كريتر نت – بغداد
تجد الصين في انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط فرصة لتثبيت مبادرة الحزام والطريق كبديل استراتيجي لدول المنطقة، خاصة لدولة مثل العراق التي تعيش منذ 2003 على وقع أزمات اقتصادية كبيرة لعل أبرزها أزمة الكهرباء التي تظهر إلى العلن في قالب مأساة كل صيف.
وفشل العراقيون في حل هذه المعضلة بالرهان على إيران التي كانت تتعمد قطع الكهرباء عليهم في أيام الحر. كما فشلت رهاناتهم على دول إقليمية أخرى في البحث عن حل دائم لهذه الأزمة، وهو ما يجعل دخول الصين على الخط بمثابة بشرى سارة للعراقيين.
العراق ينتج حاليا ما يقرب من 18 غيغاواط، أي أقل بكثير من الـ28 غيغاواط التي يحتاجها في ظل الظروف العادية
وحظي العراق بأكبر نسبة استثمارات صينية في المنطقة بلغت 10.5 مليار دولار. وهو يعد الآن ثالث أكبر شريك للصين في مشاريع الطاقة بعد باكستان وروسيا.
وخصصت الصين أكثر من 5 مليارات دولار لمحطة الخيرات لتوليد الطاقة بالنفط الثقيل في محافظة كربلاء. وستولد المحطة 3200 ميغاواط من 8 وحدات توليد طاقة تنتج كل منها 400 ميغاواط.
وفازت الشركة الصينية “سيتيك للبناء” بالعقد. وكانت الشركة قد أنشأت في السابق محطة ميسان لتوليد الكهرباء بالغاز بطاقة 840 ميغاواط في العمارة جنوب العراق. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المصنع بكامل طاقته في الأشهر الأولى من هذا العام.
كما تساهم شركة الطاقة الصينية العملاقة “سينوبك” مع شركة “ميدلاند أويل” التي تملكها الدولة العراقية في مشروع كبير آخر لتطوير حقل غاز المنصورية شمال شرق العاصمة بغداد. ومن المتوقع أن ينتج الحقل 300 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا ستستخدم في تغذية محطات الكهرباء في العاصمة بغداد ومحافظة ديالى.
ويعاني العراقيون من نقص في الكهرباء على امتداد ما يقارب العقدين، منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 للإطاحة بصدام حسين.
وعانت البلاد في 2020 أحرّ صيف على الإطلاق، وكان العام الماضي أفضل قليلا مع درجات حرارة تحوم حول 50 درجة مئوية. وتفاقم بؤس العراقيين العاديين من خلال الانقطاعات المتكررة التي أدت إلى حرمان الملايين من الكهرباء وتكييف الهواء.
وينتج العراق حاليا ما يقرب من 18 غيغاواط، أي أقل بكثير من الـ28 غيغاواط التي يحتاجها في ظل الظروف العادية.
وكانت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قد وعدت بإنشاء محطات للطاقة النووية بمخطط طموح لبناء 8 مفاعلات بتكلفة 40 مليار دولار لحل الأزمة، وأجرت محادثات استكشافية مع شركة “روساتوم” الروسية العام الماضي ووقعت مذكرة تفاهم.
وقال رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة كمال حسين لطيف إن الهيئة تدرس أيضا جعل شركة “كيبكو” الكورية الجنوبية كشريك محتمل. وفي يونيو الماضي نسبت وكالة بلومبرغ إلى لطيف قوله إنه “لمواجهة التحدي تخطط البلاد لبناء ثمانية مفاعلات ذرية قادرة على إنتاج حوالي 11 غيغاواط”.
وأكد لطيف أن الحكومة أجرت محادثات مع المسؤولين الروس والكوريين الجنوبيين وشركات الطاقة النووية الحكومية بشأن العمل معًا لبناء المحطات خلال العقد المقبل. كما أن الهيئة تحدثت أيضا مع مسؤولين فرنسيين وأميركيين بشأن الخطة. وأضاف “لدينا العديد من التنبؤات تظهر أنه دون الطاقة النووية سنواجه مشكلة كبيرة بحلول عام 2030″.
لكن المحلل العراقي عمر النداوي يعتبر أن بناء مفاعلات نووية في العراق هو بمثابة حلم بعيد المنال بسبب ارتفاع التكلفة وصعوبة ضمان مشاركة المستثمرين الأجانب، محذرا من أن مجرد إضافة المزيد من السعة لا يعالج قضايا النقل والتوزيع التي تؤدي إلى فقدان أكثر من نصف الطاقة المنتجة، فضلا عن افتقار العراق إلى القدرات التكنولوجية والضمانات الأمنية.
وأكد النداوي أن إهدار الموارد والوقت الثمين في دراسات واستشارات لا طائل من ورائها هو آخر ما يحتاجه قطاع الكهرباء في العراق في ظل الرشاوى والفساد اللذيْن أصبحا السمة المميزة للصفقات الحكومية الضخمة.
ويتفق الصينيون مع التزامهم ببناء مصنع النفط الثقيل بالخيرات ومنشآت غاز المنصورية بوضوح مع هذا التحليل، لأجل ذلك تجنبوا الخيار النووي وتحركوا للاستفادة من الفرصة التي أوجدتها أزمة الطاقة العراقية.
المصدر : العرب اللندنية