمارات والسعودية، وهي الهجمات التي أعادت مساعي الانفتاح الخليجي على إيران إلى نقطة الصفر.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن أي وساطة في الوقت الحالي من قطر أو غيرها لن تجد أي صدى لدى الخليجيين سواء تعلقت بإيران أم بمساعي إنهاء حرب اليمن، وأن ما يهم دول المنطقة هو ترتيب أمورها بشكل يسمح لها بالتصدي بفاعلية لمختلف الهجمات التي تنفذها أذرع إيران لتحقيق أهداف لا علاقة لها باليمن واستقراره.
ويقلل هؤلاء من فرص نجاح الوساطة القطرية في الملف الإيراني وخاصة ما تعلق منه بموضوع التهدئة في المنطقة، بل على العكس من ذلك فقد تقود إلى برود علاقات قطر مع دول الخليج وإعادة المناخ الذي ساد سابقا وقاد إلى أزمة صيف 2017 قبل أن تفرض التغييرات الإقليمية الدولية نفسها وتقود إلى مصالحة قمة العلا.
وعلى العكس من دور سلطنة عمان في الاتفاق السابق، حين اكتفت مسقط باعتراف معنوي من الأطراف المعنية بالحوار، تسعى الدوحة لزيادة دور الشريك الإقليمي لواشنطن من خلال فرصة الوساطة التي تتاح لها.
ويلفت المراقبون إلى أن قطر ليست في وارد منافسة النفوذ السياسي للإمارات في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، لكنها بالتأكيد تستغل موقف الإدارة الأميركية الحالية المتقلب حيال السعودية.
وفي الوقت الذي يراهن فيه القطريون على نجاح زيارة الشيخ تميم إلى واشنطن لإعادة قطر إلى الواجهة كلاعب إقليمي، يحذر متابعون للشأن الخليجي من أن الدوحة تغامر بالرهان على إدارة ديمقراطية مرتبكة ومتقلبة قد تتركها وحدها في منتصف الطريق كما حدث مع الإدارة الديمقراطية التي قادها أوباما، والتي دفعت الدوحة إلى لعب أدوار أكبر من حجمها في سوريا وليبيا ثم تركتها بعد أن قامت واشنطن بتعديل استراتيجيتها نحو النأي بالنفس عن لعبة الربيع العربي.
وأحيا النجاح في ترويض حركة طالبان وفتح قنوات التواصل بينها وبين الولايات المتحدة ودول غربية مختلفة آمال القطريين القديمة في لعب أدوار أكبر تتجاوز المستوى الإقليمي، من ذلك مثلا استجابتها لرغبة الولايات المتحدة في ضخ الغاز القطري باتجاه أوروبا وتحويله إلى ورقة ضغط على روسيا في صراعها مع أوكرانيا.
ورغم أن الدوحة تتعاطى بحذر مع مساعي واشنطن -وهي تخطط لأن تكون ورقة الغاز مفتاحا لتحالف جدي مع إدارة بايدن- يقول مراقبون إن القبول بالعرض الأميركي سيجلب للقطريين مشاكل إضافية كأن تقود مغامرة تعديل الاتفاقيات طويلة المدى إلى خسارة ثقة الشركاء خاصة في آسيا، وفي المقام الأول الصين التي تعد قطر المصدّر الثاني للغاز إليها من حيث الحجم.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية تواصلت الإدارة الأميركية مع الدوحة ومنتجي طاقة رئيسيين آخرين لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم تقديم المساعدة إذا شنت روسيا هجوما على أوكرانيا وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على موسكو.